ضرار











ضرار



قال ضرار بن ضمرة الکناني لما طلب منه معاوية أن يصف له عليا: کان واللَّه بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحکم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحکمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته،وکان غزير الدمعة، طويل الفکرة، يقلب کفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وکان فينا کأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبئنا إذا استنبئناه، ونحن واللَّه مع تقريبه إيانا، وقربه منا، لا نکاد نکلمه هيبة له، فإن ابتسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويقرّب المساکين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضاً علي لحيته، يتململ تململ السليم، ويبکي بکاء الحزين، فکأني اسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري، إليَّ تعرضتِ، أم إليَّ تشوقتِ هيهات هيهات، قد طلقتک ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرکِ قصير، وخطرک کبير، وعيشک حقير، آهٍ آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق.

فبکي معاوية ووکفت دموعه علي لحيته ما يملکها، وجعل ينشفها بکمه، وقد اختنق القوم بالبکاء، وقال: رحم اللَّه أباالحسن کان واللَّه کذلک، فکيف حزنک عليه يا ضرار؟

قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسکن حزنها.

[صفحه 433]


صفحه 433.