علمه و حكمته











علمه و حکمته



فان نظرنا الي علمه وجدناه العالم الرباني الذي يقول علي ملأ من الناس (سلوني قبل ان تفقدوني) و من ذا الذي يجرؤ من الناس ان يقول هذا الکلام فوق المنبر علي حشد من الوف الخلق و ما يؤمنه ان يسأله سائل عن مسألة لا يکون عنده جوابها فيخجله فيها. لا يجرأ علي هذا القول الا من يکون واثقا من نفسه بان عنده جواب کل ما يسأل عنه. و هل تنحصر المسألة في علم من العلوم او ناحية من النواحي حتي يجرؤ احد علي هذا القول لا يکون مؤيدا بتأييد الهي و واثقا من نفسه کل الوثوق بانه لا يغيب عنه جواب مسألة مهما دقت و اشکلت ان هذا المقام يقصر العقل عن الاحاطة به و يسأل و هو علي المنبر عن مسافة ما بين المشرق و المغرب فيجب بانه مسيرة يوم للشمس. و هو جواب اقناعي احسن ما يجاب به في مثل المقام. و يسأل عما بين الحق و الباطل فيقول مسافة اربع اصابع. الحق ان تقول رأيت بعيني و الباطل ان تقول سمعت باذني. و يسأل عن رجلين مع احدهما خمسة ارغفة و مع الآخر ثلاثة فجلس معهما ثالث و اکلوا الارغفة الثمانية و طرح اليهما الثالث ثمانية دراهم فيحکم بان لصاحب الثلاثة درهم واحد و لصاحب الخمسة سبعة دراهم لان الارغفة الثمانية اربعة و عشرون ثلثا لصاحب الثلاثة منها تسعة اثلاث اکل منها ثمانية و اکل الضيف واحدا و لصاحب الخمسة منها خمسة عشر ثلثا اکل منها ثمانية و اکل الضيف سبعة. فهذه المسألة لو اجاب عنها امهر رجل في الحساب بعد طول الفکرة و الروية و اصاب فيها لکان له الفخر. و يؤتي عمر بامرأة ولدت لستة اشهر فيهم برجمها فيقول له علي ان خاصمتک بکتاب الله خصمتک ان الله تعالي يقول (و حمله و فصاله ثلاثون شهرا) و يقول «و الوالدات يرضعن اولادهن حولين کاملين» فاذا کانت مدة الرضاع حولين کاملين و الحمل و الفصال ثلاثون شهرا کانت مدة الحمل فيها ستة اشهر فثبت الحکم بذلک و عمل به الصحابة و التابعون و من اخذ عنهم الي يومنا هذا. و يؤتي عمر بمجنونة زنت فيأمر بجلدها فيقول له ان النبي قد رفع القلم عن المجنون حتي يفيق فيقول فرج الله عنک لقد کدت اهلک في جلدها. و يؤتي عمر بحامل قد زنت فيأمر برجمها فيقول له هب ان لک سبيلا عليها اي سبيل لک علي ما في بطنها. احتط عليها تلد فاذا ولدت و وجدت لولدها من يکفله فاقم عليها الحد فيقول عمر لا عشت لمعضلة لا يکون لها ابو الحسن. و يجي ءابو الاسود الدئلي فيخبره بانه سمع من يلحن في القرآن فيضع له اصول علم النحو في کلمات معروفة و يقول له انح هذا النحو فيزيد عليها ابو الاسود و تضبط لغة العرب بعلم النحو الي اليوم.