جهاده و شجاعته











جهاده و شجاعته



و اذا نظرنا الي شجاعته و قد ضربت بها الامثال وجدناه قد باشر الحرب و عمره عشرون سنة او فوقها بقليل و قد انسي ذکر من کان قبله و محا اسم من يأتي بعده و وجدنا تفوقه فيها علي جميع الخلق ملحقا بالضروريات يقبح بالانسان اطالة الکلام فيه و اکثار الشواهد عليه و مقاماته في الحرب تضرب بها الامثال الي يوم القيامة. و کفي في ذلک انه ما فر في موطن قط و لا ارتاع من کتيبة و لا بارز احدا الا قتله و لا ضرب ضربة قط فاحتاجت الي ثانية و کانت ضرباته وترا اذا علا قد و اذا اعترض قط و لا دعي الي مبارزة فنکل و هذا کله من الامور العجيبة التي لم تتفق لغير علي بن ابي طالب و يمکن ان توصف الشجاعة باکثر من ذلک. و کان يقول ما بارزت احدا الا کنت انا و نفسه عليه و کانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في الحرب. و يفتخر المفتخرون و رهطهم بانه قاتلهم افتخر بذلک حيي بن اخطب سيد بني النضير فقال قتلة شريف بيد شريف. و افتخرت به اخت عمرو بن عبد ود في شعرها الذي رثت به اخاها. و لما افتخر حسان بقتل عمرو ابن عبد ود في شعر له رد عليه فتي من بني عامر فقال من ابيات:


کذبتم و بيت الله لا تقتلوننا
و لکن بسيف الهاشميين فافخروا


بسيف ابن عبد الله احمد في الوغي
بکف علي نلتم ذاک فاقصروا


علي الذي في الفخر طال بناؤه
فلا تکثروا الدعوي علينا فتحقروا


و کان يمدحه المشرکون علي قتله عظيما منهم و يجعلون ذلک فخرا لعلي و مع ذلک فمآل هذا الي الافتخار بأنه قاتله قال مسافع الجمحي في رثاء عمرو و قتل علي اياه من ابيات:


فاذهب علي فما ظفرت بمثله
فخرا فلا لاقيت مثل المعضل


و قال هبيرة بن ابي وهب يرثي عمرا و يذکر قتل علي اياه من ابيات:


فعنک علي لا اري مثل موقف
وقفت علي نجد المقدم کالفجل


فما ظفرت کفاک فخرا بمثله
امنت به ما عشت من زلة النعل


و افتخر به سعيد بن العاص فقال: اما انه ما کان يسرني ان يکون قاتل ابي غير ابن عمه علي بن ابي طالب الي غير ذلک. و کان ينيمه ابوه و هو صبي ايام حصار الشعب في مرقد رسول الله «ص» فينام فيه مواجها للخطر طيبة بذلک نفسه. و ظهرت شجاعته الفائقة في مبيته علي الفراش ليلة الغار موطنا نفسه علي الاخطار غير هياب و لا حزين و النفر من قريش محيطون بالدار ليفتکوا بمن في الفراش و ظهرت شجاعته البالغة لما سار بالفواطم بعد الهجرة جهارا من مکة و ليس معه الا ابن ام ايمن و ابو واقد الليثي و هما لا يغنيان شيئا فلحقه ثمانية فرسان من قريش امامهم جناح مولي حرب بن امية فاهوي اليه حناح بالسيف و هو فارس و علي راجل فحاد علي عن ضربته و ضربه لما انحني علي کتفه فقطعه نصفين حتي وصلت الضربة الي قربوس فرسه و انهزم الباقون.

و في يوم بدر قتل الوليد بن عتبة و شرک في قتل عتبة و قتل جماعة من صناديد المشرکين حتي روي انه قتل نصف المقتولين او أزيد من النصف بواحد و قتل باقي المسلمين مع الملائکة المسومين النصف الثاني.

و في يوم احد قتل اصحاب اللواء جميعهم علي اصح الروايات و هم سبعة او تسعة و انهزم بقتلهم المشرکون و لو لا مخالفة الرماة امر رسول الله «ص» لتم النصر للمسلمين و جميع من قتل يوم احد من المشرکين ثمانية و عشرون قتل علي منهم ثمانية عشر. ثم لما انهزم المسلمون الا قليلا منهم ثبت مع النبي «ص» فحامي عنه و کلما اقبل اليه قوم ندبه النبي اليهم فيفرقهم و يقتل فيهم حتي عجب منه جبرئيل و قال يا رسول الله ان هذه للمواساة و نادي (لا سيف الا ذو الفقار و لا فتي الا علي).

و في وقعة الخندق لما اقحم عمرو بن عبد ود و جماعة معه خيلهم و عبروا الخندق جاء علي و معه نفر حتي اخذ عليهم الثغرة التي اقحموا خيلهم منها و لم يجسر علي ذلک احد غيره و لما طلب عمرو المبارزة جبن المسلمون کلهم و سکتوا کأنما علي رؤوسهم الطير فجعل عمرو يؤنبهم و يوبخهم و النبي يقول من لعمرو و من ضمنت له علي الله الجنة فلم يقم اليه احد الا علي فقال انا له يا رسول الله و النبي «ص» يقول له اقعد فانه عمرو حتي فعل ذلک ثلاثا فقال له في الثالثة و ان کان عمرا فقتله و انهزم من معه فلحقهم علي و قتل بعضهم و انکسرت بذلک شوکة المشرکين و رد الله الذين کفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا و کفي الله المؤمنين القتال بعلي.

و في يوم خيبر کان علي ارمد لا يبصر سهلا و لا جبلا فلذلک بعث النبي «ص» اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين احدهما يجبن اصحابه و يجبنونه و الآخر يؤنب اصحابه و يؤنبونه فقال النبي «ص» لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله کرارا غير فرار لا يرجع حتي يفتح الله عليه فدعا بعلي فتفل في عينيه فبرئا و اعطاه الراية فلقيه مرحب و علي رأسه مغفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة فضربه علي فقد الحجر و المغفر و رأسه حتي وقع السيف في اضراسه و سمع اهل العسکر صوت تلک الضربة و اقتلع باب الحصن و جعله جسرا علي الخندق و کان يغلقه عشرون رجلا فلما انصرفوا من الحصن دحا به اذرعا و اجتمع عليه سبعون رجلا حتي اعادوه و تترس بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر فأي شجاع في الکون يصل الي هذه الشجاعة.

و في غزوة حنين ثبت مع النبي «ص» و قد هرب عنه الناس غير عشرة تسعة منهم من بني هاشم هو احدهم و فيهم العباس و ابنه و قتل علي ابا حرول و اربعين من المشرکين غيره و انهزم المشرکون بقتله و قتلهم و رجع المسلمون من هزيمتهم بثباته و ثبات من معه الذين انما ثبتوا بثباته لانه لم يؤثر عنهم شجاعة کما اثر عنه. و في جميع الوقائع و الغزوات کان له المقام الاسمي في الشجاعة و الثبات.

و في يوم الجمل و صفين و النهروان باشر الحرب بنفسه و قتل صناديد الابطال و جدل ابطال الرجال.

و في يوم الجمل ثبت الفريقان و اشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض کانها احلم القصب و لو شاءت الرجال ان تمشي عليها لمشت و کان يسمع لوقع السيوف اصوات کاصوات القصارين، و لما اشتد القتال زحف نحو الجمل بنفسه في کتيبته الخضراء من المهاجرين و الانصار و حوله بنوه ثم حمل فغاص في عسکر الجمل حتي طعن العسکر ثم رجع و قد انحني سيفه فأقامه برکبته فقال له اصحابه و بنوه نحن نکفيک فلم يجبهم و لا رد اليهم بصره و ظل ينحط و يزأر زئير الاسد ثم حمل ثانية وحده فدخل وسطهم و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة حتي خضب الارض بدماء القتلي ثم رجع و قد انحني سيفه فأقامه برکبته ثم قال لابنه محمد بن الحنفية هکذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا امير المؤمنين.

و من مواقفه بصفين ما کان يوم الهرير قال بعض الرواة فو الله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السموات و الارض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي، انه قتل في ما ذکر العادون زيادة علي خمسمائة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة الي الله و اليکم من هذا فکنا نأخذه و نقومه ثم يتناوله من ايدينا فيقتحم به في عرض الصف. فلا و الله ما ليث أشد نکاية منه بعدوه.