خطبة النبي في التزويج











خطبة النبي في التزويج



عن أنس بن مالک أنَّ النبيَّ، قال له: «انطلق وادع لي أبا بکر وعمر وعُثمان وطلحة والزبير، وبعدَّتهم من الأنصار»، قال فانطلقت فدعوتهم، فلمَّا أخذوا مجالسهم قال صلي الله عليه وآله وسلم: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع لسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، ونيرهم بأحکامه، وأعزَّهم بدينه، وأکرمهم بنبيِّه محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم. إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وحکماً عادلاً، وخيراً جامعاً، أوشج بها الأرحام، وألزمها الأنام. فقال الله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَکَانَ رَبُّکَ قَدِيراً)[1] ، وأمر الله يجري إلي قضائه، وقضاؤه يجري إلي قدره، ولکلِّ أجلٍ کتاب (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْکِتَاب)[2] ثُمَّ إنَّ الله تعالي أمرني أن أُزوِّج فاطمة من عليٍّ، وأُشهدکم أنِّي زوَّجت فاطمة من عليٍّ علي أربعمائة مثقال فضة، إن رضي بذلک علي السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما وبارک لهما وأطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحکمة وأمن الأُمَّة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولکم».

[صفحه 63]

قال أنس: وکان عليٌّ عليه السلام غائباً في حاجةٍ لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد بعثه فيها.. ثُمَّ أمر لنا بطبق فيه تمر، فوضع بين أيدينا، فقال: «انتبهوا»، فبينما نحن کذلک إذ أقبل عليٌّ، فتبسَّم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: «يا علي! إنَّ الله أمرني أن أُزوِّجک فاطمة، وإنِّي زوَّجتکما علي أربعمائة مثقال فضَّة»، فقال عليٌّ عليه السلام: «رضيت يا رسول الله»! ثُمَّ إنَّ عليَّاً عليه السلام خرَّ ساجداً شکراً لله، فلمَّا رفع رأسه قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «بارک الله لکما وعليکما وأسعد جدکما وأخرج منکما الکثير الطيِّب».

قال أنس: والله لقد أخرج منهما الکثير الطيِّب[3] .

وتمَّ عقد القران بين عليٍّ وفاطمة، وکتب لهما أن يعيشا حياةً مفعمةً بالإيمان، وکان اجتماعهما يحمل الکثير من المعاني التي ظهر نورها في حياتهما، وامتدَّ بعدهما في الآفاق من نسلهما المبارک، سادة بني الإنسان!

ورحَّب النبيُّ الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بهذا الزواج الميمون وبارکه وأسبغ عليه أنبل المشاعر وأقام حفلة الزفاف، ومشي خلفهما، معه حمزة وعقيل وجعفر، ونساء النبي يرتجزن فرحات مستبشرات، وهنَّ يمشين قدَّامها..

وأُدخلت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي بيت عليٍّ عليه السلام يتجلَّلها الحياء، متعثِّرةً بأذيالها وقال أبوها صلوات الله وسلامه عليه: «يا عليُّ لا تحدث شيئاً حتَّي تلقاني».

فدعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بإناء فتوضَّأ فيه، ثُمَّ أفرغه علي عليٍّ عليه السلام ثُمَّ

[صفحه 64]

قال: «اللَّهمَّ بارک فيهما، وبارک عليهما، وبارک لهما في نسلهما»[4] .

وقد روي أنَّ فاطمة عليه السلام بکت تلک الليلة، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مهدّئاً من روعها: «لقد زوَّجتک سيِّداً في الدنيا والآخرة، وإنَّه أوَّل أصحابي إسلاماً، وأکثرهم علماً، وأعظمهم حلماً»[5] .

وحقٌّ للزهراء أن تجهش بالبکاء في هذه الليلة الفريدة من العمر، ليلة تحتاج فيها الفتاة إلي أن تکون بالقرب من أُمِّها، وعلي الرغم من أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أغدق علي ابنته بالمحبة والحنان حتَّي فاضا! ولکن لابدَّ من وجود الأمِّ في هذه الليلة الفريدة!

قالت أسماء بنت عميس: فرمقتُ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، حين اجتمعا يدعو لهما، لا يشرکهما في دعائه أحد، ودعا له کما دعا لها[6] .

في هذا الحديث الشريف: «لقد زوّجتک سيداً في الدنيا والآخرة...» جملة من المعاني السامية والدرجات العالية المنطوية علي دلالات کبيرة، فهو:

1) سيِّد في الدنيا والآخرة.

2) أوَّل الناس إسلاماً.

3) أکثرهم علماً.

4) أعظمهم حلماً.

[صفحه 65]

هذه الخصال التي اجتمعت في هذا الرجل «عليٍّ» الذي تنتظره غداً مسؤوليات کبيرة في حفظ الدين وصيانة الأُمَّة.



صفحه 63، 64، 65.





  1. سورة الفرقان: 54.
  2. سورة الرعد: 39.
  3. أنظر خطبة رسول الله في المصادر التالية: فاطمة الزهراء والفاطميون: 21ـ 22، الإمام علي بن أبي طالب 1: 61.
  4. الطبقات الکبري 8: 17، أُسد الغابة 7: 240.
  5. أُسد الغابة 7: 239، تهذيب الکمال 13: 302، سير أعلام النبلاء (سير الخلفاء الراشدين): 230 باختلاف.
  6. تهذيب الکمال 13: 302، عن الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه 9 و101.