مقدمة المحقق











مقدمة المحقق



بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة في إشارة إجمالية إلي شخصية المؤلف و عظمة کتابه کتاب المناقب هذا و قبل کل شيء نعتذر إلي المراجعين و القراء الکرام أنه لم يتيسر لنا الفحص الکافي حول معالي المصنف و مبدء حياته و منتهاه و ما قاساه مما جري عليه أيام حياته و أوان تعلمه و إيابه و ذهابه إلي مشايخه و من أخذ منهم العلم و عدد شيوخه و تلاميذه و ما الفه من الکتب في مواضيع العلوم أن هذا الاثر العظيم و السفر الغالي الثمين يستدرک ما فاتنا من نواحي کثيرة مما قصر عنه باعنا و ضاق مجالنا عن البحث عنه وأري هذا الاثر القيم يجلي شخصية المؤلف ما لا يجليه لسان و لا يحيط به بيان و يجعل مؤلفه أجلي افراد من وصفه أمير المؤمنين عليه السلام في کلامه مع کميل بن زياد رفع الله مقامه و هو قوله عليه السلام: " و العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة و أمثالهم في القلوب موجودة " و أتصور أن کل مثقف طالب للحق و الحقيقة إذا يقف عليه و يعکف علي ما يتضمنه يترنم بقول الباخرزي: يا رب حي ميت ذکره و ميت يحيي بآثاره ليس بميت عند أهل النهي من کان هذا بعض آثاره

[صفحه 6]

و لکن الاسف کل الاسف بقاء هذه الجوهرة اليتيمية في زاوية الانزواء عن المجتمع البشري في طول أحد عشر قرنا و مضي أکثر من ألف و مئاة سنة من تأليفه؟؟ و عجبا لاخواننا من علماء الزيدية کيف غفلوا أو تغافلوا عن نشر أمثال هذه الجواهر المکنونة الباقية من عصر کان باب العلم مفتوحا لکثير من المواضيع الدينية و لما ذا انصرفوا عن إشاعة أمثال هذه الکتب و إقشائها بين الناس و بأي مرر ذهلوا عنه و ترکوا عرصة التبليغ فارغة يتجول المعاندون فيها کما يشاؤن و يفعلون ما يريدون من هضم الحق و إماتته و إحياء الباطل و إنمائه! و لما ذا لم يسدوا به و بأمثاله ميدان بطش دعاة السوء و أعضاد الضالمين و کيف لم يضيقوا به و بأمثاله علي الضلال مجال الکر و الهجوم علي المحقين المستضعفين! و کيف منحوا الفرصة لدعاة المبطلين و محامي الظالمين! فلا استقلوا بمعارضة الطواغيت بنشر هذه الآثار، و لا عاضدوا إخوانهم بجعل ما عندهم من الحقائق بمتناولهم کي بضميمة هذه الحقائق إلي ما عندهم من البراهين و الحجج يکسروا سورة المبطلن و يکشفوا عن عنادهم و يبرهنوا علي انحرافهم کيلا يهلکوا العالمين.

و نحن لم نطلع علي شيء من آثار هذا الرجل العظيم سوي هذا الکتاب و سمعنا ببعض آخر من کتبه کما سنذکره في هذه المقدمة و لکن لم يصل إلينا شيء منها هذا الکتاب و لعل الله أن يمن علينا بالظفر علي بقية آثاره التي تکون علي هذا النمط کي نقوم بواجبنا من التحقيق و النشر بين يدي طلاب الحق و رواد الهداية بعونه و مشيئته تعالي.

[صفحه 7]

ثم إن کتاب المناقب هذا من أفخم ما صنف في إثبات معالي الصادقين و إيراد مزايا الصديقين و هو مع نقصه في مواضع منه کما نشير اليه في مظانها - هو الغالي الذي ما وجدنا مثله و لا يسع لمثمن أن يثمنه.

و من خواص هذا الکتاب أن أکثر مواضيعه مما اشترک في روايته الشيعة و السنة و کثير من مواضيعه إما متواتر عند المسلمين أو رووه بنحو الاستفاضة و أکثر رواة مواضيعه من رواة صحاح أهل السنة کما نبهنا علي ذلک في کثير من تعليقاتنا عليه و في کثير من المواضيع علقنا عليه و ذکرنا حرفيا ما رواه أهل السنة في صحاحهم و کتبهم الموثوقة.

و لکن مع تفرد الکتاب بمزايا لا توجد في غيره - مما صنف في نفس المواضيع التي يتضمنه هذا الکتاب - و مع ذلک يشتمل علي بعض النقائص منها عدم تناسق أبوابه و فصوله بحسب کمية المحتوي فتري أنه يذکر في باب حديثا أو حديثان بينما يذکر فيما قبله أو ما بعده عدة أحاديث مع إمکان تداخل البابين و جعلهما بابا واحدا.

و منها اختلاط مواضيع أبوابه و عدم ترتيبها و تنظيمها کما ينبغي و لهذا کثيرا ما کنت أ نوي أن أرتب مواضيع الکتاب و أنشره بإسم " تنضيد المواهب في مناقب الامام علي بن أبي طالب و أهل بيته الاطائب " و لکن صرفني عن ذلک عدم نشر أصل الکتاب بين العالم و خمود صيته بين أولاد آدم و من أجل هذا خفت أن يجد الضلال و أعداء الانسانية سبيلا إلي النقاش في أصل الکتاب أو في مواضيعه و محتوياته و لهذا بادرت إلي نشر أصل الکتاب و ادرجت أرقام

[صفحه 8]

صحائف مخطوطتي في منشوري هذا حتي إذا عرض لاحد ريب و تردد في أصل الکتاب أو في تحفظنا علي الامانة أن يراجعوا مخطوطة الکتاب و هي محفوظة في إيطاليا.

و بعد ما فرغنا من نشر أصل الکتاب سننشر بحول الله و قوته ترتيبه بإسم " تنضيد المواهب " بعون الله تعالي.

فعلي المهتمين بإرشاد العالمين و هداية الجهال و الغافلين أن يجعلوا مواضيعه بنيانا مرصوصا يرکزوا المسلمين عليه و يرشدوا الطالبين إليه کي يفئ إليهم مجد الاسلام و يتمتعوا بعزة الوحدة و الوئام و يتخلصوا من جهنم الاختلاف إلي جنة الوفاق السلام و قلما يوجد تراث يتکفل هذا الهدف الخطير و لا ينبؤک مثل خبير.

و إني أنا شد الله إخواننا الزيدية و کل من عنده نسخة کاملة من هذا الکتاب أو له خبرة بمظان و أماکن وجود هذا الکتاب أن يساعدنا بإهداء الکتاب إلينا أو بالمساهمة علي تحصيله أو الدلالة علي أماکن

[صفحه 9]

وجوده فإنه من أکمل أنحاء التعاون علي البر و التقوي الذي أمر الله تعالي به في کتابه و لا يبخل فإن الباخل إنما يبخل علي نفسه و الله غني عن العالمين.

هذا ما کان يهمني أن اذکره في هذه المقدمة و بما أن و سائل البحث الکافي حول المصنف و مشايخه و تلاميذه و تاليفاته موفرة لدي في الحال الحاضر و لا نأمن الحدثان إن أجلنا نشر الکتاب فنکتفي في هذه الطبعة بما ذکرناه أنه نذيل ما مر بما أفاده بعض علماء الزيدية في ترجمة المصنف[1] لما فيه من الفوائد الجمة فنقول:

[صفحه 10]

قال ابن أبي الرجال في ترجمة المؤلف في حرف الميم من کتاب مطلع البدور ج 3 / الورق / 303 /[2] : علامة العلماء و سيدهم الفاضل المحدث الجامع للکمالات الربانية محمد بن سليمان رحمه الله هو العلامة حافظ الاسلام صاحب الهادي إلي الحق عليه السلام[3] و نسبه في أسد بن خزيمة.

[صفحه 11]

تولي القضاء للهادي عليه السلام و لولده الناصر[4] - و هو علي بن سليمان الکوفي[5] قاضي الهادي عليه السلام فهما رجلان شهيران.

و محمد [بن سليمان هذا] هو صاحب کتاب المنتخب الذي سأل عنه الهادي إلي الحق عليه السلام و صاحب کتاب القبول[6] و له کتب [أخر] صنفها في الدين: منها کتاب البراهين في معجزات النبي صلي الله عليه و آله و سلم و في إثباته.[7] .

[صفحه 12]

و [منها] کتاب المناقب في فضائل أمير المؤمنين کرم الله وجهه و شواهد إمامته و کرم منشئه و حظه من الله و من رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و شريف صحبته و خلافته و صدق وصيته بالاسانيد الخمسة المعروفة المشهود بفضل رواتها في علماء الحديث و فقهاء العراقين و الحجاز و مصر و الشام و اليمن و غيرها من البلدان و فيها الشهادة بفضله [و] علمه في الفقة و أصول الملة و بعلمه [ب] أخبارها و بعلمه بطرق الاستدلالات علي الحق فيما اختلف فيه الناس من أمور الدين و فضل همته و رفعة طبقته.

قال الشيخ أبو عمر - و هذه ألفاظه -: و کذالک ما رأيت من کتبه التي کانت في ملکه و عليها اسمه و ما بخطه الدال علي أن کاتبها واحد الشأن فيها نحو کتاب فضائل أهل البيت عليهم السلام من علي و فاطمة و الحسن و الحسين [عليهم السلام].

و خبر مقتل الحسين عليه السلام بأصح الروايات و ما ينبغي أن يورد عنه شيء من ذلک رواية ابي عبد الله محمد بن زکريا بن دينار البصري رحمه الله[8] و بروايته أيضا کتاب صفين و کتاب الحکمين و کتاب النهروان و ما له من الاصول الخبرية الجيدة التي يفتقر إليها.

[صفحه 13]

و ذلک کله مع اختياره لنفسه الهجرة من العراق إلي الهادي عليه السلام و اختياره له عليه السلام لولاية القضاء [بين] المسلمين في بلدته و بحضرته و اختيار ولديه [إياه] لذلک کذلک.

و مع ما في اختياره مما يدل علي [فضله] أنه من تلامذه الشيخ الفاضل العبد الصالح محمد بن منصور المرادي رحمه الله صاحب القاسم عليه السلام[9] و واحد الزيدية بالکوفة و عالم العلماء في عصره و مصره انتهي [کلام الشيخ أبي عمر].

[ثم قال ابن ابي الرجال:] قلت: و کان محمد بن سليمان رحمه الله خرج مع علي بن زيد الزيدي رحمه الله بالکوفة و ذلک إنه عليه السلام دعا [الناس إليه] فلم يجتمع لدعوته الناس بعد يحي بن عمر عليهما السلام[10] فوجه إليه العباسي الشاة بن ميکائيل في عسکر ضخم و ذلک قبل خروج علوي البصرة[11] .

[صفحه 14]

قال محمد بن سليمان رحمه الله[12] : کنا معه عليه السلام نحو مائتي فارس نازلين ناحية من سواد الکوفة و قد بلغنا خبر الشاة بن ميکائيل فقال لنا علي بن زيد: إن القوم لا يريدون غيري فاذهبوا أو أنتم في حل من بيعتي.

فقلنا: لا و الله لا نفعل هذا ابدا فأقمنا معه و وافاه الشاة بن ميکائيل في جيش عظيم لا يطاق [و] قد أحلنا من الرعب أمر عظيم فلما رأي ما لحقنا قال لنا أثبتوا و انظروا ما اصنع.

فوقفنا و نضا سيفه و قنع فرسه و حمل في وسطهم يضربهم يمينا و شمالا و افرجوا له حتي صار خلفهم و علا علي تلعة و لوح بسيفه إلينا ثم حمل من خلفهم فأفرجوا له حتي عاد إلي موقفه ثم قال [لنا]: لا تجزعوا عن مثل هؤلاء.

ثم حمل ثانية ففعل مثل ذلک ثم عاد إلينا و حمل الثالثة فحملنا معه فهزمناهم اقبح هزيمة و تنفلنا منهم ما شئنا.[13] .

[صفحه 17]


صفحه 6، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13، 14، 17.








  1. و إن کان من ألف مثل هذا الاثر القيم في عصر سلطة الطغاة و أعداء أهل البيت سلام الله عليهم لا يحتاج إلي ترجمة تشرح حاله إذ هذا الاثر العظيم أحسن ترجمة لشرح حال مؤلفه.
  2. و أيضا ذکره ابن أبي الرجال و عقد له ترجمة مختصرة في حرف العين من کتابه مطلع البدور: ج 3 ص 95.

    و أيضا ذکره ابن أبي الرجال في حرف الميم في ترجمة تلميذه محمد بن الفتح من کتاب مطلع البدور: ج 4 ص 324 من المخطوطة.

    و لم أقف علي تاريخ ولادة المصنف أن اختيار الهادي له للقضاء - و کان قيام الهادي عليه السلام بالدعوة سنة " 280 " يعطي أنه من مواليد سنة: " 240 " و ما قاربها حيث إن العادة کانت جارية باختيار الکهول لمنصب القضاوة.

    و أيضا لم يتضح لي تاريخ وفاته أن تصريحه في آخر هذا الکتاب القيم بأنه فرغ من تأليفه سنة: " 300 " و قضاوته في أيام الناصر و هو أحمد بن الهادي إلي الحق حيث قام بالامر بعد أبيه يفيد أن وفاته بعد سنة " 320 ".

  3. أما الهادي إلي الحق فهو السيد الاجل يحيي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الامام الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام المتوفي سنة: " 298 ".

    و أمه أم الحسن بنت الحسن بن محمد بن إسماعيل بن داوود بن الحسن بن الامام الحسن بن الامام علي بن أبي طالب عليه لسلام.

    قام بالدعوة في ارض اليمن في سنة ثمانين و مائتين في أيام المعتضد العباسي و طرد الجنود العباسية من ارض اليمن و ظهر سلطانه عليها کما ذکره السيد عبد الله بن حمزة بن سليمان الزيدي في أواخر المجلد الاول من کتاب الشافي ص 303 ط بيروت.

  4. و هو أحمد بن الهادي إلي الحق قام بأمر الدعوة في أرض اليمن في أيام المطيع العباسي الذي بويع له سنة: " 334 " و کان للهادي هذا في ارض اليمن نطحات مع القرامطة کانت له الغلبة عليهم في جميعها کما في أواخر کتاب الشافي المتقدم الذکر ص 320 ط 1.
  5. له ترجمة موجزة في حرف العين من کتاب مطلع ابدور: ج 3 ص 95.

    و له ايضا ذکر في أيام المستعين سنة: " 248 " من کتاب الشافي: ج 1، ص 285.

  6. و هذا الکتاب ذکره ايضا الدکتور رمضان تحت الرقم: (261) من کتابه نوادر المخطوطات العربية: ج 1، ص 224.
  7. و هذا الکتاب أيضا ذکره مع إيضاحات في ج 2 ص 302.
  8. و له أيضا کتاب سيرة الهادي إلي الحق السيد يحيي بن الحسين بن القاسم المتوفي سنة: " 298 " و توجد لها نسخة کتبت سنة: " 806 " في 94 ورقة و أولها: الحمد لله الذي هدي الاوهام إلي معرفته بواضحات الدلائل.

    و الکتاب موجود برقم: " 2469 " في القسم العربي في مکتبة علي أميري من ترکيا کما في کتاب نوادر المخطوطات العربية في ترکيا: ج 1، ص 224 نقلا عن مجلة التاريخ 23: 157 - 158، سزکين: 1: 347.

  9. و هو القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الديباج.

    و أما محمد بن منصور المرادي فله ترجمة حسنة في حرف الميم من کتاب مطلع البدور: ج 3 ص 337.

    و قد تکرر ذکره و مواقفه الکريمة في سنة " 220 " و ما حولها في أيام المأمون العباسي المذکورة في أواسط الجزء الاول من کتاب الشافي: ج 1، ص 263 - 264.

  10. أما علي الزيدي فهو علي بن زيد بن الحسين بن عيسي بن زيد بن الامام زين العابدين عليهم السلام ثار في وجوه الطغاة في أيام المهتدي العباسي سنة: " 255 " کما في أواسط کتاب الشافي: ج 1، ص 295.

    و أما يحيي بن عمر فهو يحي بن عمر بن يحي بن الحسين بن زيد بن الامام زين العابدين عليهم السلام.

    خرج في أيام المستعين العباسي عام " 248 " و بايعه أهل الکوفة فجاهد في الله الظالمين و المتأمرين علي الناس بالزور و البهتان إلي أن استشهد مظلوما مضطهدا.

    له ذکر حسن و معالي في أواسط المجلد الاول من کتاب الشافي ص 284 ط 1.

  11. الظاهر أنه هو علي بن محمد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام صال في وجوه المستکبرين في أيام المهتدي العباسي في سنة: " 250 " أو ما حولها کما في أواسط المجلد الاول من کتاب الشافي ص 296.
  12. کذا في أصلي من کتاب مطلع البدور، و في سيرة علي بن زيد المذکورة في أيام المهتدي من کتاب الشافي: ج 1، ص 295: " حکي محمد بن سليمان الکوفي قال: قال لي ابي: کنا مع علي بن زيد و نحن زهاء مائتي فارس.
  13. و أيضا للمؤلف ترجمة مختصرة في کتاب مصادر الکفر العربي ص 83.

    و ليلاحظ کتاب معجم المؤلفين: ج 10 ص 84 و بروکلمن: ج 1، ص 209.

    و ليعلم أنه يوجد من تأليفات المصنف - أعني محمد بن سليمان الکوفي - کتاب سيرة الهادي إلي الحق يحيي بن الحسين بن القاسم المتوفي سنة 298 و قد کتبت سنة (806) في 94 ورق و أولها: الحمد لله الذي هدي الاوهام إلي معرفته بواضحات الدالائل.

    و هو موجود في [مکتبة] علي أميري القمس العربي رقم 2469 کما في کتاب نوادر المخطوطات العربية في ترکيا: ج 1، ص 224 نقلا عن مجلة التاريخ 23: 157 - 158، سزکين: 1: 347.