افضلية علي المستفادة من الآية











افضلية علي المستفادة من الآية



و أدل الدلائل علي أفضلية علي بن أبي طالب عليه السلام من جميع البشر و الأنبياء عليه السلام سوي نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم قوله تعالي «أنفسنا» في الاية الشريفة، إذا المراد من «أنفسنا» کما ظهر من الروايات و أقوال المؤرخين و لا المحدثين هو نفس علي عليه السلام.

قال محمد بن طلحة الشافعي: «فانظر بنور بصيرتک ـ أيدک الله بهدايتها ـ إلي مدلول هذه الاية (آية المباهلة) و ترتيب مراتب عباراتها و کيفية إشاراتها إلي علو مقام فاطمة ـ عليها السلام ـ في منازل الشرف و سمو درجتها، و قد بين ذلک صلي الله عليه و آله و سلم و جعلهابينه و بين علي عليهما السلام تنبيها علي سر الاية و حکمتها فإن الله عز و جل جعلها مکتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلک الاعتناء بمکانتها. و حيث کان المراد من قوله «و أنفسنا» نفس علي مع النبي جعلها بينهما إذا الحراسة بالاحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها.[1] .

و قال أحمد بن حجر الهيتمي: «أخرج الدار قطني أن عليا يوم الشوري احتج علي أهلها فقال لهم: أنشدکم بالله، هل فيکم أحد أقرب إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الرحم مني، و من جعله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري؟قالوا: اللهم لا، ـ الحديث».[2] .

و قال الفخر الرازي في تفسيره: «المسألة الخامسة: کان في الري رجل يقال له: محمود بن الحسن الحمصي، و کان معلم الاثني عشرية، و کان يزعم أن علياـ رضي الله عنه ـ أفضل من جميع الأنبياء سوي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، قال: و الذي يدل عليه قوله تعالي: «ؤ أنفسنا و أنفسکم»، و ليس المراد بقوله «أنفسنا» نفس محمد صلي الله عليه و آله و سلم لأن الانسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره، و أجمعوا علي أن ذلک الغير کان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فدلت الآية علي أن نفس علي هي نفس محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و لا يمکن أن يکون المراد منه أن هذه النفس هي عين تلک النفس، فالمراد أن هذه النفس مثل تلک النفس، و ذلک يقتضي الاستواء في جميع الوجوه. ترک العمل بهذا العموم في حق النبوة و في حق الفضل لقيام الدلائل علي أن محمدا عليه السلام کان نبيا و ما کان علي کذلک. و لانعقاد الإجماع علي أن محمد عليه السلام کان أفضل من علي ـ رضي الله عنه ـ فيبقي فيما وراءه معمولا به، ثم الإجماع دل علي أن محمد عليه السلام کان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يکون علي أفضل من سائر الأنبياء. فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الاية.[3] .

ثم قال (أي الحمصي): و يؤيد الإستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق و المخالف و هو قوله عليه السلام: «من أراد أن يري آدم في علمه، و نوحا في طاعته، و إبراهيم في خلته، و موسي في هيبته، و عيسي في صفوته، فلينظر إلي علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ» فالحديث دل علي أنه اجتمع فيه ما کان متفرقا فيهم، و ذلک يدل علي أن عليا ـ رضي الله عنه ـ أفضل من جميع الأنبياء، سوي نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و أما سائر الشيعة فقد کانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية علي أن علياـ رضي الله عنه ـ مثل نفس محمد عليه السلام إلا فيما خصه الدليل، و کان نفس محمد أفضل من الصحابة فوجب أن يکون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة».

ثم قال الفخر الرازي: «و الجواب أنه کما انعقد الإجماع بين المسلمين علي أن محمد صلي الله عليه و آله و سلم أفضل من علي فکذلک انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الانسان علي أن النبي أفضل ممن ليس بنبي، و أجمعوا علي أن عليا ـ رضي الله عنه ـ ما کان نبيا، فلزم القطع بأن ظاهر الآية کما أنه مخصوص في حق محمد صلي الله عليه و آله و سلم فکذلک مخصوص في حق الأنبياء عليهم السلام».[4] .

أقول: لما لا حظت کلام الرازي فأمعن النظر في کلام العلامة المجاهد، الشيخ محمد الحسن المظفر رحمه الله حول کلامه، قال: «و يستفاد من الرازي في تفسير الآية تسليم دلالتها علي أفضليته من الصحابة لأنه نقل عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي أنه استدل بجعل علي عليه السلام نفس النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي کونه أفضل من جميع الأنبياء سوي محمد لأن النبي أفضل منهم و علي نفسه، و نقل عن الشيعة قديما و حديثا الاستدلال بذلک علي فضل علي علي جميع الصحابة، و ما أجاب الرازي إلا عن الأول بدعوي الإجماع علي أن الأنبياء أفضل من غيرهم قبل ظهور الشيخ محمود. و فيه: أن الإجماع إنما هو علي فضل صنف الأنبياء علي غيره من الأصناف و فضل کل نبي علي جميع امته لافضل شخص من الأنبياء علي کل من عداهم حتي لو کان من امم غيرهم. ـ إلي أن قال: ـ و لم يختص تفضيل أمير المؤمنين علي من عدا محمد صلي الله عليه و آله و سلم من الأنبياء بالشيخ محمود حتي ينافي ما ادعاه الرازي من الإجماع بل قال به الشيعة قبل وجود الشيخ محمود و بعده مستدلين بالآية الکريمة و غيرها من الآيات».[5] .

و قال السماحة الحجة، العلامة المجاهد، السيد شرف الدين رحمه الله بعد نقل کلام الرازي: «و أمعن النظر تجده قد أوضح دلالة الآية علي ذلک غاية الإيضاح و نادي (من حيث لا يقصد) حي علي الفلاح، لم يعارض الشيعة فيما نقله عن قديمهم و حديثهم و لا ناقشهم فيه بکلمة واحدة فکأنه أذعن لقولهم و اعترف بدلالة الآية علي رأيهم، و إنما ناقش المحمود بن الحسن کما لا يخفي، علي أن الاجماع الذي صال به الرازي علي المحمود لا يعرفه المحمود و من يري رأيه، فافهم».[6] .

و قال العلامة السبيتي، مؤلف «راية الحق» في کتابه القيم «المباهلة» بعد نقل کلام الرازي بتمامه: «و القاري ء يلاحظ معنا أنه لم يناقش في دلالة الآية علي أفضلية علي عليه السلام علي سائر الصحابة، و يلاحظ أيضا أنه لم يناقش في اتفاق المسلمين علي صحة الخبر الدال علي أن ما تفرق من الصفات في الأنبياء عليهم السلام قد اجتمعت جميعا في شخص علي عليه السلام، و هذا يتضح من جوابه علي دعوي ابن الحسن الحمصي أن عليا أفضل من سائر الأنبياء سوي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و کذلک لم يرد علي الشيعة ما استفادوه من دلالة الآية الکريمة علي أفضلية علي عليه السلام، و کل ما في الأمر أنه ناقش ابن الحسن الحمصي فيما ادعاه من الاجماع بإجماع ادعاه هو نفسه و فرضه علي المسلمين فرضا. و لمحمود الحمصي أن يقول: إن إجماعا يخرج منه النخبة الممتازة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يخرج منه الهاشميون جميعا و يخرج منه الشيعة ليس بإجماع علي کل تفسير يفسر به الفخر الرازي الاجماع، و لا يقام لهذا الاجماع وزن بين الاجماعات التي يدعيها المسلمون. و غير جائز في العقل أن يکون إجماع و نصف المسلمين علي التقريب يقولون بأفضلية علي عليه السلام علي سائر الأنبياء.

ثم يعود محمود بن الحسن الحمصي فيقول: إن المسلمين و النخبة الممتازة من صحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أجمعوا قبل أن يخلق الله هذا الانسان (أعني الفخر الرازي) و من علي رأيه علي أن عليا عليه السلام أفضل من خلق الله باستثناء محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و يبدو لنا أن هذا صحيح من وجهة الأمر الواقع، و أن هذا الاجماع هو الاجماع الصحيح المعتبر الذي يصح أن يحتج به المسلمون إذا راجعنا إلي شروط حجية الاجماع و إمکان تحققه و وقوعه».[7] .









  1. ابن طلحة: مطالب السؤول، ص 7، ط ايران.
  2. ابن حجر: الصواعق المحرقة، ص 157.
  3. أوردناه بالنقل بالمعني.
  4. الرازي: التفسير الکبير، ج 8: ص 86.
  5. المظفر، الشيخ محمد حسن: دلائل الصدق، ج 2: ص 86.
  6. الشرف الدين: الکلمة الغراء، ص 5.
  7. السبيتي: المباهلة، ص 101، ط مکتبة النجاح.