وحين استخلفه الرسول علي المدينة











وحين استخلفه الرسول علي المدينة



وعاد الرسول إلي المدينة، فانتهي إليه، في العام التاسع من الهجرة، خبر مفاده أن الروم يُعِدُّون جيشاً لغزو البلاد الإسلامية. فعبأ قواته لمواجهتهم، وکان ذلک أول مواجهة- لو تمت- بين المسلمين والکفار خارج الجزيرة، وبالذات مع الأمبراطورية الرومانية العظيمة، وکان من الحکمة أن يرتب الرسول أمور بلاد العرب بصورة تامة حتي إذا لم تقدّر له العودة، تکون البلاد الإسلامية بأيد أمينة، تأمن شر الإعتداءات الخارجية والمؤامرات الداخلية التي کانت قد أضحت في تلک الفترة متنامية بسبب دخول مجاميع من الناس في الإسلام ليحفظوا دماءهم ويحصلوا علي مغانم ومکاسب. وهکذا استخلف النبي عليّاً مکانه، إلاّ أن المنافقين الذين کانوا ينتظرون فرصة کهذه، ليقفزوا إلي السلطة أو ليعيثوا فساداً في أرض الجزيرة، راحوا يبثون شائعات بأن النبيَّ (ص) إنما استخلف عليّاً لأنه لم يحب أن يکون معه، فحمل الإمام سيفه وسلاحه ولحق بالرسول في منطقة «الجرف» فأخبره بمقالة المنافقين، فقال له النبي (ص): «إنما خلفتک لما ورائي، إن المدينة لاتصلح إلاّ بي أو بک. فأنت خليفتي في أهل بيتي، ودار هجرتي وقومي، أما ترضي أن تکون مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبيَّ بعدي». ولعل وراء استخلاف النبي (ص) للإمام (ع) وتسليمه شؤون البلاد الإسلامية أثناء غيابه عنها، حکمة بالغة، إذ أن عليّاً وصيَّه الذي اختاره الله له وأعلن ذلک للناس منذ «يوم الدار» حين أنذر عشيرته الأقربين، فلابد إذن من تمهيد الظروف لذلک. ويوحي بهذه الحکمة ما نجده في مسند أحمد من قوله (ص) بعدئذ حسب هذا المصدر. «لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي»[1] .

ويا ليت شعري، کيف لايترک الرسول المدينة إلاّ وعلي خليفته، ثم يترک الدنيا دون أن يستخلف عليّاً (ع)؟.









  1. المصدر: ص 259 نقلا عن فضائل الخمسة: ص 229.