مصطفي جمال الدين











مصطفي جمال الدين



(1346 ه- 1417 ه)

السيد مصطفي بن جعفر ابن الميرزا عناية اللَّه، من أسرة جمال الدين، وهي أسرةٌ مشهورة بالعلم والشرف والأدب.

أديب کبير وعالمٌ فاضل مؤلف وعلمٌ بارز.

ولد في قرية المؤمنين التابعة لسوق الشيوخ عام 1346 ه 1927 م.

وأرسله أهله إلي النجف الاشرف للدراسة في الحوزة العلميّة، صبيّاً فتدرّج في مراحلها حتي حضر بحوث مرحلة الخارج علي أيدي امثال السيد الخوئي قدس سره وغيره وتأثّر بمنهج الشيخ المظفّر الاصلاحي وساهم فيه إلي جانب زملائه العديدين من رموز دينيّة وسياسيّة معاصرة، ووقف في خضمّ ذلک مع حرکة التجديد في النجف المنادية بتغيير المناهج الدراسيّة وتطويرها، کما برز شاعراً مميَّزاً من الرعيل الأوّل له أسلوبه الخاص ورؤيته الفريدة التي صقلتها في موهبته مواکبته لمجمل حرکة الأدب العربي فجاء شعره امتداداً لمدرسة العمود العتيدة التي کادت أن تأتي عليها نزعات التحديث والاستلاب، وله في ذلک اتباعٌ من الشعراء الشباب.

وقد واصل إلي جانب ذلک دراسته الأکاديميّة متخرّجاً من کليّة الفقه عام 1382 ه 1962 م، ثمّ من جامعة بغداد في مرحلتي الماجستير والدکتوراه برسالتين مشهورتين تعدّان الي جانب مؤلّفاته الأخري في النحو والأصول والأدب ثروةً هامّة للحرکة الثقافية المعاصرة وقد صدر له اخيراً (الديوان) قبل

[صفحه 287]

وفاته بعام.

کما ارتبط بأغلب ادباء العربية بعلائق متينة، وشارک في مؤتمرات شعريّة وملتقيات کثيرة، کما کتبت عنه الصحافة الأدبيّة واحتفي به الشعراء والمثقفون.

هاجر من بلده العراق في عام 1401 ه 1980 م الي الکويت ثمّ إلي سوريا حيث شارکَ في تجربة معارضة النظام المتسلّط علي العراق الي جانب مشارکته في رعاية الحرکة الثقافية والأدبيّة حتي وافته المنيّة في دار الهجرة في عام 1417 ه- 1996 م، وبذلک فقد الأدب العربي المعاصر واحداً من اعلامه الکبار، والحوزات والمؤسسات العلميّة شيخاً من روّادها المميّزين.

وله من قصيدة في أميرالمؤمنين عليه السلام قوله:


سَمَوْتَ فکيف يَلحَقُکَ القصيدُ
وأجنحةُ الخيالِ لها حُدُودُ؟!


وکيف يُطالُ شأوُکَ في جناحٍ
قوادِمُهُ مزاميرٌ وعُود!!


فَهبْني ما أقولُ.. فإنّ فِکرا
إليکَ رقي.. سيُتعِبُه الصُعود


فلستَ الأرضَ يَقطعُها مُغِذّ
ولستُ النورَ يُدرِکُ ما يُريد


أباحَسَنٍ وإنْ أعيا خَيالي
فَقَصَّر دونَ غايتِهِ النشيدُ


فليس لأنّ أجنحَتِي قِصارٌ
وأنّ مُثارَ عاطفتي جَلِيد


وأنّ هويً تَرعرَعَ وهو بَذْرٌ
بظِلّکمُ.. سيَذْبُلُ وهو عود


وأنّ يَراعةً غَنَّتْ هواها
ستَخْرَسُ حين تَزْحَمُها الرُعود


ولکنْ کانَ مَرمانا سَماءً
قَريبُ مَنالِها أبداً بَعيد


يَراکَ الفِکرُ منه قِيَد باعٍ
فيحسِبُ أنّ مَطلَبَهُ زهيد


وهل أجلي من الإِصباحِ شي ءٌ
وقد شَقّ السماءَ له عَمُود


فَيُمعِنُ في لُحوقِکَ، حيثُ يَلْظي
فَيُجْمِرُ.. ثم يُدرِکُه الخُمودُ

[صفحه 288]

فأنتَ بعينِ شامِخِهِ سَماءٌ
وأنتَ بعينِ خاشعِهِ صَعيد


أباالحسنَيْنِ هَبْ لي ما أُغنّي
به الدنيا ليَسکَرَ بي وُجود


فقد سَئِمتْ حَديثَ النفسِ رُوحٌ
لها في کلِّ آونةٍ شُرود


يُحمِّلها العذابَ ضُمورُ جيلٍ
تَجاذَبُهُ المَطامِعُ والوعود


أباحسنٍ ولولا أنَّ روحي
بحبلِ هُداکَ تَربُطُها عُهود


لأوشَکَ أنْ تَزِلَّ به دُروبٌ
تَفاخَرُ أنّ مَزْلَقَها (جَدِيد)


فبينَ الزيغِ والإِيمانِ خَيطٌ
إذا ما انْبَتَّ تَضطرِب الحدود


فکلُ مخالِفٍ، أبداً، عَدُوّ
وکلُّ مُخاتِلٍ، کَذِباً، وَدُود!!


وکلُّ غدٍ تَحشَّدَ بالمنايا
لنُطعَمَهنَّ فهوَ (غدٌ سعيد)!!


أهذا ما يُقَضّي العمرَ فيهِ
شبابٌ ذابلٌ وحَشَيً وَقِيد


فکم لَفظٍ تَراقَصَ عَبقريّاً
فأوحَشَ وَجهَهُ المعني البَلِيد!!


وله أيضاً قوله:


ظَمئ الشِعرُ أم جَفاکَ الشُعورُ
کيف يَظما مَنْ فيه يجري الغديرُ


کيف تَعنو للجدبِ أغراسُ فِکرٍ
لِعليِّ بها تَمُتُّ الجذورُ


نَبتَتْ- بين ( نَهجِهِ) وربيعٍ
من بَنيهِ، غَمْرِ العَطاءِ- البُذورُ


وسقاها نَبعُ النَبيِّ، وهل بع
-دَ نَمِيرِ القُرآن يحلو نَميرُ؟


فَزَهَتْ واحةٌ، وَرَفّتْ غصونٌ
ونما بُرعُمٌ، ونَمّتْ عُطورُ


هکذا يَزدهي ربيعُ عَليٍّ
وتُغنّي علي هواه الطيور


شَرِبتْ حبَّهُ قلوبُ القوافي
فانتشتْ أحرفٌ، وجُنّتْ شُطور


وتَلاقي بها خَيالٌ طَروبٌ
وَرُؤيً غَضّةٌ، ولفظٌ نضيرُ


ظامِئَ الشِعرِ، هاهنا يُولَدُ الشِع
-رُ، وتَنمو نُسورُهُ وتطير

[صفحه 289]

هاهنَا تَنشرُ البلاغةُ فَرعَيْ
-ها، فَتَسْتافُ مِن شذاها الدهور


وَسَيبقي يهُزُّ سَمْعَ الليالي
مِنبرٌ من بيانهِ مسحور


تتلاقي الأفهامُ من حوله شتّ
-ي: فَفَهْمٌ عادٍ، وفَهمٌ نَصِير


وعَليٌّ إشراقَةُ الحبِّ، و شِي
-بَ بسُودِ الأحقادِ، کادَتْ تُنير


أيُّها الصَاعِدُ المُغِذُّ مع النَج
-م هنيئاً لکَ الجَناحُ الخبيرُ


قد بَهَرتَ (النجومَ) مَجْداً وإِشعا
عاً، وإنْ ظُنَّ: أنکَ المَبهور


ومَلأتَ الدنيا دَويّاً، فلا يُس
مَعُ إلّا هُتافُها المخمورُ


فَقُلوبٌ علي هواکَ تُغنِّي
وأکفٌ إلي عُلاکَ تُشِيرُ


وسيبقي لکَ الخلودُ، وللغا
فِينَ، في ناعِمِ الحريرِ، الغُمورُ


وستُبني لک الضَمائِرُ عُشّاً
ولدنيا سِواکَ تُبني القصور


وسيجري بمَرجِ عذراءَ من (حُج
-رِکَ) نَحرٌ.. تقفو سَناهُ النحورُ


سيّدي أيّها الضميرُ المُصفّي
والصِراطُ الذي عليه نسيرُ


لک مَهوي قلوبِنا، وعلي زا
دِکَ نُربِي عُقولَنا، ونَمِيرُ


وإذا هَزّتِ الَمخاوِفُ روحاً
وارتمي خافِقٌ بها مَذعورُ


قَرَّبتْنا إلي جراحِکَ نارٌ
وهَدَانا إلي ثَباتِکَ نُور


باعَدَتْنا عن (قومِنا) لُغةُ الح
-بِّ فظنّوا: أنّ اللُبابَ القُشور


بعضُ ما يُبتلَي به الحبُّ هَمْسٌ
من ظنونٍ.. وبعضُهُ تَشهير


إنّ أقسي ما يَحمِلُ القلبُ أنْ يُط
-لَبَ مِنهُ لِنَبضِهِ تفسير


نحن نهواکَ، لا لشي ءٍ، سوي أنّ
کَ من أحمدٍ أخٌ ووزير


ضَرَبَ اللَّه بين وَهْجَيکُما حَ
-دْداً: فأنتَ المَنارُ و هو المنير


وإذا الشمسُ آذنَتْ بمَغيبٍ
غَطّتِ الکونَ من سَناها البدورُ

[صفحه 290]


صفحه 287، 288، 289، 290.