جهاده و شجاعته
کذبتم و بيت الله لا تقتلوننا بسيف ابن عبد الله احمد في الوغي علي الذي في الفخر طال بناؤه و کان يمدحه المشرکون علي قتله عظيما منهم و يجعلون ذلک فخرا لعلي و مع ذلک فمآل هذا الي الافتخار بأنه قاتله قال مسافع الجمحي في رثاء عمرو و قتل علي اياه من ابيات: فاذهب علي فما ظفرت بمثله و قال هبيرة بن ابي وهب يرثي عمرا و يذکر قتل علي اياه من ابيات: فعنک علي لا اري مثل موقف فما ظفرت کفاک فخرا بمثله و افتخر به سعيد بن العاص فقال: اما انه ما کان يسرني ان يکون قاتل ابي غير ابن عمه علي بن ابي طالب الي غير ذلک. و کان ينيمه ابوه و هو صبي ايام حصار الشعب في مرقد رسول الله «ص» فينام فيه مواجها للخطر طيبة بذلک نفسه. و ظهرت شجاعته الفائقة في مبيته علي الفراش ليلة الغار موطنا نفسه علي الاخطار غير هياب و لا حزين و النفر من قريش محيطون بالدار ليفتکوا بمن في الفراش و ظهرت شجاعته البالغة لما سار بالفواطم بعد الهجرة جهارا من مکة و ليس معه الا ابن ام ايمن و ابو واقد الليثي و هما لا يغنيان شيئا فلحقه ثمانية فرسان من قريش امامهم جناح مولي حرب بن امية فاهوي اليه حناح بالسيف و هو فارس و علي راجل فحاد علي عن ضربته و ضربه لما انحني علي کتفه فقطعه نصفين حتي وصلت الضربة الي قربوس فرسه و انهزم الباقون. و في يوم بدر قتل الوليد بن عتبة و شرک في قتل عتبة و قتل جماعة من صناديد المشرکين حتي روي انه قتل نصف المقتولين او أزيد من النصف بواحد و قتل باقي المسلمين مع الملائکة المسومين النصف الثاني. و في يوم احد قتل اصحاب اللواء جميعهم علي اصح الروايات و هم سبعة او تسعة و انهزم بقتلهم المشرکون و لو لا مخالفة الرماة امر رسول الله «ص» لتم النصر للمسلمين و جميع من قتل يوم احد من المشرکين ثمانية و عشرون قتل علي منهم ثمانية عشر. ثم لما انهزم المسلمون الا قليلا منهم ثبت مع النبي «ص» فحامي عنه و کلما اقبل اليه قوم ندبه النبي اليهم فيفرقهم و يقتل فيهم حتي عجب منه جبرئيل و قال يا رسول الله ان هذه للمواساة و نادي (لا سيف الا ذو الفقار و لا فتي الا علي). و في وقعة الخندق لما اقحم عمرو بن عبد ود و جماعة معه خيلهم و عبروا الخندق جاء علي و معه نفر حتي اخذ عليهم الثغرة التي اقحموا خيلهم منها و لم يجسر علي ذلک احد غيره و لما طلب عمرو المبارزة جبن المسلمون کلهم و سکتوا کأنما علي رؤوسهم الطير فجعل عمرو يؤنبهم و يوبخهم و النبي يقول من لعمرو و من ضمنت له علي الله الجنة فلم يقم اليه احد الا علي فقال انا له يا رسول الله و النبي «ص» يقول له اقعد فانه عمرو حتي فعل ذلک ثلاثا فقال له في الثالثة و ان کان عمرا فقتله و انهزم من معه فلحقهم علي و قتل بعضهم و انکسرت بذلک شوکة المشرکين و رد الله الذين کفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا و کفي الله المؤمنين القتال بعلي. و في يوم خيبر کان علي ارمد لا يبصر سهلا و لا جبلا فلذلک بعث النبي «ص» اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين احدهما يجبن اصحابه و يجبنونه و الآخر يؤنب اصحابه و يؤنبونه فقال النبي «ص» لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله کرارا غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله عليه فدعا بعلي فتفل في عينيه فبرئا و اعطاه الراية فلقيه مرحب و علي رأسه مغفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة فضربه علي فقد الحجر و المغفر و رأسه حتي وقع السيف في اضراسه و سمع اهل العسکر صوت تلک الضربة و اقتلع باب الحصن و جعله جسرا علي الخندق و کان يغلقه عشرون رجلا فلما انصرفوا من الحصن دحا به اذرعا و اجتمع عليه سبعون رجلا حتي اعادوه و تترس بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر فأي شجاع في الکون يصل الي هذه الشجاعة. و في غزوة حنين ثبت مع النبي «ص» و قد هرب عنه الناس غير عشرة تسعة منهم من بني هاشم هو احدهم و فيهم العباس و ابنه و قتل علي ابا حرول و اربعين من المشرکين غيره و انهزم المشرکون بقتله و قتلهم و رجع المسلمون من هزيمتهم بثباته و ثبات من معه الذين انما ثبتوا بثباته لانه لم يؤثر عنهم شجاعة کما اثر عنه. و في جميع الوقائع و الغزوات کان له المقام الاسمي في الشجاعة و الثبات. و في يوم الجمل و صفين و النهروان باشر الحرب بنفسه و قتل صناديد الابطال و جدل ابطال الرجال. و في يوم الجمل ثبت الفريقان و اشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض کانها احلم القصب و لو شاءت الرجال ان تمشي عليها لمشت و کان يسمع لوقع السيوف اصوات کاصوات القصارين، و لما اشتد القتال زحف نحو الجمل بنفسه في کتيبته الخضراء من المهاجرين و الانصار و حوله بنوه ثم حمل فغاص في عسکر الجمل حتي طعن العسکر ثم رجع و قد انحني سيفه فأقامه برکبته فقال له اصحابه و بنوه نحن نکفيک فلم يجبهم و لا رد اليهم بصره و ظل ينحط و يزأر زئير الاسد ثم حمل ثانية وحده فدخل وسطهم و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة حتي خضب الارض بدماء القتلي ثم رجع و قد انحني سيفه فأقامه برکبته ثم قال لابنه محمد بن الحنفية هکذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا امير المؤمنين. و من مواقفه بصفين ما کان يوم الهرير قال بعض الرواة فو الله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السموات و الارض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي، انه قتل في ما ذکر العادون زيادة علي خمسمائة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة الي الله و اليکم من هذا فکنا نأخذه و نقومه ثم يتناوله من ايدينا فيقتحم به في عرض الصف. فلا و الله ما ليث أشد نکاية منه بعدوه.
و اذا نظرنا الي شجاعته و قد ضربت بها الامثال وجدناه قد باشر الحرب و عمره عشرون سنة او فوقها بقليل و قد انسي ذکر من کان قبله و محا اسم من يأتي بعده و وجدنا تفوقه فيها علي جميع الخلق ملحقا بالضروريات يقبح بالانسان اطالة الکلام فيه و اکثار الشواهد عليه و مقاماته في الحرب تضرب بها الامثال الي يوم القيامة. و کفي في ذلک انه ما فر في موطن قط و لا ارتاع من کتيبة و لا بارز احدا الا قتله و لا ضرب ضربة قط فاحتاجت الي ثانية و کانت ضرباته وترا اذا علا قد و اذا اعترض قط و لا دعي الي مبارزة فنکل و هذا کله من الامور العجيبة التي لم تتفق لغير علي بن ابي طالب و يمکن ان توصف الشجاعة باکثر من ذلک. و کان يقول ما بارزت احدا الا کنت انا و نفسه عليه و کانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في الحرب. و يفتخر المفتخرون و رهطهم بانه قاتلهم افتخر بذلک حيي بن اخطب سيد بني النضير فقال قتلة شريف بيد شريف. و افتخرت به اخت عمرو بن عبد ود في شعرها الذي رثت به اخاها. و لما افتخر حسان بقتل عمرو ابن عبد ود في شعر له رد عليه فتي من بني عامر فقال من ابيات:
و لکن بسيف الهاشميين فافخروا
بکف علي نلتم ذاک فاقصروا
فلا تکثروا الدعوي علينا فتحقروا
فخرا فلا لاقيت مثل المعضل
وقفت علي نجد المقدم کالفجل
امنت به ما عشت من زلة النعل