علي والركب الفاطمي إلي المدينة











علي والرکب الفاطمي إلي المدينة



بقي عليٌّ عليه السلام في مکَّة ثلاث ليال، أدَّي خلالهنّ ـ بطل التأريخ ـ ما عهد إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من ردِّ الأمانات والودائع التي کان يحتفظ بها النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لأهل مکَّة، ليلحق بعدها برسول الله..

في هذه الأثناء کان النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم قد وصل إلي يثرب، بعد أن قطعوا الجبال والأودية علي مقربة من المدينة ـ علي ساکنها السلام ـ قال النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لمن معه: «من يدلنا علي الطريق إلي بني عمرو بن عوف»؟ ولمَّا بلغ منازلهم نزل ضيفاً عليهم لإحدي عشرة أو لاثنتي عشرة ليلة خلت

[صفحه 53]

من ربيع الأول، وکان قد استقبله منهم نحو من خمسمائة[1] .

وکتب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي عليٍّ عليه السلام مع أبي واقد الليثي، يحثُّه بالمسير إليه بعد أداء ما أوصاه به، ولمَّا وصله الکتاب تهيَّأ للخروج، وردَّ کلَّ وديعةٍ إلي أهلها، وأمر من کان قد بقي من ضعفاء المؤمنين أن يتسلَّلوا إلي ذي طول ليلاً..

وخرج هو بالرکب الفاطمي: فاطمة بنت رسول الله، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطَّلب، وفاطمة بنت حمزة، وأم أيمن، وأبو واقد الذي أخذ يسوق الرواحل سوقاً حثيثاً، فقال له عليٌّ: «ارفق بالنسوة يا أبا واقد» ثُمَّ جعل يسوق بهنَّ ويقول:


ليـس الا الله فارفع ظنَّکا
يکفيک ربُّ الخلق ما أهمَّکا


وکان يسير ليلاً، ويکمن نهاراً وکان ماشياً غير راکب حتَّي تفطَّرت قدماه[2] ، ولقد ظلَّ في رحلته تلک ليالٍ أربع عشرة[3] ، يحوطهم من الاعداء ويکلؤهم من الخصماء، فلمَّا قارب ضَجَنان أدرکه الطلب وکانوا ثمانية فرسان ملثمين، معهم مولي لحرب بن أُميَّة يُدعي: جناح؛ فقال عليٌّ عليه السلام لأيمن وأبي واقد: «أنيخا الإبل واعقلاها» وتقدَّم هو فأنزل النسوة

[صفحه 54]

واستقبل القوم بسيفه، فقالوا: أظننت يا غُدر أنَّک ناجٍ بالنسوة؟! ارجع بهن لا أبا لک!! فقال: «فإن لم أفعل؟!»، فقالوا: لترجعنَّ راغماً!!

ودنوا من المطايا، فحال عليٌّ عليه السلام بينهم، وأهوي له جناح بسيفه، فراغ عن ضربته، وضرب جناحاً علي عاتقه فقدَّه نصفين، حتَّي وصل السيف إلي کتف فرسه، ثُمَّ شدَّ علي أصحابه، وهو علي قدميه وأنشد:


خلُّوا سبيل الجاهد المجاهد
آليت لا أعبد الا الواحـد


فتفرَّق القوم عنه، وقالوا: إحبس نفسک عنَّا يابن أبي طالب، ثُمَّ قال لهم: «إنِّي منطلق إلي أخي وابن عمِّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فمن سرَّه أن أفري لحمه وأُريق دمه فليدنُ منِّي» ثُمَّ أقبل علي أيمن وأبي واقد، وقال لهما: أطلقا مطاياکما، وسار الرکب حتَّي نزل ضجنان، فلبث بها يوماً وليلة حتَّي لحق به نفر من المستضعفين، فلمَّا بزغ الفجر سار بهم حتَّي قدموا قباء[4] .

وکان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد مکث فيها هذه المدة، ولم يغادرها بعد إلي المدينة، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «ادعوا لي عليَّاً»، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، واعتنقه وبکي، رحمةً لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرَّهما علي قدميه، فلم يشتکهما بعدُ حتَّي قُتل[5] .

[صفحه 55]



صفحه 53، 54، 55.





  1. أنظر سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 171.
  2. تاريخ اليعقوبي 2: 41، اُسد الغابة 4: 105، الکامل في التاريخ 2: 7.
  3. أنظر: عليٌّ سلطة الحقِّ: 23.
  4. سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 171ـ 172.
  5. الکامل في التاريخ 2: 7.