موقف فاطمة من البيعة











موقف فاطمة من البيعة



لقد کان موقف عمر وأبي بکر من بضعة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في منتهي الجفاء والتحدِّي، متجاهلين مقامها الرفيع الشأن من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاسيَّما وأنَّهما قد سمعا قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله يغضب لغضبکِ ويرضي لرضاکِ».

ثمَّ جاء عمر وأبو بکر إليها يلتمسان رضاها فقالت لهما: «نشدتکما الله، ألم تسمعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة ابنتي فقد أحبَّني، ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني!؟» فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله.

فقالت: «فإنِّي أُشهد الله وملائکته أنَّکما أسخطتماني، وما أرضيتماني،

[صفحه 142]

ولئن لقيتُ النبيَّ لأشکونَّکما إليه».[1] فمازالت غضبي عليهما حتي توفِّيت[2] .

وعن ابن قتيبة قال: وخرج عليٌّ ـ کرَّم الله وجهه ـ يحمل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فکانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنَّ زوجک وابن عمِّک سبق إليها قبل أبي بکر ما عدلنا به.

فيقول عليٌّ کرَّم الله وجهه: «أفکنت أدعُ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بيته لم أدفنه، وأخرج أُنازع الناس سلطانه»؟!

فقالت فاطمة: «ما صنع أبو الحسن الا ما کان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم»[3] .

أمَّا عليٌّ عليه السلام، فقد خاصمهم بقوله: «الله الله يا معشر المهاجرين، لاتُخرجوا سلطان محمَّد عن داره وقعر بيته إلي دورکم وقعور بيوتکم، ولاتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقِّه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحنُ أحقُّ الناس به، لأنَّا أهل البيت، ونحنُ أحقُّ بهذا الأمر منکم ما کان فينا: القارئ لکتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعيَّة، القاسم بينهم بالسويَّة، ووالله إنَّه لفينا، فلا تتَّبعوا الهوي فتضلُّوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحقِّ بعداً».

فلمَّا سمعوا منه هذا الکلام قال بشير بن سعد الأنصاري ـ الذي أقرَّ

[صفحه 143]

بنود السقيفة ـ: لو کان هذا الکلام سِمِعتْه الأنصارُ منک قبل بيعتها لأبي بکر ما اختلف عليک اثنان[4] .

وأنشد عليه السلام معرِّضاً بأبي بکر:


فإن کنتَ بالشوري ملکتَ أمورَهـم
فکيـف بهـذا والمشيــرون غُيَّبُ


وإن کنتَ بالقُربي حججتَ خصيمهم
فغيــرُک أولـي بالنبيِّ وأقربُ[5] .


وله عليه السلام کلام واسع وخطب عدَّة يصف فيها أمر الخلافة والتفضيل، محفوظ في کتاب نهج البلاغة، وقد اقتطفنا من احدي خطبه المعروفة بالشقشقية مقاطع منها:

«أما والله لقد تقمَّصها فلان، وانَّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلَّ القطب من الرَّحَا، ينحدر عنِّي السيل، ولا يرقي إليَّ الطير»...

«فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته!! لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها.. فصبرتُ علي طول المدَّة وشدَّة المحنة.. حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنِّي أحدُهم! فيا لله وللشوري، متي اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتي صرت أُقرن إلي هذه النظائر!»[6] .

ولمَّا بلغه عليه السلام احتجاج قريش بأنَّهم قوم النبيِّ وأولي الناس به، قال: «احتجَّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»[7] .

[صفحه 144]



صفحه 142، 143، 144.





  1. الإمامة والسياسة: 13.
  2. صحيح البخاري 5: 288 و256، صحيح مسلم 3: 138 و52.
  3. الإمامة والسياسة 1: 12 وکذا شرح النهج 2: 47.
  4. الإمامة والسياسة: 12.
  5. نهج البلاغة: 503 و190.
  6. نهج البلاغة، الخطبة الثالثة بتصرف.
  7. نهج البلاغة: الخطبة 67، وانظر: الإمامة والسياسة: 11.