سياسته في الحكم











سياسته في الحکم



حيث وضع دستوراً إسلامياً شرعياً تسير عليه السياسة الجديدة فخطب الملأ قائلاً «قد جعل الله سبحانه لي عليکم حقاً بولاية أمرکم، ولکم عليَّ من الحق مثل الذي عليکم..

جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً، افترضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتکافأ في وجوهها..

وأعظم ما افترض سبحانه من تلک الحقوق: حقّ الوالي علي الرعية،

[صفحه 190]

وحقُ الرعية علي الوالي، فريضةٌ فرضها الله سبحانه لکلٍّ علي کلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم، وعزّاً لدينهم.

فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلي الوالي حقه، وأدّي الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت علي أذلالها السنن، فصلُح بذلک الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء...

وإذا غلبت الرعية واليها، وأجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالک الکلمة، وظهرت معالم الجور وکثُر الإدغال في الدين، وتُرکتْ محاجُّ السنن، فعمل بالهوي وعطّلت الأحکام وکثرت علل النفوس، فلا يستوحَش لعظيم حقٍّ عُطِّل، ولا لعظيم باطلٍ فُعل، فهنالک تذلّ الأبرار، وتعِزُّ الأشرار.

فعليکم بالتناصح في ذلک، وحسن التعاون عليه، فليس أحد ـ وإن أشتدّ علي رضي الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده ـ ببالغ حقيقة ما الله أهلّه من الطاعة.. وليس أمرؤٌ ـ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته ـ بفوق أن يعان علي ما حمّله الله من حقّه، ولا امرؤٌ ـ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون ـ بدون أن يعين علي ذلک أو يعان عليه»..[1] .

وهکذا تتکامل المسؤوليات، وتتعاضد الأدوار، ويستوي الناس أمام

[صفحه 191]

الحق والعدل، ويأخذ مبداً التکافل الاجتماعي طريقه إلي الواقع.. إنها مباديء السياسة النموذجية التي تتوخي صناعة المجتمع النموذجي.



صفحه 190، 191.





  1. نهج البلاغة: الخطبة: 216، بتصرف.