عبدالفتاح عبدالمقصود











عبدالفتاح عبدالمقصود



ليست القرابة، في ذاتها، فضيلة. ولا رابطة الدم، فضيلة. ولا في الاسلام

[صفحه 455]

نسب يرفع وآخر يخفض إلا إذا اقترن بعمل مقبول أو بعمل مرذول، فيتقدم من يحق حقوق اللَّه، ويتوقي نواهيه، وان کان عبدا أسود أفطس، ويتخلف الثاني إلي آخر الصفوف وان کان ذا حسب وسؤدد وجاه..

وإمرة المؤمنين أسمي وأرفع من أن يرتقي إليها امرؤ في سلم الصلات الأسرية التي تجيئه عفوا بغير تقوي تطهر، وجهل يشکر، وعمل يثاب، ويبتغي بها صاحبها وجه ربه ونفع الناس، وصالح أخراه قبل دنياه..

ومنزلة علي في الإسلام، وفي نفس رسوله الکريم، أمکن وأعظم من أن تقاس بمقياس القربي لأنها محصلة مزاياه، وخلاصة جهاده لإعلاء کلمة اللَّه..

ونکاد نلم بعض إلمام بجانب من جوانب هذه الشخصية حين نستحضر في بالنا قوله:

«لا شرف أعلي من الإسلام، ولا عز أعز من التقوي، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا کنز أغني من القناعة، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت..».

فهو أعجل الناس قربة إلي اللَّه بتقواه، وحرصهم علي مرضاته، أعبدهم عبادة، وأکثرهم صلاة، وأشدهم علي نفسه رياضة بالقيام والصيام، ولا نحسب أن عبادته إلا عبادة حر يشکر لربه آلاءه، ويحمد نعماءه، لا عبادة خائف من عقوبة، أو تاجر طامع في مثوبة علي نحو ما صنف لنا العباد والعبادات.

يقول في هذا التصنيف:

«إن قوما عبدوا اللَّه رغبة فتلک عبادة التجار، وإن قوماً عبدوااللَّه رهبة فتلک عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا اللَّه شکراً فتلک عبادة الأحرار..».

ولا نحسب أيضاً أن صورة کلامية أجمل من هذه التي رسم بها حلاوة التقوي

[صفحه 456]

رسماً يفتن بها النفوس فرحا، ويستطير القلوب شوقاً إلي تذوق طعمها الشهي الذي لا تدانيه کل أطايب المحسوسات والمعنويات.

سئل علي بن الحسين، وهو غاية الغايات في العبادة، وزين من عبدوااللَّه وعاشوا علي تقواه:

«أين عبادتک من عبادة جدک؟».

فقال: «کعبادة جدي من عبادة رسول اللَّه».

ولا غرو.. فالکمال الانساني لمحمد عليه الصلاة والسلام في کل سجية وخصلة لا يضاهيه إلي أبد الآبدين کمال..

وکم کان الإمام يتهجد ويتنفل فيکثر، ويلازم الأوراد، ويستغرق في التسبيح حمدا وقربة للَّه.. لأن النوافل- تسبيحا کانت أو دعاء أو صلاة- هي خير ما يملأ به المسلم وقت فراغ وراحة، وأکرم علي اللَّه من أن يدع صاحبها ملهاة في يد إبليس يرمي به في نزعة شر تلوث طهره، أو يجنح به إلي باطل يوبقه وينتقص حسناه لحساب سوءاه.

وکان يقول:

«ما کان اللَّه ليفتح علي عبدباب الشکر ويغلق عنه باب الزيادة، ولا ليفتح علي عبدباب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح لعبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة..».

وهل النافلة سوي شکر واستغفار؟

ولم يعرف امرؤ أزهد منه زهادة، ولا أقنع قناعة.. فهو سيد الزهاد، وأقنع القانعين. يتحري في معيشته الأشظف والأقشف..

ما ارتدي في حياته لباساً جديداً، ولا اقتني ضيعة ولا ريعا، إلا شيئاً کان له

[صفحه 457]

بينبع مما تصق به وحبسه، بل کان يلبس من الثياب الأغلظ المرقوع وينتعل نعلين من ليف.

وما شبع قط من طعام، فأکله أخشن مأکل، فإذا ائتدم فبملح أو خل، فإن ترقي عن ذلک فبعض نبات الأرض. فإن ارتفع فبقليل من لبن الإبل.. أما اللحم فنادراً ما کان يذوقه. وکان يقول- وقوله يصدق فعله- وإن لم تخل عبارته من دعابة ساخرة تخز الذين يستکثرون من هذا الصنف من الأطعمة، أو يعلون عليه کمأکل أثير:

«لا تجعلوا بطونکم مقابر الحيوان».

ولم يکن أيضاً کالألي يدلون بما يفعلون إظهاراً لقدرتهم علي التحکم في النفس، وأخذها بما يحبون أن يشيع ذکره عنهم ولعا بالذکر أو رثاء الناس، بل کان يري- کنص ألفاظه- أن «أفضل الزهد إخفاء الزهد».

وکانت رياضته نفسه بهذا التقشف الشديد عن إيمان واقتناع. کانت حليفة کل سني عمره الجافة واليانعة علي السواء، وليست قرينة مرحلة بذاتها من مراحل حياته قل فيها النشب ونضب المال، بل إنا لنجده أحرص علي التزام هذه الرياضة عندما تملکت يمينه سلطة الدولة، وغدا مقدوره، ومن حقه، أن يتحول إلي معيشة لا توصف بأنها أرفه وانما بأنها ليست أشظف، ولا أدل علي هذه من صور السلوک الذي يطالعنا به بعد أن آلت اليه إمرة المؤمنين وأصبح صاحب الرأي الأول في توجيه سياسة المال توجيهه سياسة الحکم والسلطان.

وإنما إقبال الدنيا عليه وإدبارها عنه سيان.. ما أتاه من عروضها کما ولي عنه، وما ولي کما أتاه، کلاهما لا يساوي مثل خردلة، لا يهفو منها إلي شي ء، ولا يهتم منها بشي ء، ولا يثق منها في شي ء، بل هو کما يقول: «أوثق بما في يد اللَّه منه بما

[صفحه 458]

في يده»، وهو غني عنها لأنه علي إغرائها عزيز، وبملکها مستهين، وعن نشبها راغب، وهو- اعتزازاً بقدره- تحصن بمعقل القنوع والتأبي والزهد دون سطوة إغرائها، وزخرف عطائها فلم يشغله عن وعيه بزيف دعوتها، وتفه أمرها، وهو ان شأنها علي اللَّه شاغل ولو کان مجرد أمنية تراود الخيال.

فکأنما کان شعاره حکمته المعروفة:

«من کرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته..».

وهو، إلي زهده، أکرم وأسخي من يحسبون في عداد الکرام الأسخياء ومن عرفهم الکرم والسخاء، ولعله کان أسخي لأنه کان أزهد، أو لعله کان أزهد لأنه کان أسخي، فهو يخرج مما يملک عن قنوع وزهادة کما يخرج منه عن سخاء وجود.

إنه لا يسخو فقط وماله کثر يفيض عن حاجته، بل يسخو وماله أيضاً قل، وأقل القل، يضيق عن البذل، ولا يحمل الکل، وينوء بأغث ضرورات حياته حتي ليوشک ألا ينهض بأوده وأود عياله.

وهل کانت الدنيا کلها تساوي- في حسابه- سوي قلامة ظفر أو قدر صفر لا يجدي عليه أن يأخذ منها، ولا ينقصها أن ينفق؟ فلماذا اذن يضن وهو الذي ضرب للناس بفعله مثلاً للبذل، ودعا الکرام إلي محاولة سلوک مسلکه، حين اليسر وحين العسر علي السواء، وسعهم اللحاق به علي النهج أو لهثوا دون أن يقطعوا نفس شوطه؟

أثر أنه کان يعمل عند يهودي في المدينة، فلا يزال يکد ويکدح حتي تتشقق يداه،فإذا فرغ من عمله، فإنه لا يلبث، في أغلب الأحايين، أن يتصدق بکل أجره کأنما کان يتعب لغيره.

بل کأنما يسعي إلي الخصاصة، فما أکثر ما کان ينزل هانئ القلب راضيا،

[صفحه 459]

لمسکين، أو يتيم، أو أسير، عن قوته وقوت عياله..

کان يصوم ويطوي، ويطوي معه أهله، ليؤثر بزادهم وزاده. دائما الحرمان طريقه، والجوع رفيقه.

وکما کانت أريحيته تدفعه إلي الجود بالمال وإن هو أعوز وعاني الجوع، فقد کانت أيضاً تدفعه إلي الکرم بالحلم وإن هو ضيع حقه وغص بالأذي والکنود.

إنها الأريحية التي تسخو بالماديات، وتسخو بالمعنويات، إنها عطاء ومنح وإنفاق، تهب الدرهم واللقمة والکساء، کما هي حلم وصفو وعفو تهب الکرامة والأمن والحرية.

فهو أقبل الناس لإنابة منيب تائب، وأسرعهم لغفران زلة خاطئ مذنب. إن ناله من عدوه ضرر، کان أعجل إليه بالعفو منه بالعقوبة، وبالصفح منه إلي رد الصاع.أثبت من أن يخرجه من حلمه غضب علي خصم جاحد، وأسمح بالتجاوز عن شنآن غريم حاقد، يصفح وهو الموتور، ويعفو وهو القادر، ويغفر قربة إلي اللَّه.

وکان يقول:

«إذا قدرت علي عدوک، فاجعل العفو عنه شکراً للقدرة عليه..».

ويقول:

«العفو زکاة الظفر..».

وکم أدي من أمثال هذه الزکاة..

ملک عليه معاوية وعسکره في صفين شريعة الفرات، ومنعوه وجنده الماء، فلما سألهم أن يشرب الجيشان علي سواء، أبي طاغية الشام ورجاله ما أراد، وأجابوه عتوا وصلفا، قائلين: «لا واللَّه.. ولا شربة ماء حتي تموت ظمأ کما مات عثمان...»

[صفحه 460]

فحمل عليهم، فأزالهم عنوة عن مراکزهم، وأجلاهم إلي الفلاة حيث الصدي والجفاف. عندئذ قال له أصحابه: «... امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين، کما منعوک، ولا تسقهم منه قطرة... واقتلهم بسيوف العطش... ».

لکن أريحيته أبت أن يصغي لغضبهم وغضبه علي أولئک القوم المارقين من طاعته الغالين في عداوته. وقال: «لا أکافئهم بمثل فعلهم. أفسحوا لهم عن بعض الشريعة».

وخلي بينهم وبين الماء..

وأسر، يوم الجمل، عبداللَّه بن الزبير، وکان الناهض ظلما في حربه، الموغل غيا في بغضه. المسرف إفکا في سبه. فلما جي ء به إليه عفا عنه ورد عليه حريته.. وقال له:

«اذهب فلا أرينک..».

ولم يزد علي ذلک..

وبمثل هذا عامل مروان بن الحکم، وطائفة غيره کثيرة من مناوئيه. وبمثله عامل قبلهم الخارجين عليه من أهل البصرة، بعد أن أظفره اللَّه بهم. فوهبهم الأمن والسلامة. لم يقتل منهم، ولم يغنم مالا، ولا سبي ذرية.

وکان، إلي هذه الأريحية الکريمة، لا يقرن صفحه بمن، ولا يتطلع من ورائه لشکر. وکيف لا وصفحه تقدمة إلي اللَّه وحده تترفع عن مثوبة العبيد؟

بل لم يکن ليغيب عن فطنته أن معظم من أظلهم حلمه ووهبهم الحياة والحرية لن يلبثوا أن ينکصوا علي الأعقاب فيقابلوه بالکفران دون الشکران، وبالجحود دون العرفان ما إن تتاح لهم فرصة للتنکر وللتنمر. ومع ذلک فقد کان دائما يتوقي مدافعة الإساءة بالإساءة، ومغلبة العيب بالعيب، متنزها عن تناول سير شانئيه

[صفحه 461]

بالقدح والتجريح. وتلک لا ريب مکرمة تعز في الخلائق وتستعصي علي أنفس البشر إلا من طهر اللَّه قلبه من الغل، وعصم لسانه وفمه عن نهش الجيف، ولعق الأوحال.

أما مواهبه وقدراته فأعسر علي الإلمام والإحاطة. ألم تر کيف تدعيه کل فرقة وتتجاذبه کل طائفة، وتتمسح فيه کل مدرسة فکرية تريد أن تفضل غيرها في ميادين الحکمة والعلم، وتبز کل ما عداها من ذوات المذاهب والنظرات؟. . وهل ثمة بين العلماء من قد أوتي من بسطة العلم ما يبلغه من العلوم الربانية والبشرية مثل مبلغ الإمام؟ وإنه لهو الذي- بعصارة ذهنه الملهم الخصيب- روي جذورها، ونمي دوحها، وقوي فروعها، وخضر ورقها، ونضر زهرها، وأينع ثمرها، وأدني قطوفها.

وکان ذا نظرة نفاذة، وروح نقية، وفکر عملاق. يتعمق ما انتهي إليه من معارف الذين سبقوه، فلا يتقبلها علي نفس وجهها، ولا يختزنها في واعيته کخرنة المال الا أن يعاير وينقد، فيقر منها ما يقر، ويضيف إليها ما يضيف، أو يغير فيها ما يغير، ويتأمل آيات اللَّه في ملکوته، فينبهر ويعتبر ويفکر، ويشهد ظواهر الخلائق وخصائصها شهود متدبر يسير ويخبر ويفسر، ويغوص في أغوار الأنفس، مترحلا في خفاياها وهو يحل ويقدر ويبرر. فکره المتوقد النفّاد أداته،وروحه الشفيفة الصافية هاديه. أحاد بمعارف الأولين، وارتاد للآخرين، ممتثلاً في کل خطوة يخطوها علي هذا النهج القويم أمر اللَّه للإنسان أن ينهض العقل من سباته، ويدفعه إلي النظر والتفکير تلمسا للعلم حيثما يکون.

وکم عرف الإمام، وکم تفرعت به المعرفه وانشعبت سبلا، فمشي منها في کل سبيل إلي مداه، وکم ألم منها بقديم، واهتدي إلي جديد.

[صفحه 462]

والذي أحاط به خبرا عالم من العلم فسيح فسيح، کشفه وراده، ظاهراً وباطنا، جهد ذهني متقحم دؤوب. وعي جزئياته وکلياته وأشربها عقلاً المعيا لماحاً فلقد کان علي عبقرية ذهنية لا تتکرر، وکان عقله لا يمل النظر فيما انتقل إليه من تراث البشرية الفکري عبر الأجيال في الروايات والأسفار، کما لا يکل من الطواف بمشاهد الکون ومرئياته، لا يکتفي منها بحصيلة البصر، وإنما يمضي إلي ما وراء المنظور کشفا عن غوامض المبهم وأسرار المستور. لم يتوان قط عن الترحل في البحث إلي أغواره، ولم يکف قط عن التعلم، ولم يضق قط عن معلوم ثقفه أو استخرجه من مجهول. کل ما علمه وعاه، وکلما وعي استزاد، وکلما تقاطرت عليه المعارف وجد فيضها لديه سعة في عقله المنهوم الصديان الذي کان کأرض رمضاء لا يکاد يطفئ ظمأها وينقع غلتها کل ماء السماء.

وکيف يوصد العقل بابه في وجه العلم وإنه لآت يأتيه بزاد جديد؟ في هذا يقول الإمام: «کل وعاء يضيق بما فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع». فما أحکم قولته، وأدق وصفه.

فالعلم الإلهي، وهو أشرف العلوم لاتصاله بأشرف معلوم، إنما «اقتبس من کلامه،عنه نقل، وإليه انتهي، وبه ابتدأ. فإن المعتزلة- الذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن- تلامذته وأصحابه لأن کبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبداللَّه بن محمد بن الحنفية، وأبوهاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذه عليه السلام، وعن المعتزلة أخذت الأشعرية. وأما الإمامية والزيدية فأنتماؤهم إليه ظاهر».

وليس أحد تحدث عن عقيدة التوحيد فأفاض فيها إفاضته، ولا تناول صفات اللَّه فأحسن البيان عنها إحسانه، ولا عرض لقضائه وقدره فقربهما إلي

[صفحه 463]

العقول تقريبه، «فاللَّه تعالي واحد أحد، ليس کمثله شي ء، قديم لم يزل ولا يزال... لا يوصف بما توصف به المخلوقات... من قال فيه سبحانه بالتشبيه کان بمنزلة الکافر به، الجاهل لحقيقته...».

فتوحيد اللَّه، ينزه الإسلام الذات الإلهية عن مخالطة الأحياز: زمانية ومکانية، وعن المشارکة في الملک بالاجتزاء أو المشورة، وفي القدرة بالقول أو الفعل، وعن المقارنة بالنظائر أو الأشباه ولو مقارنة تمثيل. فتنزيهه اللَّه خالص کامل، وقاطع مانع، يجل عن الوصف، ويعلو فوق تطاول العقول.

وقد صور علي هذا التنزيه ببيان رأي، أمام کماله سبحانه، أن ينهي فيه عن وصف ذاته، لقصور الأفهام عن الإحاطة بحقيقته، وعجز الکلام عن رسم صفاته.

يقول:

«... کمال توحيده الإخلاص له. وکمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة کل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة کل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف اللَّه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه...».

بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الالمعي الثاقب، وإدراکه الروحي المشرق، قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر مافيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعي لباب معانيه.

وما تکشف للإمام من کنوز «الإلهيات» لم ينبثق له عفوا، بل کان النتيجة اللازمة لتبصره في خلق اللَّه، وتدارسه آيات کتابه، وتفهمه حکمه وأحکامه بروح شفيف ونفس وضاءة وذهن محيط، فلا مشاحة في نقاء الجوهر، ورهافة الحس، وحدة الذکاء، ودقة النظر، وعمق الوعي لديه وکلها الأدوات القادرة علي الدراسة

[صفحه 464]

والبحث والاستقصاء، والضامنة لاستقامة التفکير وسلامة الاستقراء. ولا مشاحة أيضاً في أنه کان مهيأ لهذا الذي قدر له وأداه بحکم ملازمته- منذ طفولته- رسول اللَّه، ومعايشته مقدمات الرسالة، قبل تنزل الوحي، والنبي عندئذ يخلو إلي نفسه، يتحنث ويتعبد بالغار وبداره، متأملا ما يري من جلائل الآيات الکونية، وحرکة الزمن، وقوانين العدم والوجود، وما إليها من ظواهر وخوارق، تشهد بقدرة قاهرة أزلية ليست ککل القدرات، قدرة تحکم التقدير والتدبير، وتکون لمن يتفکر فيها ابتغاء الاهتداء أقرب إلي الاستجلاء.

عايش علي هذه الفترة من نشدان الحقيقة الواحدة، فإذا هو يعجب لمحمد، ثم يعجب به. ثم يتابعه علي نفس نهجه متابعة تلميذ لأستاذه، ومستهد لهاديه، حتي ليدرک، في سنه الغضة، عن الموجد المدبر، مالم يدرک غيره من الناس أجمعين. وحتي لنسمعه يتحدث بما هداه إليه حسه المرهف، وروحه الشفيف فيقول: «کنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا»

ويقول: «لقد عبدت اللَّه قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين»

وتلک هي المدة التي قضاها منذ کفله محمد حتي نزلت الرسالة، وأذن للنبي في الإنذار والتبليغ.

لهذا لاندهش إذ يصفه أبوالحسن البصري، فيقول: «کان ربانيّ هذه الأمة»

ولا ندهش حين نعلم أنه علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم کان وحده الحافظ للقرآن العارف به، المحيط بأسراره.

ثم لا ندهش ونحن نراه أول من اشتغل بجمعه.

اشتغل علي بحفظ کتاب اللَّه اشتغال من يحرص الحرص کله علي هذا النور الذي أنزله ربه هديً ورحمة للعالمين، أن تشرد منه عبارة، بل لفظة، بل اشارة.

[صفحه 465]

وعني بجمعه عناية من يخشي أن تتبعثر بعض آياته وسوره في الصدور علي غير نسقها المقدور، فتختلط وتتداخل، يتأخر منها ماهو أولي بالتقديم ويتقدم ماهو أولي بالتأخير. وأکب علي الترسل في قراءته ترسل ذي حس أدبي مرهف بلا نظير، تفتنه البلاغة، وتشغفه الفصاحة، ويولع ولوع متشه سحر بيانه، يتطرق فيه من تذوق حلاوة المتعة العاطفية الشعورية من جمال عباراته إلي التنعم بکمال المتعة الروحية العقلية من جلال معانيه.

فماذا عسي يتهيأ أجتناؤه للناس من ثمار هذا الاستيعاب؟

ما الذي يمکن أن يطالعهم به من له کالإمام وضاءة النفس، ودقة الحس، وشمول النظرة، وتفتح القريحة، وألمعية الفکر، ونقاوة الجنان؟

إنه ليخلو إلي القرآن خلوَّ خاشع متعبد، سجي الليل، أو هدأ السحر، أو أسفر الفجر، أو علت ضحوة النهار فلا يکاد يشغله في خلوته هذه، التي يرجو بها وجه ربه شي ء من شواغل دنياه أن يرتل ويعيد، ويردد ويزيد، وجوارحه جميعها في ملاک بيانه العذب الآسر، وأسلوبه السماوي الساحر.

وإنه ليقبل عليه إقبال متأمل متدبر، يأخذ بمجامع المدلولات في سياق العبارات وفي مباني الکلمات وفيهن الجلي والخفي. والصريح والغيبي، فلا يفوته أن يحيط بظاهرها وباطنها إحاطة شمول.. ويتبصر مختلف عظائم السور وجلائل الآيات ومنهن آيات محکمات هن أم الکتاب وأخر متشابهات، فلا يغيب عنه استجلاء ما بها من الحکم والأحکام.

وإنه ليجهر بتلاوته، تلاوة محب مشوق، فيتحري صحة الضبط، وسلامة النطق، ودقة الأداء، مستمتعا بعذوبة کلماته وفقراته مرنمة منغمة.

فإذا هو يجمع إلي إحکام الوصل والوقف، والمد والإمالة، والإظهار

[صفحه 466]

والإدغام، والتحريک والتسکين، والتخفيف والتنوين ألواناً من الصور الصوتية التي توافق کل حرف وکلمة وآية، وتطابق مغزاها، حتي لتوشک المعاني أن تتجسد أمام العيون والنواظر قبل أن تطرق الأسماع إلي القلوب..

بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الألمعي الثاقب، وإدراکه الروحي المشرق. قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر مافيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعي لباب معانيه.

وعنت له اللغة العربية کما لم تعنُ لغيره، لان صعبها، وذل غريبها، وتفتحت أبوابها، فإذا هو مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها به ظهر مکنونها، وعنه أخذت قوانينها.

فالمعلوم الثابت أنه هو الذي استولدها قواعدها، واستنبطها أسسها، وحدد لها جوامع الأصول التي لابد أن تنهض عليها لتظل کحالها عند أهلها الأوائل، سليمة الترکيب، مبرأة من عيوب اللحن والخطأ، ومناقص التحريف والالتواء.

إنه صاحب «علم النحو» الذي حفظ بناء العربية قائما، ولولاه لمال، ولشابها من لکنة الشعوب الغريبة التي دخلت الإسلام ما يغلب علي نقاء جوهرها الأصيل، ولتبدلت لغة أخري غير لغة القرآن. ولاندثرت اندثار اللغات القديمة، وماتت کاللاتينية التي غدت طللا دارسا بعد أن تبلبلت بها لهجات الأوروبيين.

ابتدع الإمام هذا العلم. وأملي علي أبي الأسود الدؤلي أصوله الجامعة، فقسم له الکلام کله إلي اسم وفعل وحرف، وقسم الکلمة إلي معرفة ونکرة، وقسم وجوه الإعراب إلي الرفع والنصب والجر والجزم، فکان هذا الذي ابتدعه أس السياج الواقي الذي درأ عن العربية عوادي العجمة واللحن، وأبقي لها اللب والسمت، وضمن صحة الضبط واستقامة اللسان.

[صفحه 467]

ولم يکن بين أبنائها من هو مثله أدري بها، وأعرف بأساليبها. فاق فيها کل ناطق وکاتب. فإذا هو أخطب من خطب، وبه اقتدي أدباؤها في الکتابة. لا يباريه في فنونها التعبيريه مبار حاکي وقلد أو جدد وابتکر. إذا خطب شدت الأسماع إلي طرف لسانه، وسکتت الأنفاس تصغي إليه، وإذا کتب فأقدر من بيّن أو أمر أو زجر، وإذا جادل فأبرع من حاج وقارع ودلل، وإذا حدث فأخبر من هدي ووعظ وذکر.

والحق أن ما عرف من إحاطته الشاملة بخصائص اللغة، وثورته الإبداعية الطاغية في أساليبها هو بديهية البديهيات. وبحسبنا- للتدليل علي تفرده بالدقة في سبک العبارات وبالإحکام في رسم صورها الجمالية، وبالقدرة الفائقة علي تضمينها نظراته المعجزات، وآرائه الخوارق في أعضل المسائل وأعصاها- أن نشير إلي ما انتقل إلينا من آثاره الأدبية والفکرية فيما حفظه الناس، وتداولوه، وترنموا به، من خطب مئين کان يوردها ارتجالا عفو الخاطر، دون إعداد، وأن نومئ إلي ما حوته کتب الدارسين والعلماء والمؤرخين من رسائله ومأثوراته وحکمه ووصاياه. وبعض هذه وتلک من کنوز قد جمعه لنا الشريف الرضي في «نهج البلاغة» معالم وآيات علي حضور بديهة، وتوقد ذهن، ونفح إلهام.

وهو صاحب السيف الذي کان الظفر دائما معلقا بطرف ذؤابته أينما جال وصال.

شجاع کما لم تکن قط شجاعة الشجعان، فارس کما لم تکن قط فروسية الفرسان. ما تحرف إلا لقتال، ولا فر في موطن نزال، ولا ارتاع من کتيبة فضلا عن إنسان، ولا بارز إلا صرع وجندل، ولا هاجم إلا أصمي وقتل. کرته لا ترتد ولا ترد. وضربته لا تحتاج إلي ضربة ثانية. ومن کتبت لهم النجاة من أعدائه

[صفحه 468]

ومناجزيه في معارکه، وامتد بهم الأجل ظلوا طوال عمرهم يفاخرون بشرف وقوفهم في الحرب في مقابلته.

بل کانت العرب- وإن أثخن فيها فأيتم منها من أيتم، وأيّم منها من أيّم- تتباهي بسقوط صناديدها صرعي بحد سيفه.

قالت أخت عمرو بن عبدود- فارس العرب الأول، وصريعه يوم الخندق- مباهيه وهي ترثيه:


لو کان قاتل عمرو غير قاتله
بکيته أبدا ما دمت في الأبد


لکن قاتله من لا يعاب به
من کان يدعن قديماً بيضه البلد[1] .


وکان دائما سبّاقاً إلي الجهاد في سبيل اللَّه، مشغوفاً في ميادينه بلقاء الأعداء، يقبل ويقتحم حين يؤثر غيره من الأبطال أن يتردد ويحجم، ويصبر علي استعار القتال حيثما يستعصي الصبر علي کل جلد صبور، ويغالب الموت بالارتماء بين أنيابه فيهرع الموت إلي الفرار. سيفه من سرعة دورانه في المعامع يبدو کغابة من سلاح، ويمينه تباري الکتائب في حش رقاب الأعداء، حتي لکأنه جيش موفور العدد والعتاد. سقط علي أرض بدر الکبري سبعون مشرکا صرعي، قتل وحده منهم النصف، وقتل جند الإسلام کلهم يومئذ النصف الآخر.

وطار ذکر بلائه في الحرب فملأ الآفاق قرونا عدة، حتي اتخذه الفرنج والروم رمزا للتفوق الحربي الذي لا يضارع، فرسموا صوره في بيعهم ومعابدهم، حاملا سيفه، مشمرا للقتال، مجسدا لبطولة الأبطال وفروسية الفرسان.. وصوّره الترک والديلم علي سيوفهم تفاؤلا به، واستجلابا للنصر الذي کان حليفه في کل ميدان.

[صفحه 469]

واقترنت شجاعته بهيبة وثقت له في الظفر، کانت تتزلزل لها القلوب في الصدور، وتدور العيون في المحاجر، وتلتوي الأقدام.

والذين يزعمون أنه لم يکن صاحب سياسة ولا دهاء، إنما يرون السياسة علي غير وجهها الحقيقي، ويجردونها من مضمونها الأصيل. فليست أخذا بالغدر، ومقارفه للفجر، أو تکون إذن نوعا من الخسة النفسية والخبث الرخيص الذي يتردي بإنسانية الإنسان وکرامته إلي الحضيض، ولا يستعصي انتهاجها علي أي وغد خسيس.. قيل في دهاء معاوية ما قيل، فکان رد علي علي هذا الزعم المأفوک: «واللَّه ما معاوية بأدهي مني. ولکنه يغدر ويفجر، وأنا امرؤ لا أحب الغدر».

وإذا کانت الشجاعة قد اقترنت فيه بالهيبة فقد اجتمعت له إليهما قوة بدنية «قرهقلية» کما يقال في الأساطير. فهو الذي خلع باب حصن ناعم وتترس به وبثقله تنوء العصبة أولو الأيد من الرجال. وهو الذي اقتلع الصخرة التي آدت اقتلاعها العشرات وتفجر من تحتها الماء. وهو الذي أسعفته يقظته کما أسعفته قوته فمد إحدي يديه إلي فارس هم أن يقتله، فخطفه بها من فوق جواده، وجلد به الأرض جلدا شديداً حتي حطمه، وأحاله کتلة هامدة من اللحم والدم وهشيم العظام.

ولا شک في أن شجاعته في حلبات الصراع الحربي- وسيفه بيمينه- إنما نبعت من جنان ثابت، لا يهتز أمام الخطوب والقوارع وإن تراءي له خطر الموت کاشراً عن أنيابه يطل عليه من وراء لقاء سافر أو تآمر متستر دارعاً کان في عدة الحرب أو صفر اليدين أعزل من السلاح. وليس أبين علي جسارته، وقوة قلبه وثبات جأشه من مبيته ليلة الهجرة في فراش محمد صلي الله عليه و آله و سلم وإنه ليعلم تمام العلم أنه عندئذ أدني إلي ألّا يسلم من أسياف أولئک الفتية الأجلاد الألي أعدتهم قريش للانقضاض علي الراقد

[صفحه 470]

وفي حسبانهم أنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

وقلما اجتمعت براعة القتال إلي براعة السياسة في إنسان، ولکنه کان المحارب وکان السياسي في آن، بل هو- بتعبيرنا المعاصر- «رجل الدولة» الذي يرسم خطة العمل في الداخل وفي الخارج علي صعيد أوليائه وصعيد أعدائه، فيحذق سياسة الناس کما يحذق سياسة الأمور، ويطوع کليهما لمقابلة کافة الاحتمالات في تطورات الأحداث وتغيرات الظروف بالحکمة وسعة التفکير وحسن التقدير، ومرونة المداولة بين مختلف أساليب المجابهة ليکبح شرة الأزمات ثم يلقاها بأنجع الحلول. والواقع أن الإمام لم يدع سيرة عماله في الناس تمضي عفواً بغير معالم واضحة علي الطريق، أو حدود مرسومة تبين الجادة السواء للسلوک في کلا أمور الدنيا والدين. وبحسب من شاء الرجوع إلي دلالة،أن يستعيد عهده للأشتر النخعي حين ولاه مصر، ليعرف أي دستور وضع لسياسة الأمور والناس، يدرک کل من يدرسه أنه وليد فکر سياسي عملاق عرف کيف يضع خطة متکاملة تتناول کل أوجه النشاط الإنساني في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، عمادها المواطن الکريم الحر الذي لا يفضله غيره إلا بالعمل الجاد المثمر الذي يتناسق الأفراد في أدائه يدا واحدة، وفکراً واحداً، علي طريق واحد في هداية الدين.

ولقد نعجب حين نري الإمام، في عهده هذا، قد حدد المبادئ العامة للحکم التحديد الواضح الذي ظلت المذاهب السياسية تصطرع وتتباري للاهتداء إليها علي مدي قرون طويلة، وأخذ کل مذهب يدعي لنفسه بلوغه منها مالم يبلغه سواه.. وکفي أن أکد ضرورة التئام أبناء الأمة وحدة اجتماعية وسياسية، وثيقة العري بغير تفرقة، وإنما في مساواة کاملة بين کافة المواطنين وإن تباينت أوضاعهم الاجتماعية، واختلفوا رأيا وعقيدة. فالناس- کما يسجل العهد-: «إما أخ في الدين

[صفحه 471]

أو نظير في الخلق»، والرعية: «طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غني لبعضها عن بعض».

ومع ذلک فإن «العهد» يقرر أن القاعدة «الجماهيرية» العريضة التي تؤلف غالبية الشعب، أحق بالرعاية؛ لأن العامة من الأمة: «هم عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء». ومن ثم فإنه يرتب لهم علي الدولة واجبا قبلهم: أن تکفل لهم مستوي کريما من المعيشة يحفظ عليهم شرف آدميتهم. «فلکل علي الوالي حق يقدر ما يصلحه». ويوجب عليها أيضاً رعاية «من لا حيلة لهم» من المساکين والمحتاجين والمتعطلين وذوي العاهات والمرضي وأمثالهم، ففرض لهم قسما من بيت المال، وقسما من غلات صوافي الإسلام.

ويطول المدي بمن يحاول تعقب ما حواه عهد علي للأشتر. فکفي أنه دستور لسياسة الحکم جاء من المبادئ بکل ما يناسب مجتمع عصره، وبکل ما يبدو وکأنه وضع ليوافق مجتمعنا الحديث. وکفي أنه يعرض لکافة المشکلات ويصف لها الحلول.وکفي أنه يطوف بکل ما يشغل الناس في رحلات حياتهم اليومية ويتصل بجوانبها الروحية والعقلية من عقيدة وعلم وتربية نفسية وسلوک اجتماعي ونظرات، ويتصل بجوانبها المادية والاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة وإدارة وجهاد وتنمية مالية في مختلف مجالات الاستثمار.

ولا غرو وللإمام هذه المقدرة- بل الحاسة السياسية المرهفة التي تستبطن أدواء المشکلات، وتجهز دواء لکل داء- أن نجده ملاذاً للألي عرفوه، يستلهمونه الرشاد. لا فرق فيهم بين کبير وصغير، ولا بين حاکم ومحکوم. وکم استلهمه الخلفاء فألهم، وکم استشاروه فأشار.

عزم عمر بن الخطاب علي الشخوص بنفسه لقتال الفرس، ثم رأي أن يسأله

[صفحه 472]

رأيه في هذا العزم، فقال له الإمام: «... کن قطبا، واستدر الرحي بالعرب. فإنک إن شخصت من هذه الأرض، انتقضت عليک العرب من أطرافها وأقطارها حتي يکون ما تدع وراءک من العورات أهم إليک مما بين يديک... إن الأعاجم إن ينظروا إليک غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيکون ذلک أشد لکلبهم عليک، وطمعهم فيک».

وقال له مرة أخري في مقام کهذا المقام: «إنک متي تسر إلي هذا العدو بشخصک فتنکب، لا تکن للمسلمين کانفة دون أقصي بلادهم. فابعث إليهم رجلا محربا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر اللَّه فذاک ما تحب وإن تکن الأخري کنت ردء الناس».

حاسة سياسية فوق القدرة، ترفعه من الساسة إلي مکان الصدارة، وتشرف به السياسة، لأنه ينزهها عن الغدر والفجر، ويطوع أساليبها لتوافق نهج الدين وتطابق مکارم الأخلاق.

فهل مثله في الفضائل والقدرات امرؤ من الناس؟

أن يکون ثمة طائفة يرون أن يفضلوا عليه هذا الصاحب من أصحاب رسول اللَّه أو ذاک، فرأيهم جديد بالمراجعة والتعديل؛ ذلک لأننا نجد من وراء هؤلاء المتشيعين لأبي بکر متشيعين يقرون بأفضلية علي، ويظاهرهم علي هذه الأفضلية الکثرة الغالبة من العلماء وإن تفرقت بهم المذاهب، وتباينت الآراء.

[صفحه 473]


صفحه 455، 456، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 466، 467، 468، 469، 470، 471، 472، 473.








  1. قال ابن منظور في لسان العرب: 127:7، بيضة البلد: علي بن أبي طالب عليه السلام أي انه فردٌ ليس مثله في الشرف.