ضرار بن ضمرة الكناني











ضرار بن ضمرة الکناني



يقول ضرار بن ضمرة الکناني- وهو من معاصري أميرالمؤمنين علي عليه السلام حين أرغمه معاوية علي أن يقول في علي عليه السلام ما يري- فقال:

«کان واللَّه بعيدَ المدي، شديدَ القُوي، يقول فصلاً، ويحکم عدلاً، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحکمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وکان غزيرَ الدمعة، طويلَ الفکرة، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطَّعام ما جشب، وکان فينا کأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ونحن واللَّه مع تقريبه إيّانا، وقربه منّا، لا نکاد نکلمه هيبة له، يعظِّم أهل الدِّين، ويقرِّب المساکين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله».

واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضاً علي لحيته، يتململ تململ السليم[1] ويبکي بکاء الحزين، فکأني اسمه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يتضرع اليه، ثم يقول: يا دنيا غري غيري أإليَّ تعرضت، ام إليّ تشوقت هيهات هيهات، قد طلقتک ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرکِ قصير، وخطرکِ کبير، وعيشک حقير، آهٍ آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق.

فبکي معاوية وکفف دموعه علي لحيته ما تملکها، وجعل بنشفها بکمه وقد اختنق العوم بالبکاء، وقال: رحم اللَّه اباالحسن کان واللَّه کذلک، فکيف حزنک عليه يا ضرار؟

[صفحه 425]

قال: حزن من ذبح ولدها بحجرها، فهي لا ترفأ عبرتها، ولا يسکن حزنها.[2] .


صفحه 425.








  1. السليم الملسوع من سم الافعي.
  2. صفوة الصفوة: 315:1 تذکره الخواص: 70 اعيان الشيعة: 404:7.