كلام مزيف من صاحب المنار حول الآية











کلام مزيف من صاحب المنار حول الآية



قال في «تفسير المنار»: «الرويات متفقة علي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم اختار للمباهلة عليا و فاطمة و ولديهما، و يحملون کلمة «نساءنا» علي فاطمة، و کلمة «أنفسنا» علي علي فقط. و مصادر هذه الروايات الشيعة و مقصدهم منها معروف، و قد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتي راجت علي کثير من أهل السنة، و لکن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها علي الآية، فإن کلمة «نساءنا» لا يقولها العربي و يريد بها بنته لا سيما إذا کان له أزواج، و لا يفهم هذا من لغتهم. و أبعد من ذلک أن يراد «أنفسنا» علي ـ عليه الرضوان ـ».[1] .

أقول: ما أقول في رجل اتخذ إلهه هواه و أضله الله علي علم، و ختم علي سمعه و قلبه؟لست أدري ما يريد بقوله «إن مصادر هذه الروايات الشيعة» فإن إمامهم الرازي ادعي الاتفاق علي صحتها، و هو مع أنه إمام المشککين يقول في تفسيره: «لما خرج صلي الله عليه و آله و سلم في المرط الأسود فجاء الحسن ـ رضي الله عنه ـ فأدخله، ثم جاء الحسين ـ رضي الله عنه ـ فأدخله، ثم فاطمة ثم علي ـ رضي الله عنهما ـ ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا. و اعلم أن هذه الرواية کالمتفق علي صحتها بين أهل التفسير و الحديث».[2] .

و روي ابن طاووس رحمه الله في کتابه القيم «سعد السعود» حديث المباهلة من کتاب «تفسير ما نزل من القرآن في النبي و أهل بيته» لمحمد بن العباس بن مروان، المعروف بابن الحجام (أو ابن الماهيار) من أحد و خمسين طريقا. قال رحمه الله: «و في آية المباهلة بمولانا علي و فاطمة و الحسن و الحسين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ لنصاري نجران، رواه من أحد و خمسين طريقا عمن سماه من الصحابة و غيرهم، رواه عن: 1ـ أبي الطفيل عامر بن واثلة 2ـ و عن جرير بن عبد الله السجستاني 3ـ و عن أبي قيس المدني 4ـ و عن أبي إدريس المدني 5ـ و عن الحسن بن مولانا علي 6ـ و عن عثمان بن عفان 7ـ و عن سعد بن أبي وقاص 8ـ و عن بکر بن مسمار (سمال) 9ـ و عن طلحة ابن عبد الله 10ـ و عن الزبير بن العوام 11ـ و عن عبد الرحمن بن عوف 12ـ و عن عبد الله بن عباس 13ـ و عن ابي رافع مولي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم 14ـ و عن جابر بن عبد الله 15ـ و عن البراء بن عازب 16ـ و عن انس بن مالک 17ـ و عن المنکدر بن عبد الله عن أبيه 18ـ و عن علي بن الحسين عليهما السلام ـ و عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام 20ـ و عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليهما السلام 21ـ و عن الحسن البصري 22ـ و عن قتادة 23ـ و عن علباء بن أحمر 24ـ و عن عامر بن شراحيل الشعبي 25ـ و عن يحيي بن نعمان 26ـ و عن مجاهد بن حمر الکمي 27ـ و عن شهر بن حوشب. و نحن نذکر حديثا واحداـ إلي أن قال: ـ فلما کان من غد غدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بيمينه علي، و بيساره الحسن و الحسين، و من ورائهم فاطمة، عليهم الحلل، و علي کتف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم کساء فأمر بشجرتين فکسح ما بينهما و نشر الکساء عليهما و أدخلهم تحت الکساء، و أدخل منکبه الأيسر معهم تحت الکساء معتمدا علي قوله اليقع (النبع)، و رفع يده اليمني إلي السماء للمباهلة، و أشرف الناس ينظرون، و اصفر لون السيد و العاقب و زلزلا حتي کاد أن يطيش عقولهما، فقال أحدهما لصاحبه: أنباهله؟قال: أو ما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم و بقي کبيرهم؟ـ الحديث».[3] .

أقول: و أعتقد أن صاحب المنار ما قال هذا الکلام إلا لعناده لأمير المؤمنين عليه السلام ـ اللهم عامله بما کان عليه ـ. و من علامة کراهته لأهل البيت عليهم السلام کلامه في موارد شتي فيهم عليهم السلام، قال (في ج 10: ص 460): «إن أحاديث المهدي لا يصح منها شي ء يحتج به، و إنها مع ذلک متعارضة متدافعة، و إن مصدرها نزعة سياسية شيعية معروفة، و للشيعة فيها خرافات مخالفة لاصول الدين».[4] .

و قال أيضا (في ج 3: ص 332): «و أخرج ابن عساکر عن جعفر بن محمد عن أبيه قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءکم و نساءنا و نساءکم قال: فجاء بأبي بکر و ولده و بعمر و ولده و بعثمان و ولده و بعلي و ولده». و قال أيضا (في ج 12: ص 53) في تفسير قوله تعالي: «أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه»:[5] «و في الشاهد روايات اخري... و منها أنه علي ـ رضي الله عنه ـ يرويه الشيعة و يفسرونه بالإمامة... و قابلهم خصومهم بمثلها فقالوا: إنه أبوبکر».

و قال أيضا (في ج 8: ص 426) في تفسير قوله تعالي: فأذن مؤذن أن لعنة الله علي الظالمين:[6] «و رواية الإمامية عن الرضا عليه السلام و ابن عباس أنه علي ـ کرم الله وجهه ـ مما لم يثبت من طريق أهل السنة و بعيد عن هذا الإمام أن يکون مؤذنا و هو إذ ذاک في حظائر القدس».

و قال أيضا (في ج 8: ص 433) في تفسير قوله تعالي: و بينهما حجاب و علي الأعراف رجال:[7] «اختلف المفسرون فيهم (أي في أهل الأعراف الذين يقومون فيه و ينادون الناس علي أقوال...) أنهم العباس و حمزة و علي و جعفر ذو الجناحين ـ رضي الله عنه ـ و هذا القول ذکر الآلوسي أن الضحاک رواه عن ابن عباس و لم نره في شي ء من کتب التفسير المأثور، و الظاهر أنه نقله عن تفاسير الشيعة».

أقول: بعد ما لاحظت ما ذکرناه من صاحب «المنار» و عقيدته، وددنا أن نسائل الرجل و نظراءه و إخوانه: لو سلمنا أن مصادر هذه الروايات الشيعة علي رأيکم ـ و الحال أن هذه الأحاديث جاءت في صحاحکم و مسانيدکم و تلقاها أهل الحديث و التفسير و التاريخ بالقبول کما شاهدت في کلام الرازي فما جرم الشيعة و ما ذنبهم حتي لا يحتج بأحاديثهم؟عجبا لقوم يحتجون بأحاديث الخوارج و لا يقبلون أحاديث من اقتدوا بمولاهم و سيدهم، عديل القرآن، نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب ـ عليه صلوات الله ألف ألف مرة ـ!

نعم، إن للشيعة ذنبا عظيما و هو ولاؤهم و محبتهم لأهل البيت عليهم السلام الذين قرن الله طاعتهم بطاعته، و معصيتهم بمعصيته، الذين هم أساس الدين، و عماد اليقين، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، الذين من تمسک بهم نجا، و من تخلف عنهم غرق، الذين هم أبواب مدينة علم الرسول، و هم أبواب مدينة الحکمة و مدينة الجنة و مدينة الفقه، و الذين هم السبيل الواضح و الطريق المهيع.

نعم، جرم الشيعة تشيعهم و محبتهم لأهل بيت النبي عليهم السلام حتي جعل القوم التشيع و المحبة لهم عليهم السلام سببا للجرح و القدح في رواتهم، و البغض و النصب لهم سببا للتعديل و التوثيق، فتعسا لهم و قبحا، فأين تذهبون؟و أني تؤفکون؟و الأعلام قائمة، و المنار منصوبة، و الآيات واضحة، و بينکم عترة نبيکم، هم أزمة الحق، و ألسنة الصدق.

قال ابن حجر العسقلاني في «هدي الساري» و هو مقدمة «فتح الباري» (ص 231): «فصل في تمييز أسباب الطعن: و التشيع محبة علي و تقديمه علي الصحابة، فمن قدمه علي أبي بکر و عمر فهو غال في تشيعه و يطلق رافضي و إلا فشيعي».

و قال أيضا في «تهذيب التهذيب» (ج 8: ص 458): «فأکثر من يوصف بالنصب يکون مشهورا بصدق اللهجة و التمسک بأمر الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم کاذب و لا يتورع في الأخبار. و الأصل فيه: أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان و کان أعان عليه، فکان له ديانة بزعمهم، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».

قال العلامة الحضر موتي، السيد محمد بن عقيل، حول کلام العسقلاني: «لا يخفي أن معني کلامه هذا أن جميع محبي علي عليه السلام المقدمين له علي الشيخين روافض، و أن محبيه المقدمين له علي من سوي الشيخين شيعة، و کلا الطائفتين مجروح العدالة، و علي هذا فجملة کبيرة من الصحابة الکرام کالمقداد و زيد بن أرقم و سلمان و أبي ذر و خباب و جابر و أبي سعيد الخدري و عمار و أبي بن کعب و حذيفة و بريدة و أبي أيوب و سهل بن حنيف و عثمان بن حنيف وأبي الهيثم و خزيمة بن ثابت و قيس بن سعد و أبي الطفيل عامر بن واثلة و العباس بن عبد المطلب و بنيه و بني هاشم و بني المطلب کافة و کثير غيرهم کلهم روافض لتفضيلهم عليا عليه السلام علي الشيخين و محبتهم له، و يلحق بهم من التابعين و تابعي التابعين من أکابر الأئمة و صفوة الامة من لا يحصي عددهم و فيهم قرناء القرآن، و جرح هؤلاء و الله قاصمة الظهر».[8] .

و قال أيضا رحمه الله في رد قول العسقلاني (و الاصل فيه أن الناصبة...): «و أقول: يستفاد من عبارته هذه الاعتذار للناصبية ـ عاملهم الله بعدله ـ بأن اعتقادهم و تدينهم بما ذکره من بغض من هو نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم مسوغ لهم ذلک. و فساد هذا بديهي لا يشک فيه منصف لأنه لو ساغ أن يکون الاعتذار و التدين بالباطل مما يعذر الله به أحدا لکان اليهود و النصاري واسع العذر في کفرهم و بغضهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأنهم اعتقدوا کذبه و تدينوا به تبعا لأحبارهم و رهبانهم، و بديهي بطلان هذا».[9] .

أيها القاري ء! أحب أن تسير معي حتي ننظر في تراجم رجال من الموالين لاهل البيت عليهم السلام فإنهم ـ رضوان الله عليهم ـ نبذوا و قدحوا لتشيعهم و مقتوا لولايتهم، جزاهم الله عن صاحب الولاية خير الجزاء.









  1. محمد رشيد رضا: المنار، ج 3: ص 322.
  2. الرازي: التفسير الکبير، ج 8: ص 84.
  3. سعد السعود، ص 91. و الحديث طويل، أخذنا منه مورد الحاجة.
  4. الظاهر کونه کلام سيد رشيد رضا لا الشيخ محمد عبده.
  5. هود، 11: 17.
  6. الاعراف، 7: 43.
  7. الاعراف، 7: 45.
  8. الحضرموتي: العتب الجميل علي أهل الجرح و التعديل، ص 32، ط بيروت.
  9. الحضرموتي: العتب الجميل، ص 55.