اوَّل الناس إسلاماً











اوَّل الناس إسلاماً



أجمعت الروايات علي أنَّه لم يتقدّم من عليٍّ شرک أبداً، ولم يسجد لصنم قط، وتکرَّم وجهه منذ أول وهلة، فلا طاف حول صنم ولا سجد له، فکانت نفسه خالصة لله تعالي، وکان عنواناً للشرف والاستقامة، لقد صاحبته منذ الصبا صراحة الإيمان، والثقة العالية بالنفس، والشجاعة الضرورية لکل إرادة حقة، فکان إيمانه هو الحاکم المطلق، والمسيطر الأوحد علي جميع حرکاته وسکناته. فلا مجال لأن يتوهّم من عبارة أنه أول الناس اسلاماً کونه علي خلاف ذلک قبل البعثة.

والحقُّ أنَّه کان أوفر الناس حظاً، بل هو الاصطفاء بحق، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منذ صباه حتَّي نشأ علي يديه، لم يفارقه في سلم أو حرب، وفي حل أو سفر، إلي أن لحق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلي وهو علي، صدر عليٍّ..

إنّه ربيب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي کان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه.

ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فکانت، ثالثة أهل هذا البيت، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة، فکان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله علي هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم.

[صفحه 31]

ففي الصحيح: أنَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم کان يخرج إلي البيت الحرام ليصلِّي فيه، فيصحبه عليٌّ وخديجة فيصلِّيان خلفه، علي مرأي من الناس، ولم يکن علي الأرض من يصلِّي تلک الصلاة غيرهم[1] .

وعن عفيف بن قيس، قال: کنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبدالمطَّلب رضي الله عنه بمکة قبل أن يظهر أمرُ النبي صلي الله عليه وآله وسلم فجاء شاب فنظر إلي السماء حيث تحلَّقت الشمس، ثم استقبلَ الکعبة فقام يصلي، ثم جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثم جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فرکع الشاب فرکع الغلام والمرأة، ثم رفع الشاب فرفعا، ثم سجد الشاب فسجدا، فقلت: يا عبَّاس، أمر عظيم، فقال العبَّاس: أمر عظيم، فقال: أتدري من هذا الشاب؟ هذا محمَّد بن عبدالله ـ ابن أخي ـ أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي بن أبي طالب ـ ابن أخي ـ أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنَّ ابن أخي هذا حدَّثني أنَّ ربَّه ربُّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا والله ما علي ظهر الأرض علي هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف: ليتني کنتُ رابعاً[2] .

وبقي هؤلاء الثلاثة علي هذا الدين، يتکتمون من الناس أياماً طوالاً، رجع في بعضها علي إلي أبيه بعد عودته من بعض الشعاب، حيث کان يتعبَّد مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:

ـ يا بني: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟

[صفحه 32]

ـ أجاب: يا أبه! آمنت بالله وبرسوله وصلَّيتُ معه.

فقال أبوه: أمَّا إنَّه لا يدعونا الا إلي الخير فالزمه[3] .

فکان علي أول من أسلم، هکذا أثبت سائر أهل العلم، وهذا ماتؤکّده الأحاديث النبوية الشريفة.

ففي کلام أهل العلم: قال اليعقوبي في تاريخه: «کان أول من أسلم: خديجة بنت خويلد من النساء، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال، ثُمَّ زيد بن حارثة، ثُمَّ أبو ذرٍّ، وقيل: أبو بکر قبل أبي ذرٍّ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص، ثُمَّ عتبة بن غزوان، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت، ثُمَّ مصعب بن عمير»[4] .

وممَّن قال بأنَّ علياً أولهم إسلاماً: ابن عبَّاس، وأنس بن مالک، وزيد ابن أرقم. رواه الترمذي ورواه الطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وروي عن محمَّد بن کعب القرظي، وقال بريدة: أولهم اسلاماً خديجة، ثُمَّ عليٌّ عليه السلام وحکي مثله عن أبي ذرٍّ، والمقداد وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، والحسن البصري وغيرهم[5] : أنَّ عليَّاً أول من أسلم بعد خديجة، وفضّله هؤلاء علي غيره[6] .

وعن أنس بن مالک، قال: «بعُث النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين، وأسلم عليٌّ

[صفحه 33]

يوم الثلاثاء»[7] .

وجاء في خبر محمَّد بن المنذر، وربيع بن أبي عبدالرحمن، وأبي حازم المدني والکلبي: أوَّل من أسلم عليٌّ.

قال الکلبي: کان عمره تسع سنين، وکذا قول الحسن بن زيد بن الحسن، وقيل: إحدي عشرة سنة، وقيل غير ذلک[8] .

وقال ابن اسحاق: «أول من أسلم علي وعمره إحدي عشرة سنة»[9] ؟.

ومن قال: «أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين» مجاهد برواية يونس عن ابن اسحاق، عن عبدالله بن أبي نجيح[10] .

وقال عروة: أسلم وهو ابن ثمان، وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة، رواه جرير عنه[11] .

وعن سعد بن أبي وقَّاص، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فوقف عليه وقرَّره بقوله: يا هذا، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب؟ ألم يکن أول من أسلم؟ ألم يکن أول من صلَّي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ ألم يکن أعلم الناس؟...إلي آخره[12] .

[صفحه 34]

قال الشيخ المفيد: «والأخبار في کونه أول من اسلم کثيرة وشواهدها جمَّة، فمن ذلک: قول خُزيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين؛ رحمه الله فيما أخبرني به أبو عبيدالله محمَّد بن عمران المرزباني، عن محمَّد بن العباس، قال: أنشدنا محمَّد بن يزيد النحوي، عن ابن عائشة لخزيمة بن ثابت رضي الله عنه:


ما کنت أحسب هــذا الأمر منصرفاً
عن هاشــم ثُمَّ منها عن أبي حسنِ


أليـس أول مـن صلَّــي لقبلتهــم
وأعرف الناس بالآثار والسننِ»[13] .


أما الأحاديث النبوية الشريفة فإنَّ الواحد منها يکفي هنا لقطع النزاع وردّ أيّ ادعاء في تقديم أحد علي عليّ عليه السلام في إسلامه، والحق أن معظم الذين أدعوا أسبقية أبي بکر لم يقولوا بأنه أسلم قبل علي أو خديجة أو زيد بن حارثة، بل وضعوا تصنيفاً من عند أنفسهم يجعل لأبي بکر أولوية بحسب هذا التصنيف، فقالوا: أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، ومن الرجال أبو بکر[14] ! هذا مع أن أبا ذر ـ علي الأقل ـ کان قد سبق أبا بکر، وکان رابعاً.

ولنقف الآن علي بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي قطعت کل نزاع وردّت کل ادعاء:

فمما ورد عن النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بسند صحيح قوله: «أوَّلکم وروداً عليَّ الحوض، أوَّلکم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب»[15] .

[صفحه 35]

وعن سلمان الفارسي: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أول هذه الأُمَّة وروداً علي نبيِّها أولها اسلاماً عليٌّ بن أبي طالب». رواه الدَبَري عن عبدالرزاق، عن الثوري، عن قيس بن مسلم، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات[16] .

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام، کما رواه أنس: «قد زوَّجتک أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأکثرهم علماً». وروي نحوه جابر الجعفي وغيره[17] .

وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول لعليٍّ عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأکبر، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الکافرين»[18] .

وأخيراً فقد کان علي عليه السلام يصرِّح في کثير من المناسبات بذلک، فيقول عن نفسه: «أنا عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأکبر، لا يقولها بعدي إلا کاذب مفتر، ولقد صلَّيت قبل الناس سبع سنين»[19] .

[صفحه 36]

ويقول عليه السلام: «أنا الصدّيق الأکبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بکر»[20] .

وأمّا أبو بکر، فقد أخرج الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح أنه أسلم بعد خمسين رجلاً، وهذا نصّ روايته: «حدّثنا ابن حُميد، قال حدّثنا کنانة بن جبلة، عن إبراهيم بن طَهمان، عن الحجّاج بن الحجّاج، عن قتادة، عن سالم بن أبي سالم بن أبي الجَعْد، عن محمد بن سعد، قال: قلت لأبي: أکان أبو بکر أوَّلکم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أکثر من خمسين»[21] .



صفحه 31، 32، 33، 34، 35، 36.





  1. المستدرک علي الصحيحين، الحاکم النيسابوري 3: 201، ح4842: 440، دار الکتب العلمية.
  2. تاريخ الطبري 2: 56ـ 57.
  3. انظر الکامل في التاريخ 1: 583.
  4. تاريخ اليعقوبي 2: 23.
  5. انظر شذرات الذهب، ابن طولون: 48ـ 49.
  6. أسد الغابة 4: 103.
  7. أسد الغابة 4: 102، ينابيع المودَّة 2: 68.
  8. انظر تهذيب الکمال في أسماء الرجال 13: 299ـ 300.
  9. الکامل في التاريخ 2: 582.
  10. انظرها في أسد الغابة 4: 101.
  11. سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 227.
  12. مستدرک الحاکم 3: 500، وصحَّحه هو والذهبي، وحياة الصحابة 2: 514ـ 515.
  13. الارشاد 1: 32.
  14. انظر: البداية والنهاية 7: 223.
  15. الاستيعاب،ابن عبدالبرالقرطبي3: 28، مطبوع بهامش الإصابة سنة 1328هـ.ق، دارالمعارف، مصر، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي2: 81، نشر دار الکتاب العربي، بيروت ـ لبنان، المستدرک علي الصحيحين 3: 136 ط سنة 1342هـ الهند وصحَّحه، تهذيب الکمال في أسماء الرجال 13: 299، وعنه: أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه رضي الله عنه 9: 102.
  16. انظر أسد الغابة 4: 103.
  17. سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 230.
  18. إعلام الوري 1: 360.
  19. سنن بن ماجة 1: 44 و120، الخصائص، النسائي: 3، المستدرک علي الصحيحين 3: 112.
  20. ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 1: 62 و 88.
  21. تاريخ الطبري 2: 316.