فتح مكَّة











فتح مکَّة



کان الفتح في شهر رمضان، سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم[1] وکان سبب هذه الوقعة: أنَّ قريشاً نقضت الوثيقة التي وقعتها مع النبي في الحديبية، وتمادت في ذلک، حتي ذهبت إلي تحريض حلفائها بني الدؤل من بني بکر علي خزاعة حلفاء النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، واستطاع هؤلاء أن يتغلَّبوا علي خزاعة بمساعدة قريش، فلمَّا وصل الخبر إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عزم علي أن ينصر خزاعة..

فجهّز جيشه وأکد رغبته في التکتيم علي هذا الأمر، لمداهمة قريش في مکة قبل أن تتجهز لحرب، وکان يقول: «اللَّهمَّ خُذ علي أبصارهم فلا يروني الا بغتةً»![2] ، لکن الأمر تسرّب إلي حاطب بن أبي بلتعة، فکتب کتاباً إلي أهل مکَّة يطلعهم فيه علي سرِّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في المسير إليهم،

[صفحه 94]

وأعطي الکتاب أمرأة سوداء وأمرها أن تأخذ علي غير الطريق، فنزل بذلک الوحي.

فدعا النبي صلي الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام وقال: «إنَّ بعض أصحابي قد کتب إلي أهل مکَّة يخبرهم بخبرنا وقد سألت الله أن يعمّي اخبارنا عليهم، والکتاب مع امرأة سوداء قد أخذت علي غير الطريق، فخذ سيفک والحقها وانتزع الکتاب منها» وبعث معه الزبير بن العوَّام.

فمضيا علي غير الطريق، فأدرکا المرأة، فسبق إليها الزبير وسألها عن الکتاب فأنکرته، وحلفت أنَّه لا شيء معها، وبکت، فقال الزبير: يا أبا الحسن، ما أري معها کتاباً. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يخبرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ معها کتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول: إنَّه لا کتاب معها»!

ثمَّ اخترط السيف وقال: «أما والله لئن لم تخرجي الکتاب لأکشفنَّک ثُمَّ لأضربنّ عنقک».

فقالت له: اذا کان لابدَّ من ذلک، فأعرض يا ابن أبي طالب عنِّي بوجهک. فأعرض عنها، فکشفت قناعها فأخرجت الکتاب من عقيصتها، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وصار به إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم[3] .

ثمَّ مضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفتح مکَّة في عشرة آلاف مقاتل، وأعطي الراية سعد بن عبادة، وأمره أن يدخل بها مکَّة، فأخذها سعد وجعل يقول:


اليوم يوم المَلحمَه
اليوم تسبي الحُرُمَه

[صفحه 95]

فسمعها رجل من المهاجرين، فأعلم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمي الحرمة» لعليِّ بن أبي طالب: «أدرکه فخذ الراية منه، وکن أنت الذي تدخل بها»[4] .

ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقطع الطريق باتجاه مکَّة ودخلها عنوةً بهذا الجيش الهائل، الذي لم تعرف له مکَّة نظيراً في تاريخها من قبل، وأعلن العفو وهو علي أبواب مکَّة، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وأباح دم ستة رجال، ولو کانوا متعلِّقين بأستار الکعبة، وأربع نسوة، هم: عکرمة بن أبي جهل، وهبار بن الأسود، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، ومِقيس بن صُبابة الليثي، والحويرث بن نُقيذ، وعبدالله بن هلال بن خطل الادرمي، وهند بنت عتبة، وسارة مولاة عمرو بن هاشم، وقينتان کانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم[5] .

فمضي عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يجدُّ في طلب أولئک الذين أهدر النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم دماءهم فقتل منهم اثنين هم: الحويرث بن نقيذ، وسارة.

وأجارت أمُّ هانئ بنت أبي طالب حموين لها: الحارث بن هشام، وعبدالله بن ربيعة، فأراد عليٌّ عليه السلام قتلهما. فقال رسول الله: «يا عليُّ قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ»[6] وتفرّق الباقون، ثم وفد بعضهم علي النبي بعد أن أخذ الأمان.

ولم يترک رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صنماً داخل الکعبة وخارجها الا وحطَّمه

[صفحه 96]

تحت قدميه أمام قريش..

وبعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ـ وهو بمکَّة ـ خالد بن الوليد إلي بني جذيمة بن عامر، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح. فقالوا: إنَّا لا نأخذ السلاح علي الله ولا علي رسوله ونحن مسلمون، قال: ضعوا السلاح، قالوا: إنَّا نخاف أن تأخذنا بإحنة الجاهلية، فانصرف عنهم وأذَّن القوم وصلَّوا، فلمَّا کان في السحر شنَّ عليهم الخيل فقتل منهم ما قتل وسبي الذرية.

فبلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليک ممَّا صنع خالد»! وبعث عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فأدَّي إليهم ما أخذ منهم حتَّي العقال وميلغة الکلب، وبعث معه بمال ورد من اليمن فودي القتلي، وبقيت معه منه بقية، فدفعها عليٌّ عليه السلام إليهم علي أن يحلِّلوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ممَّا علم وممَّا لا يعلم. فقال رسول الله: «لما فعلت أحبُّ إليَّ من حمر النعم» ويومئذٍ قال لعليٍّ: «فداک أبواي»[7] ، فتمَّ بذلک موادُّ الصلاح، وانقطعت أسباب الفساد.



صفحه 94، 95، 96.





  1. الطبقات الکبري 2: 102.
  2. الطبقات الکبري 2: 102.
  3. الارشاد 1: 57.
  4. إعلام الوري 1: 385، وانظر ابن الأثير، الکامل في التاريخ 2: 122.
  5. طبقات ابن سعد 2: 103، وانظر الکامل في التاريخ 2: 123، وفيه ثمانية رجال وأربع نسوة.
  6. تاريخ اليعقوبي 2: 59، وانظر الطبقات لابن سعد 2: 110.
  7. انظر: تاريخ اليعقوبي 2: 61، إعلام الوري 1: 386، إرشاد المفيد 1: 55.