الدفاع بكل وسيلة











الدفاع بکل وسيلة



لقد کانت معارک صفّين غريبة، فمعاوية کان قد أعد جيشه إعداداً جيداً، وکانت إلي جانبه القيادات العربية العريقة، والقبائل التي دخلت الإسلام بعد الفتح حاملة معها رواسبها وتقاليدها وطاعتها لشيوخها. وقد استفاد من خبرة الروم بحکم احتکاکه بحضارتهم في الشام، وجهّز جنوده بأفضل الأسلحة، ومنَّاهم بالأموال التي تکدست عند الحزب الأموي، منذ أيام الجاهلية وتضاعفت علي عهد عثمان. وفي الجانب الآخر کانت التعبئة الروحية عند أنصار الإمام (ع) في القمة، فها هم أصحاب رسول الله (ص) وعددهم ألف وسبعمائة، بينهم کبار المهاجرين وبقية البدريين، والمشترکين في بيعة الرضوان، يتبعهم جيش من قراء القرآن والعُبَّاد وأصحاب البرانس، وما نمي وتبارک من الجيل القرآني، ومن ورائهم القبائل العربية التي اتَّبعت هذا الخط بدافع أو بآخر. وحين التقي الفريقان، کانت الکفة متعادلة تقريباً، ولذلک قلما کانت المعارک حاسمة، وأنقل إليکم صورة معبرة واحدة من هذا التعادل: يقول زياد بن نصر الذي کان في مقدمة جيش الإمام (ع): شهدت مع علي بصفّين، فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال، حتي تکسرت الرماح، ونفدت السهام، ثم صارت إلي المسايفة، فاجتلدنا بها إلي نصف الليل، حتي صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضاً. وقد قاتلت يومئد بجميع السلاح فلم يبق شي ء من السلاح إلاّ قاتلت به، حتي تحاثينا بالتراب وتکادمنا، حتي صرنا قياماً ينظر بعضنا الي بعض ما يستطيع واحد من الفريقين أن ينهض إلي صاحبه ولا يقاتل. فلما کان نصف الليل، من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصف، وغلب علي علي القتلي، وأقبل علي أصحاب محمد وأصحابه فدفنهم، وقد قتل کثير منهم، وقتل من أصحاب معاوية أکثر.[1] .









  1. المصدر: (ص 159).