ايثاره











ايثاره



قال ابن أبي الحديد: «و أما السخاء و الجود، فحاله فيه ظاهرة، کان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده، و فيه انزل: و يطعمون الطعام علي حبه مسکينا و يتيما و أسيرا إنما نطعمکم لوجه الله لا نريد منکم جزاء و لا شکورا.[1] .

و روي المفسرون أنه لم يکن يملک إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية، فأنزل فيه: الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية،[2] و روي عنه أنه کان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتي مجلت يده، و يتصدق بالاجرة و يشد علي بطنه حجرا.

و قال الشعبي ـ و قد ذکره عليه السلام ـ: «کان أسخي الناس، کان علي الخلق الذي يحبه الله السخاء و الجود، ما قال «لا» لسائل قط، و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في وصمه و عيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له: جئتک من عند أبخل الناس، فقال: «ويحک! کيف تقول إنه أبخل الناس؟ (و هوالذي) لو ملک بيتا من تبر، و بيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه» و هو الذي کان يکنس بيوت الأموال و يصلي فيها، و هو الذي قال: يا صفراء! و يا بيضاء، غري غيري، و هو الذي لم يخلف ميراثا و کانت الدنيا کلها بيده إلا ما کان من الشام».[3] .

روي الحافظ ابن عساکر بسنده عن الأصبغ بن نباتة، عنه عليه السلام: «جاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين! أن لي إليک حاجة فرفعتها إلي الله قبل أن أرفعها إليک، فإن أنت قضيتها حمدت الله و شکرتک، و إن أنت لم تقضها حمدت الله و عذرتک، فقال علي: اکتب علي الأرض فإني أکره أن أري ذل السؤال في وجهک، فکتب: إني محتاج، فقال علي عليه السلام: علي بحلة، فاتي بها، فأخذها الرجل فلبسها، ثم أنشأ يقول:


کسوتني حلة تبلي محاسنها
فسوف أکسوک من حسن الثنا حللا


إن نلت حسن ثنائي نلت مکرمة
و لست تبغي بما قد قلته بدلا


إن الثناء ليحيي ذکر صاحبه
کالغيث يحيي نداه[4] السهل و الجبلا


لا تزهد الدهر في زهو[5] تواقعه
فکل عبد سيجزي بالذي عملا


فقال علي عليه السلام: علي بالدنانير، فاتي بمائة دينار فدفعها إليه، فقال الأصبغ: فقلت: يا أمير المؤمنين! حلة و مائة دينار؟قال: نعم، سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم»، و هذه منزلة هذا الرجل عندي».[6] .









  1. الدهر، 76: 8 و 9.
  2. البقرة، 2: 274.
  3. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 1: ص 20.
  4. الندي: العطاء.
  5. الزهو: التيه، و الکبر، و الباطل، و الکذب.
  6. تاريخ ابن عساکر، ج 3: ص 246.