كيف قتل الخليفة الثاني











کيف قتل الخليفة الثاني



يري بعض الباحثين أن الحزب الأموي کان وراء مقتل الخليفة الثاني، خصوصاً وقد ضيق عليهم في أواخر عهده. فهذا عمرو بن العاص يتأفف ويقول: لعن الله زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب، والمغيرة يحقد عليه لأنه عزله عن البصرة بعد أتِّهامه بالزنا، وفي أکثر من مناسبة، کان يخاطبه قائلا: والله لا أظن أبابکرة قد کذب عليک. ويري عبدالرحمن بن أبي بکر أن جفينة غلام سعد بن أبي وقاص کان مشترکاً في الجريمة،وسعد کان تربطه بالبيت الأموي قرابة حميمة، حيث إن أمّه کانت أخت أبي سفيان.

والواقع: أن الأسباب التي يري المؤرخون أنها کانت وراء إقدام أبي لؤلؤة علي اغتيال الخليفة الثاني، تافهة، ولا يمکن أن تصمد أمام النقد، حيث إن مجرد رفع المغيرة مولاه الضريبة عليه لا تدعو لاغتيال الخليفة، بل لاغتيال مولاه، والذي تذهب إليه الضريبة مباشرة، فلما اشرف الخليفة علي الوفاة جعلها شوري بين ستة. وجعل الإمام عليّاً (ع) واحداً منهم، أما الباقون فهم: عثمان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.وکان واضحاً من طبيعة الشوري، ومن وصية عمر بأن يؤخذ برأي الثلاثة، الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، الذي کان يفضل صهره عثمان. وهکذا فإن الخليفة الثاني اختار خليفته بلباقة، ولعله فعل ذلک بوحي مخاوفه السابقة من انتقال الخلافة إلي الإمام (ع) باعتباره النجم اللامع الذي إذا سطع في سماء الخلافة، ولم يبق لغيره بريق، أولم يقل- وهويستعرض صفات الست، وينعت کل واحد منهم بأبشع الصفات، إلاّ عليّاً. فيقول فيه: لله أنت لولا دعابة فيک. أما والله لو وليتهم لتحملنّهم علي الحق الواضح والمحجة البيضاء. وهذا يعني أن خلافة علي (ع) کانت تنسف الأسس التي بناها الخليفتان من قبله، ولعله لذلک رفض الإمام شرطاً من عبدالرحمن بن عوف عليه بأن يعمل بسيرة الشيخين. إلاّ أن الإمام (ع) حين خرج من بيت الشوري وقد تمت البيعة، لعثمان بن عفان قال: «نحن أهل بيت النبوة، ومعدن الحکمة، أمان لأهل الأرض،ونجاة لمن طلب، إن لنا حقّاً إن نُعطه أخذناه، وإن نمنعه نرکب أعجاز الإبل».(أي نکون تبعاً لغيرنا). ثم التفت إلي ابن عوف وقال: «ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون. والله ما ولَّيته الأمر إلاّ ليردَّه عليک».[1] .

وقال أيضاً: «أيها الناس! لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري. أَمَا وقد انتهي الأمر إلي ما ترون فوالله لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يکن جور إلاّ عليَّ خاصة، التماسا لأجر ذلک وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه»[2] .









  1. راجع: سيرة الأئمة الاثني عشر (ج 1 ص 394).
  2. المصدر: ص (397).