السيد عبدالحسين شرف الدين











السيد عبدالحسين شرف الدين



کان الإمام يتحري السکينة في بث النصوص عليه، ولا يقارع بها خصومه احتياطاً علي الاسلام، واحتفاظاً بريح المسلمين، وربما اعتذر عن سکوته وعدم مطالبته- في تلک الحالة- بحقه فيقول: لا يعاب المرء بتأخير حقه، إنما يعاب من أخذ ماليس له، وکان له في نشر النصوص عليه طرق تجلت الحکمة فيها بأجلي المظاهر ألا تراه ما فعل يوم الرحبة إذ جمع الناس فيها أيام خلافته لذکري يوم الغدير، فقال لهم: أنشد اللَّه کل امرئ مسلم سمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، يقول يوم غدير خم

[صفحه 443]

ما قال، الا قام فشهد بما سمع، ولا يقوم إلا من رآه؟ فقام ثلاثون من الصحابة فيهم اثنا عشر بدرياً، فشهدوا بما سمعوه من نص الغدير، وهذا غاية ما يتسني له في تلک الظروف الحرجة بسبب قتل عثمان، وقيام الفتنة في البصرة والشام، ولعمري إنه قصاري ما يتفق من الاحتجاج يومئذ مع الحکمة في تلک الأوقات، ويا له مقاماً محموداً بعث نص الغدير من مرقده، فأنعشه بعد أن کاد، ومثل لکل من کان في الرحبة من تلک الجماهير موقف النبي صلي الله عليه و آله و سلم يوم خم، وقد أخذ بيد علي فأشرف به علي مئة الف أو يزيدون من أمته، فبلغهم أنه وليهم من بعده وبهذا کان نص الغدير من أظهر مصاديق السنن المتواترة، فانظر إلي حکمة النبي إذ أشاد به علي رؤوس تلک الأشهاد، وانتبه إلي حکمة الوصي يوم الرحبة إذ ناشدهم بذلک النشاد، فأثبت الحق بکل تؤدة اقتضتها الحال، وکل سکينة کان الإمام يؤثرها، وهکذا کانت سيرته في بث العهد إليه، ونشر النص عليه، فإنه إنما کان ينبه الغافلين بأساليب لا توجب ضجة ولا تقتضي نفرة.


صفحه 443.