صفّين: المنعطف الخطير











صفّين: المنعطف الخطير



وکانت لاتزال أمام الإمام عقبة کأداء لابد من تجاوزها حتي يقيم العدالة ويجري أحکام الله، فهذا معاوية ابن أبي سفيان قائد الردة الجاهلية يعبئ إليه کل الحاقدين علي الإسلام، والموتورين وبقايا العهد البائد، ويجمع إليهم الطامعين والأثرياء المترفين. وقد أرکز نفسه في الشام منذ أن ولاه عليها الخليفة الثاني بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، قائد جيوش الشام. وقد حاول الخليفة الثاني جلب رضا بني أمية- القوة السياسية والعسکرية الأکثر تماسکاً والأبعد عن الدين- وقد زعم الحزب الأموي أن الشام قد أضحت إقطاعة خالصة لهم وإلي الأبد، فرکز قواه العسکرية هناک ولم يتصور أنَّ حاکماً في البلاد يجرؤ علي مطالبتهم بها، مادام الخليفة الثاني الأقوي بين الخلفاء غض طرفه عما يجري في الشام من تدعيم وجود الحزب المنافس للإسلام، وکان يستثني الشام من قوانينه المشددة، کقانون من أين لک هذا الذي اخترعه لمقاومة الترف الذي هبط إليه الحکام الجدد، حتي أبوهريرة الراوية المعروف، لم ينج من هذا القانون الصارم، ففقد الکثير مما جمعه في البحرين تبعاً له، بينما معاوية وحزبه الأموي، الذي کان يرسي قواعد ملکه العضوض في الشام، ويجمع الثروات الطائلة، ويغدق الهبات السخية علي المنتفعين، کان يُستثني منهم. وحينما قيل له في ذلک برر سکوته عنه بأنه يمثل عز الإسلام، ولا تظن أنه کان قادراً علي ضبط معاوية دون أن يدفع ثمناً باهضاً. وفعلاً قد دفع حياته ثمناً لبعض الضغط علي الحزب الأموي في العاصمة وليس في الشام. هکذا زعم معاوية أن بإمکانه أن يبقي حاکماً علي الشام في عهد الإمام (ع) وما راعه إلاّ حکم علي (ع) بفصله وتولية غيره!!

وکان الإمام (ع) أعلم من غيره بواقع معاوية، وأن مسيره إليه لايعني النصر عليه بالتأکيد، إذ أن جيش معاوية المتماسک ذي الولاء الجاهلي، يختلف عن جيشه الذي تتضارب أهواؤهم ولم يخلص ولاؤهم، بالرغم من وجود قلة مؤمنة فيهم. وقد صرح بذلک في أکثر من مناسبة فقال لجيشه مرة: «يا ليت معاوية يبادلني جيشه صَرْفَ الدينار بالدرهم، يعطي واحداً ويأخذ عشرة!». وقبل المسير إلي الشام قال أحد قادة جيش الإمام للثاني وهو يسمعهما، إن يومنا ويومهم ليوم عصيب لا يصبر عليه إلاّ کل مشبع القلب، صادق النية. رابط الجأش. وأضاف القائل وهو زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل قال: وأيم الله ما أظن ذلک اليوم يبقي منا ومنهم إلاّ الأرذال. فقال له صاحبه: وأنا والله أظن ذلک. فنظر إليهما الإمام (ع) وکأنه يؤيدهما، ولکنه يطالبهما بمراعاة ظروف الحرب، وقال:«ليکن هذا الکلام مخزوناً في صدورکما لاتظهراه ولا يسمعه منکما سامع. إن الله کتب القتل علي قوم والموت علي آخرين، وکل آتيه منيته کما کتب الله له، فطوبي للمجاهدين في سبيل الله. والمقتولين في طاعته».[1] .

هکذا کان يجري الحوار بين قيادات الجيش وهکذا کان الإمام (ع) يحدد الهدف من القتال وهو ابتغاء رضوان الله. ومقاومة المفسدين مهما کانت العواقب.









  1. المصدر: (ص 91).