سياسته الإصلاحية











سياسته الإصلاحية



لمَّا آلت إليه خلافة المسلمين انصرف منذ اليوم الأوَّل لمشروع الإصلاح، إصلاح ما نخره المتقدمون عليه وعُثمان وعمَّاله علي صعيد الاتِّجاه السياسي والاجتماعي، وحتي الثقافي، في دولة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

ومن جلائل خطبه ومشهوراتها، تلک التي وصف فيها حال الأُمَّة،

[صفحه 183]

حالهم الجديدة، فيصفها في يوم بيعته: «.. ألا وإنَّ بليَّتکم قد عادت کهيئتها يوم بعث الله نبيَّه صلي الله عليه وآله وسلم والذي بعثه بالحقِّ لتُبَلْبَلُنَّ بلبلةً ولتُغربلُنَّ غربلةً، ولَتُساطُنَّ سوط القدر، حتي يعود أسفلکم أعلاکم وأعلاکم أسفلکم، وليسبقَنَّ سابقون کانوا قصَّروا، وليُقصِّرنَّ سبَّاقون کانوا سبقوا..

والله ما کتمتُ وشمةً، ولا کذبت کذبةً، ولقد نُبِّئتُ بهذا المقام وهذا اليوم... حقٌّ وباطل، ولکلٍّ أهل، فلئن أمِرَ الباطل لقديماً فعل! ولئن قلَّ الحقُّ، فلربَّما ولعلَّ! ولقلَّما أدبر شيءٌ فأقبل»[1] ! کما أنبأه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

ومرَّةً أُخري يضع النقاط الأساسية لواجبات الخلافة الجديدة: «اللَّهمَّ إنَّک تعلم أنَّه لم يکن الذي کان منَّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من الحطام، ولکن لنردَّ المعالم من دينک، ونُظهر الإصلاح في بلادک، فيأمن المظلومون من عبادک، وتُقام المعطَّلة من حدودک»[2] .

ردُّ المعالم الضائعة المغيَّبة من الدنيا، وردُّ الحقِّ المنتهک من عباد الله، وإقامة الحدود المعطَّلة، کأنجح وأعدل سياسة في الحکم الإسلامي، هذه هي أهمُّ أوجه السياسة في الخلافة الجديدة.

لأوَّل مرَّة سيُقام العدل ويُرکل الظلم في أشدِّ حالات القتال! القتال علي التأويل کما قاتل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي التنزيل: «إنَّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن» قال أبو بکر: أنا هو؟ وقال عمر: أنا هو؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: «لا، لکنَّه عليٌّ»![3] .

[صفحه 184]

هذا هو مشروع الإصلاح، حسبما اختصره الإمام في خطبته السابقة، وکان هذا إصلاح الساحة السياسة.

أمَّا التغيير الاجتماعي والديني والثقافي فتجسَّد في بيانه للناس عامَّةً، وعمَّاله خاصَّةً، بقوله: «إنَّ الله سبحانه أنزل کتاباً هادياً بيَّن فيه الخير والشرَّ، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدِفوا عن سمت الشرِّ تقصدوا..

الفرائض، الفرائض! أدُّوها إلي الله، تؤدِّکم إلي الجنَّة..» ديناً.

أمَّا علي الصعيد الاجتماعي والثقافي فيمکن أن نراه واضحاً في قوله: «إنَّ الله حرَّم حراماً غير مجهول، وأحلَّ حلالاً غير مدخول، وفضَّل حُرمة المسلم علي الحُرم کلِّها، وشدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها..».

ولعمَّاله خاصَّةً قوله: «بادروا أمر العامَّة، وخاصَّة أحدکم وهو الموت..» وقوله: «اتَّقوا الله في عباده وبلاده، فإنَّکم مسؤولون حتي عن البقاع والبهائم..»[4] .

بهذا الإخلاص الرفيع والحکمة المتعالية والسياسة الحکيمة، يضعنا أمام الأمر الواقع، فقد أعاد عليه السلام إلي الأذهان الدين الحقَّ المنزَّل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والذي تزيَّف في عهود من سبقه!!

أوَّلاً: باشر الإمام في تنفيذ العدل والمساواة بين الرعية..

وثانياً: مراقبة العمَّال والأُمراء. وله کتب عدَّة في هذه الأُمور، جمعها صاحب نهج البلاغة، بما يقارب 32 کتاباً، في الشؤون الإدارية والسياسية

[صفحه 185]

ووصايا إلي الأمراء والأجناد، فلا يسعنا الحديث عن کلِّ کتبه هذه!

ثالثاً: القتال علي تأويل القرآن!!



صفحه 183، 184، 185.





  1. نهج البلاغة، الخطبة: 16.
  2. نهج البلاغة، الخطبة: 131.
  3. مسند أحمد 3: 83، المستدرک 3: 123.
  4. نهج البلاغة، الخطبة: 167، وذکره ابن الأثير في تاريخه 3: 84ـ 85.