استبدال الولاة











استبدال الولاة



انتخب الإمام عليٌّ عليه السلام رجالاً من الذين أُبعدوا في عهد سابقيه دون أدني سبب، جعلهم مکان الولاة الذين ضجَّت الأُمَّة من سياستهم المنحرفة، کالوليد بن أبي معيط ـ الذي سمَّاه القرآن فاسقاً ـ وعبدالله بن أبي سرح، الذي انتفضت عليه مصر، وعبدالله بن عامر، ومعاوية الرجل المتجبِّر!

وأمَّا البدائل، فهم: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، والأنصاريان الجليلان: سهل بن حنيف وعُثمان بن حنيف، بدائل عن ابن أبي سرح وابن عامر ومعاوية، علي مصر والبصرة والشام[1] .

وجعل عبيدالله بن عبَّاس علي اليمن، وقثم بن عبَّاس علي مکَّة.

لکنَّ عقبة استبدال معاوية کانت هي الأشدُّ، حيث تربَّع علي العرش، يذبح شيعة الإمام عليٍّ عليه السلام ويستنُّ السنن لأهل الشام، الذين لا يعرفون من الإسلام الا ما يعرِّفهم به معاوية، فعمل علي أن لا يبقي في الشام صحابياً، فأخرج منها أبا ذرٍّ، وعبادة بن الصامت وغيرهم، لتخلو له أرض الشام فلا يعرفوا غيره!

وجاءت وصايا الإمام عليه السلام إلي الولاة، فکتب يقول لأحدهم: «واعلم أنَّ الرعيَّة طبقات، لا يصلح بعضها الا ببعض، ولا غني ببعضها عن بعض،

[صفحه 192]

فمنها جنود الله، ومنها کُتَّاب العامَّة والخاصَّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمَّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمَّة ومسلمة الناس، ومنها التجَّار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلي من ذوي الحاجة والمسکنة.

وکلٌّ قد سمَّي الله سهمه، ووضع علي حدِّه فريضته في کتابه أو سُنَّة نبيِّه صلي الله عليه وآله وسلم عهداً من عندنا محفوظاً:

فالجنود بإذن الله، حصون الرعيَّة، وزين الولاة، وعزُّ الدين، وسُبل الأمن، وليست تقوم الرعيَّة الا بهم، ثُمَّ لا قوام للجنود الا بما يُخرج الله لهم من الخراج..

ثُمَّ لا قِوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمَّال والکتَّاب، لِما يُحکِمونَ من المعاقِد، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواصِّ الأُمور وعوامِّها.

ولا قوام لهم جميعاً الا بالتجَّار وذوي الصناعات..

ثُمَّ الطبقة السفلي من أهل الحاجة والمسکنة الذين يحقُّ رفدهم ومعونتهم، وفي الله لکُلّ سَعة، ولکلٍّ علي الوالي حقٌّ بقدر ما يُصلحه..»[2] .

بلا شکٍّ لو أنَّ الإمام عليه السلام قد تولَّي خلافة المسلمين بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة؛ لظهر الإسلام للعالم بوجهه الصحيح، ولم تکن أُمور الغدر والجور والتزوير والفتن، وإلي ما شابه ذلک من الأُمور التي نعيشها اليوم، وتعيش فينا إلي آخر يوم..

[صفحه 193]

فقد ترک «الحکَّام» غير الشرعيين صوراً تحفل بالآلام والمخازي، شوَّهت الإسلام في أذهان الذين لا يعرفون عنه شيئاً الا اسمه.. لکن الذي وقع هو أنَّ خلافة الإمام عليه السلام قصيرة جدَّاً، بسبب تلک الأُمور التي أحاطت به، ولم تترک له مجال يمکِّنه من الإصلاح الشامل، وبناء دولة إسلامية ذات أُسس رصينة، کما أراد ذلک الله ورسوله..

لم يکن الإمام عليَّاً عليه السلام طالب ملک.. فهو لا يري السلطة الا وسيلةً للحقِّ والعدالة.. لذلک نراه يصرُّ علي عزل معاوية؛ لأنَّ إبقاءه ولو يوم واحد يعني إقرار الظلم والجور، وأجاب من أشار عليه بترک معاوية وشأنه بقوله: (وَمَا کُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)! فهو لا يري معاوية الا ضالاً مضلأًَ، لذلک کرَّس کلَّ قوَّاته لاجتياح الظلم من أرض الشام، کما أجتاحها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من أرض الحجاز!

وقال الأستاذ عبدالفتاح، حول سياسة عليٍّ عليه السلام من أنصار عُثمان وولاته: «إنَّ الناظر إلي سياسة عليٍّ عليه السلام حيال ولاة عُثمان، ليعلم مدي صوابه حين أبي الا خلعهم وتولية سواهم، ممَّن يؤمنون بمبادئه ومثله، ويعلم أيضاً أنَّه کان نافذ البصيرة مؤمناً باستجابة البلاد کلِّها له، لأنَّه لم يعمل الا ما أملاه عليه شعور أهل الأمصار نحو أولئک الولاة، وها هو الزمن قد أثبت فراسته فجاءته الطاعة من کلِّ الأقاليم.

أمَّا الشام فلها وحدها شأن تنفرد به في قبضة رجل مفتون بالسلطان إقراره عليها وعدم إقراره سواء بسواء لن يسفر الا عن تمرُّد؛ لأنَّه لا يرضي بغير احتلاب السلطان الذي وقع في کفِّ غريمه القديم».

ومضي يقول: «ولعلَّه لو أثبته الإمام في حکم الشام، لوسعه أن يبدو

[صفحه 194]

في أنظار الجماهير أقوي منه في حال العزل، لأنَّه لا يستطيع أن يقول للناس: إنَّه يأبي البيعة لمن ولأَه، ولا يعتبرها الا ثمناً يشتري أمير المؤمنين صمته عن اتهامه بمقتل عُثمان»[3] .



صفحه 192، 193، 194.





  1. أنظر: الأخبار الطوال: 141.
  2. نهج البلاغة، الکتاب 53، بتصرف.
  3. بالواسطة، عن سيرة الأئمة الأثني عشر: 398.