عمرة الحديبية











عمرة الحديبية



خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للعمرة في ذي القعدة سنة ست للهجرة[1] ، ومعه ألف وأربعمئة[2] من أصحابه، وساقَ من الهدي سبعين بدنة[3] ، کما ساق أصحابه أيضاً. ومعهم السيوف في أغمادها، وأعلن في أکثر أنحاء

[صفحه 86]

الجزيرة بأنَّه لا يريد حرباً ولا قتالاً، وبلغ المشرکين خروجه، فأجمع رأيهم علي صدِّه عن المسجد الحرام..

فسار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، بأصحابه حتَّي دنا من الحديبية، وهي علي تسعة أميال من مکَّة، وقد کان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأي في المنام أنَّه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ المفتاح[4] .

أرسلت إليه قريش مِکرز بن حفص، فأبي أن يکلِّمه، وقال: «هذا رجل فاجر»، فبعثوا إليه الحُليس بن علقمة من بني الحارث بن عبد مناة، وکان من قوم يتألَّهون، فلمَّا رأي الهدي قد أکلت أوبارها، رجع؛ فقال: يا معاشر قريش إنِّي قد رأيت ما لا يحلُّ صدُّه عن البيت..

وکان آخر من بعثوا سهيل بن عمرو ليصالحه علي أن يرجع عنهم عامه ذلک، فأقبل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فکلَّم رسول الله وأرفقه، ثُمَّ جري بينهم الصلح، فدعا رسول الله عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: «أکتب بسم الله الرحمن الرحيم»[5] ، فقال سهيل: لا نعرف هذا ولکن اکتب.. باسمک اللَّهمَّ، فکتبها. وقيل: قال عليه السلام: «لولا طاعتک يا رسول الله لما محوت».

ثُمَّ قـال: «اکتب: هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله سهيل بن عمرو»[6] ةة فقال سهيل: لو نعلم أنَّک رسول الله لم نقاتلک، ولکن اکتب اسمک واسم أبيک. فقال لعليٍّ: «امحُ رسول الله» فقال: «لا أمحوک

[صفحه 87]

أبداً»[7] ، فمحاها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقال له موضع رسول الله: محمَّد بن عبدالله، وقال لعليٍّ: «لتبلينَّ بمثلها»[8] ، واصطلحا علي وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وانَّه من أتي منهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغير إذن وليِّه ردَّه إليهم، ومن جاء قريشاً ممَّن مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يردُّوه عليه، ومن أحبَّ أن يدخل في عهد رسول الله دخل..[9] .

روي ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّه قال:

«أقبل سهيل بن عمرو ورجلان ـ أو ثلاثة ـ معه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الحديبية، فقالوا له: إنَّه يأتيک قوم من سلفنا وعبداننا فارددهم علينا، فغضب حتَّي احمارَّ وجهه، وکان إذا غضب عليه السلام يحمارُّ وجهه، ثُمَّ قال: لتنتهنَّ يا معشر قريش، أو ليبعثن الله عليکم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابکم وأنتم مجفلون عن الدين. فقال أبو بکر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولکنَّه ذلکم خاصف النعل في الحُجرة. وأنا خاصف نعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الحُجرة».

ثمَّ قال عليٌّ عليه السلام: «أما انَّه قد قال صلي الله عليه وآله وسلم: من کذب عليَّ متعمَّداً فليتبوَّأ مقعده من النار»[10] .

[صفحه 88]



صفحه 86، 87، 88.





  1. الطبقات الکبري لابن سعد 2: 72.
  2. الکامل في التاريخ 2: 86.
  3. تاريخ اليعقوبي 2: 54.
  4. تاريخ اليعقوبي 2: 54.
  5. حسب رواية ابن الأثير في الکامل في تاريخ 2: 90.
  6. إعلام الوري 1: 372.
  7. ذکر في إعلام الوري 1: 372 انَّه قال: «إنَّه والله لرسول الله علي رغم أنفک»، فقال له صلي الله عليه وآله وسلم: «امحها يا علي»، فقال له: «يا رسول الله، إنَّ يدي لا تنطلق تمحو اسمک من النبوَّة».
  8. «ستدعي إلي مثلها فتجيب، وأنت علي مضض»، کذا ذکرها مسلم في صحيحه 3: 1409 و90.
  9. انظر تفاصيل ذلک في: الکامل في التاريخ 2: 90، طبقات ابن سعد 2: 74.
  10. صحيح الترمذي 5: 634 و3715، إرشاد المفيد 1: 122، مستدرک الحاکم 4: 298، إعلام الوري 2: 273، باختلاف.