ايمانه و عبادته











ايمانه و عبادته



إن عليا عليه السلام قد کان بلغ في العبادة غايتها، و لا يستطيع أحد أن يبلغ إلي حد من حدود عبادته التي لا توصف إلا السابق إلي کل خير سيد البشر رسول الله صلي الله عليه و آله.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في عبادته عليه السلام: فکان علي عليه السلام أعبد الناس، و أکثرهم صلاة و صوما، و منه تعلم الناس صلاة الليل، و ملازمة الأوراد، و قيام النافلة، و ما ظنک برجل يبلغ من محافظته علي ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده، و السهام تقع بين يديه، و تمر علي صماخيه يمينا و شمالا، فلا يرتاع لذلک، و لا يقوم حتي يفرغ من وظيفته! و ما ظنک برجل کانت جبهته کثفنة[1] البعير لطول سجوده.

و أنت إذا تأملت دعواته و مناجاته، و وفقت علي ما فيها من تعظيم الله سبحانه و إجلاله، و ما يتضمنه من الخضوع لهيبته، و الخشوع لعزته، و الاستخذاء[2] له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، و فهمت من أي قلب خرجت و علي أي لسان جرت.

و قيل لعلي بن الحسين عليه السلام ـ و کان الغاية في العبادةـ: أين عبادتک من عبادة جدک؟قال: «عبادتي عند عبادة جدي، کعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلي الله عليه و آله».[3] .









  1. الثفنة: ما يمس الأرض من البعير بعد البروک، و يکون فيه غلظ من ملاطمة الأرض، و کذلک کان في جبينه عليه السلام من کثرة السجود.
  2. الاستخذاء: الخضوع و التذلل.
  3. شرح النهج لابن أبي الحديد، ج 1، ص. 27.