جمع القرآن الكريم وتفسيره











جمع القرآن الکريم وتفسيره



إنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام وفي مدَّة اعتزاله الطويل تفرَّغ لعدَّة مهام، کان أهمُّها وأوَّلها مهمَّة جمع القرآن الکريم، فقد ثبت تاريخياً أنَّ عليَّاً عليه السلام أخذ علي عاتقه الشريف مهمة جمع آيات الذکر الحکيم، وکان ذلک مبکِّراً جدَّاً من بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلم يخرج من بيته، الا للصلاة حتي جمعه عنده.

وکان هذا أوَّل مصحف يجمع، مرتَّباً بحسب ترتيب نزول السور القرآنية، وکتب في حواشيه أشياء من الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، واختصَّ به لنفسه..

[صفحه 152]

قال ابن سيرين: طلبت ذلک الکتاب، وکتبت فيه إلي المدينة، فلم أقدر عليه[1] .

وکان الإمام عليٌّ عليه السلام في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من أبرز کتَّاب الوحي، ولمَّا توفِّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر علياً عليه السلام يجمع القرآن الکريم في مصحفٍ واحدٍ، لذلک باشر عليه السلام بجمع القرآن وترتيبه، ولمَّا تولَّي أبو بکر الخلافة أمر من جهته بجمع القرآن الکريم، وقد أسند هذه المهمَّة إلي الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري.

ولمَّا کان الإمام عليٌّ عليه السلام أکثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، واختصاصاً به، فقد کان أکثر من عُرف عنه تفسير القرآن الکريم، ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشأنه: إنَّه أکثرهم علماً؟

وذکر القرطبي في تفسيره: «فأمَّا صدر المفسِّرين والمؤيَّد فيهم، فعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتلوه عبدالله بن عبَّاس، وهو تجرَّد للأمر وکمّله، وقال ابن عبَّاس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليِّ بن أبي طالب»[2] .

وروي عن عليٍّ عليه السلام أنَّه قال: «سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتکم، وسلوني عن کتاب الله، فوالله ما من آيةٍ إلا وأنا أعلم أبليل نزلت، أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل»[3] .

وفي عهد أبي بکر واجه ـ وهو الخليفة ـ مشکلة في معني بعض مفردات القرآن أحرجته کثيراً، فقال في التخلُّص منها قولاً عجيباً، فبلغ

[صفحه 153]

ذلک أمير المؤمنين فعجب لتوقف أبي بکر في هذه المفردة، ثُمَّ لکلامه في التخلُّص منها.

سُئل أبو بکر عن معني «الأبِّ» في قوله تعالي: (وَفَاکِهَةً وَأبّاً)[4] ، فتحيَّر في معناها، فقال: أيُّ سماء تظلُّني أو أيُّ أرضٍ تقلُّني: أم کيف أصنع إن قلت في کتاب الله تعالي بما لا أعلم؟! أمَّا الفاکهة فنعرفها، وأمَّا الأبُّ فالله أعلم به!

فبلغ مقاله هذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «يا سبحان الله! أما علم أنَّ الأبَّ هو الکلأ والمرعي؟! وأمَّا قوله عزَّ اسمه: (وَفَاکِهَةً وَأبّاً) اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه علي خلقه فيما غذَّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم، مما تحيي به أنفسهم وتقوم به أجسادهم»[5] .

ونحو هذا في جوابه عليه السلام في معني الکلالة، بعد أن تحيَّر فيها أبو بکر وتردَّد في معناها[6] .



صفحه 152، 153.





  1. انظر فهرست النديم: 42، الإتقان في علوم القرآن 1: 166، المکتبة العصرية ـ بيروت 1988م.
  2. تفسير القرطبي 1: 27.
  3. الإتقان في علوم القرآن 4: 204.
  4. سورة عبس: 31.
  5. الإرشاد 1: 200.
  6. انظر المصدر السابق 1: 200ـ 201.