سبب قتل أمير المؤمنين











سبب قتل أمير المؤمنين



قال الطبري في تاريخه و ابن الاثير في الکامل: کان سبب قتله عليه السلام ان عبد الرحمن ابن ملجم المرادي و البرک بن عبد الله التميمي الصريمي و اسمه الحجاج و عمرو بن ابي بکر التميمي السعدي و هم من الخوارج اجتمعوا فتذاکروا امر الناس و عابوا الولاة ثم ذکروا أهل النهر فترحموا عليهم و قالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا انفسنا لله و قتلنا ائمة الضلال و ارحنا منهم البلاد فقال ابن ملجم انا اکفيکم عليا و قال البرک بن عبد الله انا اکفيکم معوية و قال عمرو بن بکر انا اکفيکم عمرو بن العاص فتعاهدوا ان لا ينکص احدهم عن صاحبه الذي توجه اليه حتي يقتله أو يموت دونه و اخذوا سيوفهم فسموها و اتعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من رمضان فاتي ابن ملجم الکوفة فلقي اصحابه بها و کتمهم امره و رأي يوما اصحابا له من تيم الرباب و معهم امرأة منهم اسمها قطام (بنت الاخضر التيمية) قتل ابوهما و اخوها يوم النهر و کانت فائقة الجمال فخطبها فقالت لا اتزوجک الا علي ثلاثة آلاف و عبد و قينة و قتل علي فقال اما قتل علي فما اراک ذکرته و انت تريدينني قالت بل التمس غرته فان اصبته شفيت نفسک و نفسي و نفعک العيش معي و ان قتلت فما عند الله خير من الدنيا و ما فيها قال و الله ما جاء بي الا قتل علي فلک ما سألت قالت سأطلب لک من يشد ظهرک و يساعدک و بعثت الي رجل من قومها اسمه وردان فاجابها و اتي ابن ملجم رجلا من اشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال هل لک في شرف الدنيا و الآخرة قال و ما ذاک قال قتل علي ابن ابي طالب قال شبيب ثکلتک امک لقد جئت شيئا ادا کيف تقدر علي قتله قال اکمن له في المسجد فاذا خرج الي صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه قال ويحک لو کان غير علي کان اهون قد عرفت سابقته و فضله و بلاءه في الاسلام و ما اجدني انشرح لقتله قال اما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلي قال فلنقتله بمن قتل من اصحابنا فاجابه فلما کان ليلةالجمعة[1] و هي الليلة التي واعد ابن ملجم فيها اصحابه علي قتل علي و معوية و عمرو جاؤا قطام و هي في المسجد الاعظم معتکفة فدعت لهم بالحرير و عصبتهم به. و قال المفيد انهم اتو قطام ليلة الاربعاء. و قال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين انهم اتو قطام بنت الاحضر بن بن شجنة من تيم الرباب و هي معتکفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم و تقلدوا سيوفهم و مضوا فجلسوا مما يلي السدة التي کان يخرج منها امير المؤمنين عليه السلام الي الصلاة. (قال المفيد) و قد کانوا قبل ذلک القوا الي الاشعث ما في نفوسهم من العزيمة علي قتل امير المؤمنين عليه السلام و اوطأهم علي ذلک و حضر الاشعث في تلک الليلة لمعونتهم و کان حجر بن عدي في تلک الليلة بائتا في المسجد فسمع الاشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتک فقد فضحک الصبح فاحس حجر بما اراد الاشعث فقال قتلته يا اعور و خرج مبادرا ليمضي الي أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبر و يحذره من القوم و خالفه أمير المؤمنين عليه السلام في الطريق فدخل المسجد قال الطبري و ابن الاثير فلما خرج علي نادي الصلاة الصلاة فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة للباب أو الطلق و ضربه ابن ملجم علي قرنه بالسيف و قال الحکم لله لا لک يا علي و لا لأصحابک. و قال ابو الفرج فضربه ابن ملجم فاثبت الضربة في وسط رأسه قال ابن عبد البر: فقال علي فزت و رب الکعبة لا يفوتنکم الرجل. قال المفيد و ابو الفرج: و اقبل حجر و الناس يقولون قتل أمير المؤمنين و روي ابو الفرج بسنده عن عبد الله بن محمد الازدي قال اني لأصلي في تلک الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر کانوا يصلون في ذلک الشهر من اوله الي آخره اذ نظرت الي رجال يصلون قريبا من السدة اذ خرج علي ابن أبي طالب (ع) لصلاة الفجر فاقبل ينادي الصلاة الصلاة فما ادري انادي ام رأيت بريق السيوف و قائلا يقول الحکم لله يا علي لا لک و لا لاصحابک و سمعت عليا يقول لا يفوتنکم الرجل. و في الاستعياب اختلفوا هل ضربه في الصلاة او قبل الدخول فيها و هرب القوم نحو ابواب المسجد و تبادر الناس لاخذهم قال أبو الفرج فاما شبيب فأخذه رجل فصرعه و جلس علي صدر و أخذ السيف ليقتله به فرأي الناس يقصدون نحوه فخشي ان يعجلوا عليه و لم يسمعوا منه فوثب عن صدره و خلاه و طرح السيف من يده و مضي شبيب هاربا حتي دخل منزله و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره فقال له ما هذا لعلک قتلت امير المؤمنين فأراد ان يقول له لا فقال نعم فمضي ابن عمه و اشتمل علي سيفه ثم دخل عليه فضربه حتي قتله، قال المفيد: و اما ابن ملجم فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه و اخذ السيف من يده و جاء به امير المؤمنين عليه السلام و افلت الثالث و انسل بين الناس، و في رواية الطبري و ابن الاثير ان الذي قتل وردان و الذي افلت شبيب. قال ابن الاثير: و قدم علي «ع» جعدة بن هبيرة ابن اخته ام هاني ء يصلي بالناس الغداة قال الشيخ في الامالي و خرج الحسن و الحسين عليهما السلام و اخذا ابن ملجم و أوثقاه، و احتمل امير المؤمنين «ع» فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه و جلست ام کلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر اليهما فقال الرفيق الأعلي خير مستقرا و احسن مقيلا ثم عرق ثم اغمي عليه ثم افاق فقال رأيت رسول الله «ص» يأمرني بالرواح اليه عشاء ثلاث مرات، قال ابن الاثير: و ادخل ابن ملجم علي امير المؤمنين و هو مکتوف فقال اي عدو الله أ لم احسن اليک قال بلي قال فما حملک علي هذا؟قال شحذته اربعين صباحا و سألت الله ان يقتل به شر خلقه، قال علي لا اراک الا مقتولا به و لا اراک الا من شر خلق الله ثم قال النفس بالنفس ان هلکت فاقتلوه کما قتلني و ان بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا الفينکم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل امير المؤمنين ألا لا يقتلن الا قاتلي، انظر يا حسن اذا انا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة، و لا تمثلن بالرجل فاني سمعت رسول الله «ص» يقول اياکم و المثلة و لو بالکلب العقور، قال المفيد: فقال ابن ملجم و الله لقد ابتعته بألف و سمعته بألف فان خانني فابعده الله، و نادته ام کلثوم يا عدو الله قتلت امير المؤمنين قال انما قتلت اباک، قالت يا عدو الله اني لأرجو ان لا يکون عليه بأس، قال لها فأراک انما تبکين علي اذا و الله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الارض لاهلکتهم. فاخرج من بين يديه و ان الناس ينهشون لحمه باسنانهم کأنهم سباع و هم يقولون يا عدو الله ما فعلت اهلکت امة محمد و قتلت خير الناس و انه لصامت لا ينطق فذهب به الي الحبس و جاء الناس الي امير المؤمنين فقالوا مرنا بأمرک في عدو الله و الله لقد اهلک الامة و افسد الملة فقال لهم ان عشت رأيت فيه رأيي و ان هلکت فاصنعوا به کما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم احرقوه بعد ذلک بالنار. قال الطبري: و في قتل علي يقول ابن ابي مياس المرادي و نسبها الحاکم في المستدرک الي الفرزدق:


و لم أر مهرا ساقه ذو سماحة
کمهر قطام من فصيح و اعجم


ثلاثة آلاف و عبد و قينة
و ضرب علي بالحسام المصمم


فلا مهر أغلي من علي و ان غلا
و لا فتک الا دون فتک ابن ملجم


قال الطبري: و اما البرک بن عبد الله فانه في تلک الليلة قعد لمعوية فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع في اليته فأخذ فقال ان عندي خبرا اسرک به فان اخبرتک فنافعي ذلک عندک قال نعم قال ان اخالي قتل عليا في مثل هذه الليلة قال لعله لم يقدر علي ذلک قال بلي ان عليا يخرج ليس معه من يحرسه فأمر به معوية فقتل، و بعث معوية الي الساعدي و کان طبيبا فقال اختر اما ان احمي حديدة فأضعها موضع السيف و اما ان اسقيک شربة تقطع منک الولد و تبرأ فان ضربتک مسمومة، قال: اما النار فلا صبر لي عليها و اما الولد فان في يزيد و عبد الله ما تقر به عيني فسقاه الشربة فبري ء و عالج جرحه حتي التأم و لم يولد له بعدها. قال سبط ابن الجوزي: لما بلغ القاضي ابا حازم ذلک قال يا ليت ذلک قبل ان يولد يزيد، و امر معوية عند ذلک بالمقصورات و حرس الليل و قيام الشرط علي رأسه اذا سجد، قال ابن الاثير: و هو اول من عملها في الاسلام (اقول) المقصورة بناء او شبهه يصلي داخله الحامل لقب الخلافة لئلا يغتاله احد و يصلي الناس خلفه. اول من عمله معوية و اقتدي به من بعده. و اما عمرو بن بکر فجلس لعمرو بن العاص تلک الليلة فلم يخرج و کان اشتکي بطنه، فأمر خارجة بن حذافة صاحب شرطته من بني عامر بن لؤي فخرج ليصلي فشد عليه و هو يري انه عمرو فقتله فأخذ الي عمرو فرآهم يسلمون عليه بالامرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة فقال لعمرو اما و الله يا فاسق ما ظننته غيرک قال عمرو اردتني و اراد الله خارجة فقدمه عمرو فقتله و بلغ ذلک معوية فکتب الي عمرو:


وقتک و اسباب المنايا کثيرة
منية شيخ من لؤي بن غالب


فيا عمرو مهلا انما انت همه
و صاحبه دون الرجال الاقارب


نجوت و قد بل المرادي سيفه
من ابن ابي شيخ الاباطح طالب


و يضربني بالسيف آخر مثله
فکانت علينا تلک ضربة لازب


(أقول): و في ذلک يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة:


وليتها اذ فدت عمرا بخارجة
فدت عليا بمن شاءت من البشر


و روي ابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين و ابن عبد البر في الاستعياب باسناديهماو بين کل منهما بعض التفاوت و نحن نذکر محصل الکلامين: انه جمع لعلي عليه السلام اطباء الکوفة يوم جرح فلم يکن اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السکوني و کان ابصرهم بالطب و کان متطببا صاحب کرسي يعالج الجراحات و قال ابو الفرج کان من الاربعين غلاما الذين کان خالد بن الوليد اصابهم في عين التمر فسباهم و قال ابن عبد البر و هو الذي تنسب اليه صحراء اثير فلما نظر الي الجرح اخذ رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه و ادخله في الجرح ثم نفخ العرق فاستخرجه فاذا عليه بياض الدماغ فقال يا امير المؤمنين اعهد عهدک فان عدو الله قد وصلت ضربته الي ام رأسک. قال ابو الفرج الاصبهاني روي ابو مخنف عن ابي الطفيل ان صعصعة بن صوحان استأذن علي علي عليه السلام و قد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يکن عليه اذن فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمک الله يا امير المؤمنين حيا و ميتا لقد کان الله في صدرک عظيما و لقد کنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له و انت يرحمک الله فلقد کنت خفيف المؤونة کثير المعونة.

و روي الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في اماليه بسنده الي الاصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام غدونا عليه نفر من اصحابنا انا و الحارث و سويد بن غفلة و جماعة معنا فقعدنا علي الباب فسمعنا البکاء من الدار فبکينا فخرج الينا الحسن بن علي عليهما السلام فقال يقول لکم امير المؤمنين انصرفوا الي منازلکم فانصرف القوم غيري و اشتد البکاء في منزله فبکيت فخرج الحسن فقال الم اقل لکم انصرفوا فقلت لا و الله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي و لا تحملني رجلاي ان انصرف حتي اري امير المؤمنين (ع) فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه و اصفر وجهه فما ادري وجهه اشد صفرة ام العمامة فاکببت عليه فقبلته و بکيت فقال لي لا تبک يا اصبغ فانها و الله الجنة فقلت له جعلت فداک اني اعلم و الله انک تصير الي الجنة و انما ابکي لفقداني اياک يا امير المؤمنين (و روي) قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في کتاب الخرائج عن عمرو بن الحمق قال دخلت علي علي عليه السلام حين ضرب الضربة بالکوفة فقلت ليس عليک بأس انما هو خدش قال لعمري اني لمفارقکم ثم اغمي عليه فبکت ام کلثوم فلما افاق قال لا تؤذيني يا ام کلثوم فانک لو ترين ما اري ان الملائکة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض و النبيين يقولون انطلق يا علي فما امامک خير لک مما انت فيه.

و روي ابن الاثير في اسد الغابة بسنده عن عمرو ذي مر قال لما اصيب علي بالضربة دخلت عليه و قد عصب رأسه فقلت يا امير المؤمنين ارني ضربتک فحلها فقلت خدش و ليس بشي ء قال اني مفارقکم فبکت ام کلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسکتي فلو ترين ما اري لما بکيت فقلت يا امير المؤمنين ماذا تري قال هذه الملائکة و فود و النبيون و هذا محمد «ص» يقول يا علي ابشر فما تصير اليه خير مما انت فيه. و روي الشيخ ابو جعفر الطوسي في الامالي بسنده عن حبيب بن عمرو نحوه.









  1. هکذا في تاريخ الطبري و کامل ابن الاثير و لعل الصواب ما يأتي عن المفيد ناقلا له عن ابي مخنف انه ضرب ليلة الاربعاء و قبض ليلة الجمعة و انه وقع اشتباه بين ليلة الضرب و ليلة الوفاة و الله اعلم. المؤلف.