وليداً عظيماً

کانت مکة تحتفل بالوافدين إلي زيارة بيت الله الحرام.. في الشهر الحرام، رجب الأصب. وکانت الوفود الکريمة تؤدي مناسک البيت، والناس يطوفون حوله، وينادون ربهم حيناً، والأصنام أحياناً. وکانت هنالک امرأة کريمة،تطوف لا کما يطوفون، إذ کانت تتجه إلي الله وحده لا شريک له، فتغمر نفسَها ضراعةُ المتبتِّل، وخشوع المحتاج، ووقار المطمئن إلي فضل الله، تدعو الله وحده،وتسأله أن يخفف عنها وطأة ما تخافه وتحذره. لقد کانت أُمّاً لثلاثة أبناء وبنت واحدة، ولکن لم يشتد بها المخاض ولا عصر أعصابها کهذه المرة. ودعت، فألحت في الدعاء لعل الله يخفف عنها آلام الطلق، وتضرعت فأبلغت في التضرع، وفي الجانب الغربي من البيت، إذ اجتمع طائفة من الحجاج، حدث أمر عجيب: لقد کانت في أُخريات أشواطها، عند مقترب الرکن اليماني، إذ انشق لها جانب البيت، وکأن نداءً خفيّاً يدعوها أن ادخُلي بيت ربک! دخلت البيت، والناس يشهدون في ذهول ويصيحون صيحة العجب!. فيتقاطر عليهم سائر الطائفين، يسألون عن الحدث؟ ومن هذه السيدة التي کانت الساعة تطوف؟. إنها حفيدة هاشم بنت أسد، زوجة أبي طالب والدة أم هاني وطالب وعقيل وجعفر. إنها فاطمة!. ويجتمع الناس وبينهم الزعماء والأشراف.. وبعد مدة، ينشق الجانب ذاته، فتتهلَّل وجوه الحاضرين کما يتهلل وجه الوليد العظيم، وهو يتقلب علي أذرع الوالدة الکريمة. إنه حادث فريد من نوعه، أن ينشق طرف البيت، فتدخل الحامل وتلد في مرکز الإشعاع الروحي والبرکة الإلهية، بيت الله الحرام الذي يعتبر أقدس محل «يحترمه العرب».. وإنها لکرامة لبني هاشم علي قريش، ولقريش علي العرب أن يوليّهم ربُّ البيت بهذه العناية، فيسمح لامرأة منهم أن تضع حملها ببطن بيته، مکرَّماً ومعظّماً. وسرت البشري في بيوت الهاشميين!. وانطلقت نساؤها تزف تهانيها إلي فاطمة معجبة مغرمة.. وجاء الزعماء يبشرون أباطالب بالوليد العظيم، ومن بين هؤلاء فتي يهمه أمر الوليد أکثر من غيره، ينظر إليه لا کما ينظر الرجال الآخرون.. إنه محمد بن عبدالله (ص) الذي لم يزل يحسب من عائلة أبي طالب، فإذا تناول الوليد تلا آياتِ الله فأعجب به وبارک بولادته. وقالوا: إن الوليد لم يفتح عينيه إلاّ علي محيَّا ابن عمه النبي العظيم وسُمِّيَ عليّاً، واختارت أمه له اسم (حيدر) وإذا کان هذا الاسم يوحي باکتمال الجسم الذي يبشر بالبطولة، فإن الاسم الآخر کان يوحي ببشائر السموِّ المعنوي.

---