هجرته الي المدينة











هجرته الي المدينة



و خرج علي بالفواطم فاطمة بنت رسول الله (ص) و امه فاطمة بنت اسد بن هاشم و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب و زاد بعضهم فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، و تبعهم ايمن ابن ام ايمن مولي رسول الله «ص» و ابو واقد الليثي الذي جاء بالکتاب. قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: فجعل ابو واقد يسوق الرواحل سوقا حثيثا فقال علي ارفق بالنسوة يا ابا واقد انهن من الضعائف قال اني اخاف ان يدرکنا الطلب قال اربع عليک، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا و هو يقول:


ليس الا الله فارفع ظنکا
يکفک رب الناس ما اهمکا


فلما قارب ضجنان ادرکه الطلب و هم ثمانية فرسان ملثمون معهم مولي لحرب بن امية اسمه جناح (و کأن قريشا لما فاتهم محمد «ص» و بطل کيدهم فيه و لم يقدروا عليه ثم رأوا ان عليا قد خرج من بينهم جهارا بالفواطم الهاشميات لاحقا بابن عمه اعدي اعدائهم و ما هو الا رجل واحد و هم عصبة اخذهم الحنق و هاجت بهم العداوة و قالوا کيف يخرج هذا الشاب الهاشمي المنفرد عن ناصر ابن عم محمد بنسائه ظاهرا غير هياب و لا نناله بسوء و لا نرده صاغرا، ان هذا لذل و عار علينا الي الابد، فانتخبوا من فرسانهم هؤلاء الثمانية ليلحقوه و يردوه) فقال علي لأيمن و ابي واقد أنيخا الابل و اعقلاها و تقدم فانزل النسوة و دنا القوم فاستقبلهم علي «ع» منتضيا سيفه (و الله اعلم کم کان خوف النسوة لما رأوا هذه الحال و کأنهن کن يتناجين هل يستطيع علي و هو رجل واحد راجل ليس بفارس مقاومة ثمانية فرسان فتارة يغلب عليهن اليأس و يبتهلن الي الله تعالي ان ينصر عليا علي عدوه و تارة يقلن ان عليا ملامح الشجاعة عليه ظاهرة بينة و لو لم يعلم انه کفؤ لکل من يعارضه لما خرج بنا ظاهرا معلنا فيغلب عليهن الامل) فقال الفرسان: ظننت انک يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا ابا لک (و هکذا يکون خطاب ثمانية فرسان لرجل واحد لا يظنون انه يقدر علي مقاومتهم قاسيا جافيا) قال علي «ع» (مجيبا لهم جواب شخص غير مبال بهم و لا مکترث، جواب هادي ء مطمئن): فان لم افعل؟ (فاجابوه بجواب کسابقه في القساوة و الجفاء (قالوا: لترجعن راغما او لنرجعن باکثرک شعرا و اهون بک من هالک و دنوا من المطايا ليثوروها فحال علي «ع» بينهم و بينها فاهوي له جناح بسيفه فراغ عن ضربته) رواغ عارف بالفنون الحربية ماهر فيها و هو بعد لم يباشر حربا قبلها و سنه لم يتجاوز العشرين او تجاوزها بقليل) و ضرب جناحا علي عاتقه فقده نصفين حتي وصل السيف الي کتف فرسه (و ذلک ان عليا راجل و جناح فارس و الفارس لا يمکنه ضرب الراجل بالسيف حتي ينحني ليصل سيفه الي الراجل فلما انحني جناح لم يمهله علي حتي يعتدل بل عاجله باسرع من لمح البصر و هو منحن بضربة علي عاتقه قبل ان يعتدل قدته نصفين، و هذا شي ء لم يکن في حسبان جناح و اصحابه) و شد علي اصحابه و هو علي قدميه شدة ضيغم و هو يقول:


خلوا سبيل الجاهد المجاهد
آليت لا أعبد غير الواحد


فتفرق القوم عنه و قالوا: احبس نفسک عنا يا ابن ابي طالب قال: فاني منطلق الي اخي و ابن عمي رسول الله فمن سره ان افري لحمه و اريق دمه فليدن مني (و هنا هدأ روع النسوة و علمن انهن بصحبته في منجاة من کل خطر) و قد ذکرنا فيما مر المقايسة بين هذه الحال لما لحق عليا ثمانية فوارس و بين حال النبي «ص» لما لحقه و من معه فارس واحد فراجع.

ثم اقبل علي (بعد قتله حناحا و فرار اصحابه) علي ايمن و ابي واقد و قال لهما اطلقا مطاياکما ثم سار ظافرا قاهرا حتي نزل ضجنان فلبث بها يومه و ليلته و لحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم ام ايمن مولاة رسول الله «ص» و بات ليلته تلک هو و الفواطم طورا يصلون و طورا يذکرون الله قياما و قعودا و علي جنوبهم حتي طلع الفجر فصلي بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذکر الله هو و من معه حتي قدموا المدينة، و قد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالي: (الذين يذکرون الله قياما و قعودا و علي جنوبهم «الي قوله» فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منکم من ذکر او انثي بعضکم من بعض فالذين هاجروا و اخرجوا من ديارهم و اوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأکفرن عنهم سيآتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله و الله عنده حسن الثواب) و تلي صلي الله عليه و آله و سلم: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله و الله رؤوف بالعباد) و في سيرة ابن هشام: اقام علي بن ابي طالب عليه السلام بمکة ثلاث ليال و ايامها حتي ادي عن رسول الله «ص» الودائع ثم لحق به بقبا فاقام بها ليلة او ليلتين «اه». و في السيرة الحلبية عن الامتاع: لما قدم علي «ع» من مکة کان يسير الليل و يکمن النهار حتي تفطرت قدماه فاعتنقه النبي «ص» و بکي رحمة لما بقدميه من الورم و تفل في يديه و امرهما علي قدميه فلم يشکهما بعد ذلک «اه». و في اسد الغابة بسنده عن ابي رافع في تتمة الخبر السابق (قال): و امر النبي «ص» عليا ان يلحقه بالمدينة فخرج علي في طلبه بعد ما اخرج اليه اهله يمشي الليل و يکمن النهار حتي قدم المدينة فلما بلغ النبي قدومه قال ادعوا لي عليا قيل يا رسول الله لا يقدر ان يمشي فاتاه النبي «ص» فلما رآه اعتنقه و بکي رحمة لما بقدميه من الورم و کانتا تقطران دما فتفل النبي صلي الله عليه و آله و سلم في يديه و مسح بهما رجليه و دعا له بالعافية فلم يشتکهما حتي استشهد «اه».