قصة الاستخلاف











قصة الاستخلاف



في اللحظات الأخيرة من عمر أبي بکر، عزم علي أن يعهد بالخلافة من بعده إلي عمر بن الخطَّاب، کذا وبکلِّ جرأة أنکر هو وأصحابه حديث الوصاية لعليٍّ عليه السلام ويوم غدير خُمٍّ، وکأنَّ خلافة المسلمين ورثٌ ورثه من أبي قحافة، وعليٌّ عليه السلام شهد کلَّ ذلک فکضم غيضه وأغمض عينيه، وهو صاحب الحقِّ الأوَّل والأخير.

[صفحه 154]

وعلي أيِّ حالٍ فقد تجاهل ابن أبي قحافة ذلک الحقَّ الذي کان حبلاً في رقابنا، وتجاهل حقَّ الأُمَّة المسلمة، وأصرّ علي استخلاف عمر، فقيل له وهو علي فراش الموت: ما کنت قائلاً لربِّک إذا ولَّيته مع غلظته؟!

وکان من قول طلحة بن عبيدالله: استخلفت علي الناس عمر وقد رأيت ما يلقي الناس منه وأنت معه، وکيف به إذا خلا بهم؟ وأنت لاقٍ ربک فسائلک عن رعيتک![1] .

وقد أغضبه کثرة تذمر الصحابة من استخلافه عمر، فقال: إنّي ولّيت أمرکم خيرکم في نفسي، فکلّکم ورِمَ أنفه من ذلک، يريد أن يکون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تُقبِل، وهي مقبلة، حتي تتّخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع علي الصوف الأذريّ کما يألم أحدکم أن ينام علي حَسَک السَعدان... وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً...[2] .

وقبل هذا وذاک استدعي عُثمان ليکتب له کتاب الوصية حتي لا يضلُّوا بعده!

روي ابن الأثير: أنَّ أبا بکر أمر عُثمان بن عفَّان ليکتب عهد عمر، فقال له: اکتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عَهِد به أبو بکر بن أبي قحافة إلي المسلمين، أمَّا بعد.. ثُمَّ أُغمي عليه، فکتب عُثمان: فإنِّي قد استخلفت عليکم عمر بن الخطَّاب، ولم آلکم خيراً.

ثمَّ أفاق أبو بکر، فقال: أقرأ عليَّ. فقرأ عليه: فکبَّر أبو بکر، وقال:

[صفحه 155]

أراک خفت أن يختلف المسلمون إن متُّ في غشيتي؟! قال: نعم. قال: جزاک الله خيراً عن الإسلام وأهله.

فلمَّا کتب العهد أمر أن يُقرأ علي الناس، فجمعهم وأرسل الکتاب مع موليً له، ومعه عمر، فکان عمر يقول للناس: أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، فإنَّه لم يألکم نُصحاً! فسکت الناس[3] .

بالأمس القريب ادَّعي أبو بکر أنَّ الخلافة حقٌّ من حقوق المسلمين، يولُّون من يجمع أمرهم عليه، لکنَّه اليوم أوصي لعمر بن الخطَّاب، دون أن يجمع المسلمين علي کلمة واحدة!

ولنري بعد ذلک قول الأستاذ عبدالفتاح عبد المقصود في کتابه «عليُّ بن أبي طالب» وهو يتحدَّث عن موقفه من أبي بکر، بعد أن أوصي لعمر بن الخطَّاب من بعده، قائلاً: «وکان حريَّاً بأن يفصم الغضب قلب عليٍّ عليه السلام لأنَّه إصرار علي الحيف بعد الحيف، ولکنَّه کظم وصبر، ولم يضرَّه أن يأخذ مقعده في ذيل الناس، مادام أصحاب الرسول قد بيَّتوا علي نزع سلطان محمد من آله والخروج به ثانية من عقر بيته، ولم يکن هذا بمستغرب من قريش، ولکنَّه کان عجباً غاية العجب من الشيخ، بعد أن استوت بينه وبين عليٍّ الأمور، ولم تعد خافية علي أبي بکر مکانة الشابِّ وأثره في حياة الجماعة الإسلامية، من تضحيات وبذل عند ولادة الدين ومن حکمة وفضل، ودولة الإسلام تشقُّ طريقها إلي الأمام...»[4] .

وتوفِّي أبو بکر في21ـ 22 جمادي الآخرة سنة13هـ أواخر آب 634م.

[صفحه 156]



صفحه 154، 155، 156.





  1. الکامل في التاريخ 2: 272ـ 273.
  2. تاريخ الطبري 3: 430.
  3. الکامل في التاريخ 2: 273، وما بعدها.
  4. عن سيرة الأئمة الأثني عشر 1: 323.