سبب قتله











سبب قتله[1]



.

وکان سبب قتله أنَّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمکَّة، فتذاکروا أمرالناس وعابوا عمل ولاتهم، ثُمَّ ذکروا أهل النهر فترحَّموا عليهم، وقالوا: مانصنع

[صفحه 220]

بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!

وقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ: أنا أکفيکم عليَّاً، وکان من أهل مصر. وقال البرک بن عبدالله التميمي الصُريمي: أنا أکفيکم معاوية. أمَّا عمرو بن بکر التميمي، فقال: أنا أکفيکم عمرو بن العاص. وتعاهدوا علي ذلک وأخذوا سيوفهم فسمُّوها، واتَّعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد کلٌّ منهم الجهة التي يريد.

فأتي ابن مُلجم الکوفة کاتماً أمره، فبينما هو هناک إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب، فصادف عندهُ قطام بنت الأخضر التيميَّة.. وکان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان،فلمَّا رآها أخذت قلبه فخطبها، فأجابته إلي ذلک علي أن يُصدِقها: ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً، وقتل عليٍّ!!

فقال لها: والله، ما جاء بي الا قتل عليٍّ، فلکِ ما سألتِ!

قالت: سأطلب لک من يشدُّ ظهرک ويساعدک، وبعثت إلي رجلٍ من قومها اسمه: وردان وکلَّمته فأجابها..

وروي أنَّ الإمام عليه السلام سهر في تلک الليلة التي قُتل فيها، وکان يکثر الخروج والنظر إلي السماء، وهو يقول: «والله ما کذبتُ ولا کُذبت، وإنَّها الليلة التي وُعدتُ بها» ثُمَّ يعاود مضجعه، فلمَّا طلع الفجر شدَّ إزاره وخرج وهو يقول:


«أُشدد حيازيمک للموت
فإنَّ المــوت آتيــک


ولا تجـزع من الموت
إذا حـلَّ بواديک»[2] .

[صفحه 221]

وأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب بن بَجَرة ووردان، وجلسوا مقابل السدَّة التي يخرج منها عليٌّ عليه السلام للصلاة.. فضربه ابن ملجم أشقي الآخرين لعنه الله، ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، في المسجد الأعظم بالکوفة، ضربه بالسيف المسموم علي أُمِّ رأسه.

فمکث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها، وليلة الحادي والعشرين الي نحو الثلث من الليل ثُمَّ قضي نحبه شهيداً محتسباً صابراً وقد مُلئ قلبه غيضاً..

بتلک الضربة الشرسة التي ارتجَّ لها المسجد الأعظم، دوي صوت الإمام المظلوم بنداء: «فزت وربِّ الکعبة» لم يتلکَّأ ولم يتلعثم في تلک اللحظات التي امتُحن قلبه، وهو القائل «والله لو کُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» هذا الإمام العظيم الذي طوي صفحات ماضيه القاسية بدمائه الزکية الطاهرة، أدرک في لحظاته الأخيرة أنَّه أنهي خطَّ الجهاد والمحنة، وکان أسعد المخلوقين في هذه اللحظات الأخيرة، حيث سيغادر الکفر والنفاق والغشَّ والتعسُّف.. سيترک الدنيا لمن يطلبها؛ ليلحق بأخيه وابن عمِّه ورفيق دربه في الجهاد في سبيل الله صابراً مظلوماً، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..

اللَّهمَ احشرنا معهم واجعلنا من أتباعهم والمتوسِّمين خطاهم.. آمين.

وقيل: کان عمره يوم استشهد ثلاثاً وستِّين سنةً، وتولَّي غسله وتکفينه ابناه الحسن والحسين بأمره، وحملاه إلي الغريَّين من نجف الکوفة، ودفناه هناک ليلاً، وعمَّيا موضع قبره بوصيته إليهما في ذلک، لما کان يعلم

[صفحه 222]

من دولة بني أُميَّة من بعده، وإنَّهم لا ينتهون عمَّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال، فلم يزل قبره مخفيَّاً حتي دلَّ عليه الصادق عليه السلام في الدولة العبَّاسية، وزاره عند وروده إلي أبي جعفر وهو بالحيرة[3] .

إلي هنا انتهي الکتاب، راجين أن نکون قد وفينا ببعض سيرة أمير المؤمنين وسيد الموحدين وأخي رسول رب العالمين، وصاحبه في المواطن کلها، وحامل رايته في سوح الوغي، وصاحب لوائه يوم الدين، وصهره علي بضعته البتول سيدة نساء العالمين، وأبي ريحانتيه سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين، وخليفته بالحق ومولي المؤمنين من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام.. والوفاء ببعض ذلک ليس بالأمر اليسير.. إنه علي عليه السلام تجفّ الأقلام دون ذکر خصاله ولا تصل إلي منتهاها.. بل الاحاطة بواحدة من مفردات سيرته عليه السلام أو خصائصه تتطلب بحثاً بحجم ما کتبناه عن کل سيرته وتاريخه، ذلک أنها تفتح أمام الباحث آفاقاً رحبة في مجالات العلم والعمل والفکر والتربية والسلوک، بما يتصل بواقع الحياة في جميع مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وعزاؤنا أنّا ذکرناه في هذا الجهد اليسير، راجين أن يکون ذلک لنا ذخراً في اليوم العسير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين



صفحه 220، 221، 222.





  1. أنظر قصَّة قتله عليه السلام في سير أعلام النبلاء 2: 284 وما بعدها، الکامل في التاريخ 3: 254ـ 258، إعلام الوري 1: 389 وما بعدها، إرشاد المفيد 1: 9، وغيرها من کتب التاريخ والتراجم.
  2. إعلام الوري 1: 311.
  3. إعلام الوري 1: 312، إرشاد المفيد 1: 10، وانظر الکامل في التاريخ 3: 258.