وقعة خيبر











وقعة خيبر



غزا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، خيبر في جمادي الأولي سنة سبع من مهاجره، وهي علي ثمانية بُرُد من المدينة[1] ، أي أربعة ليال ـ علي التقريب ـ[2] ، وأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيُّؤ لغزوة خيبر، وخرج معه ألف واربعمائة رجل، معهم مائتا فارس، وأعطي لواءه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام[3] .

ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يجدُّ السير باتِّجاه خيبر، ونزل عليها ليلاً، ولم يعلم أهلها، فخرجوا عند الصباح إلي عملهم بمساحيهم، فلمَّا رأوه عادوا، وقالوا: محمَّد والخميس، يعنون الجيش، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الله أکبر خربت خيبر، إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم (فساءَ صباح المنذرين)!»[4] .

وقد کان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد سلَّم أبابکر رايةالجيش، ولکنَّ أبابکر عاد بالراية دون أن يصنع شيئاً فرجع، ثُمَّ جعل القيادة لعمربن الخطَّاب بعده، قال الطبري والحاکم: فعاد يجبّن أصحابه ويجبنونه[5] ، فأخبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «والله لأعطينَّها غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله[6] .

[صفحه 89]

يأخذها عنوةً».[7] وفي رواية أخري: «لأُعطينَّ الرآية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله علي يديه ليس بفرّار»[8] .

فتطاولت لذلک الأعناق ورجا کلُّ واحد أن يکون المقصود بهذا القول.

وفيها جاء عن عمر بن الخطَّاب انَّه قال: فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إليَّ، فلمَّا کان الغد دعا عليَّاً فدفعها إليه، فقال: «قاتل ولا تلتفت، حتي يفتح الله عليک»[9] .

وفي تفصيل الخبر أن علياً عليه السلام کان قد أُصيب بالرمد، فبصق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عينيه، ثم أعطاه الراية[10] ، فما شکا وجعاً حتَّي مضي لسبيله، فنهض بالراية وعليه حلَّة حمراء[11] ، إنطلق مهرولاً، فرکز رايته بين حجرين أمام الحصن، فأشرف عليه رجل من يهود يخطر بسيفه، فقال له: مَن أنت؟ قال: «أنا عليُّ بن أبي طالب»، فقال اليهودي: غُلبتم يا معشر يهود، وخرج مرحب اليهودي، صاحب الحصن، وعليه مغفر يماني، قد نقبه مثل البيضة علي رأسه، وکان مزهوّاً بشجاعته وبطولاته، خرج يتبختر في

[صفحه 90]

مشيته، وهو يقول:


قد علمت خيبرُ أنِّي مرحبُ
شاکي السلاح بطلٌ مجرَّبُ


اذا الحروبُ أقبلتْ تلهَّبُ

فقال عليٌّ صلوات الله عليه وبرکاته:


«أنا الذي سمَّتني أُمِّي حيدرة
أکيلکم بالسيف کيل السندرة


ليثُ بغاباتٍ شديدٌ قسورة»[12] .

فاختلفا ضربتين، فبدره عليٌّ عليه السلام فضربه فقدَّ الجحفة والمغفر ورأسه، وشقَّه نصفين حتي وصل السيف إلي أضراسه، فوقع علي الأرض، وکان لضربته عليه السلام دويٌّ کدوي الصاعقة، فلمَّا رأي اليهود صنيع عليٍّ عليه السلام بفارسهم مرحب ولَّوا هاربين، وکان الفتح علي يديه عليه السلام.

قال أبو رافع مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «خرجنا مع عليٍّ عليه السلام حين بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، برايته إلي خيبر، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه يهوديٌّ فطرح ترسه من يده، فتناول عليٌّ عليه السلام باباً کان عند الحصن فتترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتي فتح الله عليه، ثُمَّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر سبعة، أنا ثامنهم، نجهد علي أن نقلب ذلک الباب فما نقلبه»[13] .

وقيل: «إنَّ الباب کان حجارة طوله أربع أذرع في عرض ذراعين في سمک ذراع، فرمي به عليُّ بن أبي طالب عليه السلام خلفه ودخل الحصن ودخله

[صفحه 91]

المسلمون»[14] .

ومهما يکن الحال فإن دلَّت هذه الروايات علي شيءٍ، فإنَّما تدلُّ علي شجاعة الإمام وقدرته الخارقة العجيبة في بدنه، مع قوة إلهيّة معنوية عالية، وعليٌّ عليه السلام نفسه يقول عن هذا الحادث: «والله ما قلعت باب الحصن بقوَّة جسدية، ولکن بقوَّة ربَّانية»[15] .

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: «لمَّا قدم عليٌّ عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بفتح خيبر قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «لولا أن يقول فيک طوائف من أُمَّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم، لقلت فيک اليوم قولاً لا تمرُّ بملأ الا أخذوا من تراب رجليک ومن فضل طهورک فيستشفون به، ولکن حسبک أن تکون منِّي وأنا منک، ترثني وأرثک، وأنَّک منِّي بمنزلة هارون من موسي الا أنَّه لا نبيَّ بعدي، وأنَّک تؤدِّي ذمَّتي، وتقاتل علي سُنَّتي، وأنَّک في الآخرة غداً أقرب الناس منِّي، وأنَّک غداً علي الحوض خليفتي... إلي آخره».

فخرَّ عليٌّ عليه السلام ساجداً، ثُمَّ قال: «الحمد لله الذي منَّ عليَّ بالإسلام، وعلَّمني القرآن، وحبَّبني إلي خير البريَّة، خاتم النبيِّين وسيِّد المرسلين، إحساناً منه إليَّ، وفضلاً منه عليَّ».

فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند ذلک: «لولا أنت يا عليُّ لم يُعرف المؤمنون بعدي»»[16] .

[صفحه 92]



صفحه 89، 90، 91، 92.





  1. طبقات ابن سعد 2: 81.
  2. فضائل الإمام علي: 116.
  3. الطبقات الکبري 2: 81.
  4. انظر الکامل في التاريخ 2: 100، طبقات ابن سعد 2: 81.
  5. تاريخ الطبري 3: 93، المستدرک وتلخيصه للذهبي 3: 37.
  6. طبقات ابن سعد 2: 85، وزاد علي ذلک الذهبي في سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدون): 228: «ويفتح الله علي يديه»، صحيح البخاري ـ کتاب الفضائل 5: 87 و197 و198، صحيح مسلم ـ کتاب الفضائل 4: 1871 و32 ـ 34، سنن الترمذي 5: 638 و3724، سنن ابن ماجة 1: 43 و117، مسند أحمد 1: 185 و 5: 358، المستدرک 3: 109، الخصائص للنسائي: 4ـ 8، تاريخ الاسلام للذهبي ـ المغازي: 407، الاستيعاب 3: 36.
  7. الکامل في التاريخ 2: 101.
  8. ابن هشام، السيرة البوية 3: 267 (ذکر المسير إلي خيبر).
  9. الطبقات الکبري 2: 84.
  10. الطبقات الکبري 2: 85، سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدون): 228.
  11. ابن الأثير في تاريخه: 101.
  12. انظر: ابن الأثير في تاريخه 2: 101، وابن سعد في طبقاته 2: 85، مع اختلاف يسير.
  13. ابن الأثير في تاريخه 2: 102.
  14. تاريخ اليعقوبي 2: 56، وانظر: سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدين): 229.
  15. ارشاد القلوب 2: 219.
  16. إعلام الوري 1: 366ـ 367، ابن المغازلي، المناقب: 227 و285 وقطعة منه في مجمع الزوائد 9:131، ومناقب الخوارزمي: 22.