غزوة الأحزاب











غزوة الأحزاب



ثم کانت الأحزاب، حيث تجمعت قريش والأعراب لمحاربة الإسلام من جديد ويصف ذلک الإمام ويقول: وعقدت بينها عقداً وميثاقاً، لايرجع من وجهها حتي تقتل رسول الله، وتقتلنا معه- معاشر بني عبدالمطلب- ثم أقبلت بحدِّها وحديدها، حتي أناخت علينا بالمدينة، واثقة بأنفسها، حينما توجهت له فهبط جبرائيل علي النبي (ص)، فأنبأه بذلک فخندَّق علي نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار، فقدمت قريش فأقامت عليالخندق محاصرةً لنا، تري في أنفسها القوة وفينا الضعف، تُرعد وتُبرق، ورسول الله (ص) يدعوها إلي الله عزَّوجلَّ، ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبي ولا يزيدها ذلک إلاّ عتوّاً. وفارسها وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود يهدر کالبعير المغتلم،يدعو إلي البراز ويرتجز، ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة، ولا يقدم عليه مُقدم،ولا يطمع فيه طامع، ولا حمية تُهيجه، ولا بصيرة تُشجعه، فأنهضني إليه رسول الله (ص) وعمَّمني بيده، وأعطاني سيفه هذا (وضرب بيده إلي ذي الفقار) فخرجت إليه، ونساء أهل المدينة بواکٍ إشفاقاً عليَّ من ابن عبدود، فقتله الله عزَّوجلَّ بيدي، والعرب لاتعد لها فارساً غيره، وضربني هذه الضربة- وأومأ بيده إلي هامته- فهزم الله قريشاً والعرب بذلک، وبما کان مني من النکاية. بل کانت تلک هي الضربة التي عدلها النبي (ص) بعبادة الثقلين، فرجحت وقال: «ضربة عليٍّ يوم الخندق تَعْدِلُ عبادة الثقلين»[1] .

ومضي أصحاب الرسول (ص) يمجِّدون تلک الضربة التي أنقذت المسلمين من اخطر هجوم عسکري قام به کلُّ مستکبري قريش والقبائل المشرکة، بالتعاون مع اليهود والمنافقين. يروي الشيخ المفيد في إرشاده، عن قيس بن الربيع عن أبي هارون السعدي، أنه قال: أتيت حذيفة اليمان فقلت له: يا أباعبدالله، إنا نتحدث عن عليٍّ ومناقبه، فيقول لنا أهل البصرة: إنکم تُفرطون في علي، فهل أنت محدثي بحديث فيه؟ فقال حذيفة يا أباهارون!. وما تسألني عن علي؟ فوالذي نفسي بيده لو وُضعت جميع أعمال أصحاب محمد في کفة الميزان، منذ بعث محمد (ص) إلي يوم القيامة، وَ وُضع عمل علي في الکفة الأخري، لَرجح عمل علي علي جميع أعمالهم.

فقال: هذا الذي لايقام له ولا يُقعد ولا يُحمل، فقال حذيفة: يا لکع!. وکيف لا يُحمل، وأين کان فلان وفلان، وجميع أصحاب محمد (ص) يوم عمرو بن عبدود العامري، وقد دعا إلي البراز، فأحجم الناس کلهم ما خلا عليّاً فإنه برز إليه وقتله الله علي يده؟ والذي نفسي بيده، لَعَمَلُه ذاک أعظم أجراً من أعمال أصحاب محمد إلي يوم القيامة[2] .

وبعد وقعة الخندق، سار النبي إلي مکة، وکان يحب أن يدخل مکة معتمراً، ومعه عدد کبير من المسلمين. فأعطي اللواء لعلي عليه السلام، فلما وصل مشارف مکة منعته قريش منها، واجتمع أصحاب الرسول تحت شجرة هناک وبايعوه علي الموت بما سمي بعدئذ ببيعة الرضوان، وقال بعض المفسرين: نزلت الآية الکريمة فيها: ( لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَاَنزَلَ السَّکِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح: 18) فلما رأت قريش مدي استعداد المسلمين للقتال طلبوا الصلح، والهدنة، وکان من بين بنود الصلح التي أصرت قريش عليه ورفضه النبي صلي الله عليه وآله أنهم قالوا: يا محمد!.

خرج إليک ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقَّائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا فردُّوهم إلينا. فقال: «إذا لم يکن لهم فقه في الدين- کما يزعمون- سنفقِّههم فيه». ثم أضاف: «يا معشر قريش لَتنتهنَّ أو لَيبعثنَّ الله عليکم من يضرب رقابکم بالسيف قد امتحن الله قلبه بالإيمان». فقالوا: من هو ذلک الرجل يا رسول الله؟ فقال: «هو خاصف النعل». وکان قد أعطي نعله لعليٍّ يخصفها له[3] .

هکذا نعرف مدي خشية قريش، وسائر المشرکين من بأس الإمام (ع)، وأنه کان سيف الله الذي لاينبو، وسهم الإسلام الذي لا يُخطئ، يبعثه النبي (ص) متي أحس بالخطر علي الدِّين، ويُنذر به الأعداء متي ما تمادوا في الغي.









  1. حديث مجمع عليه بين المسلمين.
  2. سيرة الأئمة: ص 229.
  3. سيرة الأئمة الاثني عشر ص 236 عن مجموعة النسائي في خصائصه. والحاکم في مستدرکه وطائفة من العلماء.