تزوجه بالزهراء











تزوجه بالزهراء



و قد مر مفصلا في سيرة الزهراء في الجزء الثاني مع ذکر مصادره فليرجع اليها من اراد، و نعيد هنا ما له تعلق بعلي «ع» بشي ء من الاختصار و ان لزم بعض التکرار من دون ذکر المصادر لانها تقدمت. و بعد ما استقرت قدم علي عليه السلام بالمدينة و نزل مع النبي «ص» في دار ابي ايوب الانصاري کان من اللازم ان يقترن بزوجة و کان علي النبي «ص» ان يزوجه فهو شاب قد بلغ العشرين او تجاوزها. و التزوج من السنة و من احق من النبي و علي صلوات الله عليهما باتباع السنة، و من هي هذه الزوجة التي يخطبها علي و يقترن بها، و من هي هذه الزوجة التي يختارها له النبي «ص» و يقضي بذلک حقه و حق ابيه ابي طالب؟ليست الا ابنة عمه فاطمة، فلا أکمل و لا افضل منها في النساء، و لا أکمل و لا افضل من علي في الرجال، اذا فتحتم علي علي ان يختارها زوجة و علي الرسول «ص» ان يختارها له، و لذلک قال النبي «ص» لو لا علي لم يکن لفاطمة کفؤ. و لکن النبي «ص» عند دخوله المدينة کان قد نزل في دار ابي ايوب الانصاري و کان علي معه فيها کما مر، و لم يکن قد بني لنفسه بيتا و لا لعلي و لذلک لم يزوج عليا اول وروده المدينة و انتظر بناء بيت له، و مع ذلک ففي بعض الروايات الآتية في آخر الکلام انه زوجه بها بعد مقدمه المدينة بخمسة اشهر و بني بها مرجعه من بدر فيکون قد عقد له عليها و هو في دار ابي ايوب و دخل بها بعد خروجه من دار ابي ايوب بشهرين کما ستعرف، و خطبها ابو بکر ثم عمر الي النبي «ص» مرة بعد اخري فردهما فمرة يقول انها صغيرة و مرة يقول انتظر بها القضاء.

و ما کانت خطبتهما لها الا لشدة الرغبة في نيل الشرف مع انهما لا يحتملان الاجابة الا احتمالا في غاية الضعف، و الا فکيف يظنان انه يزوجها احدهما مع وجود اخيه و ناصره و ابن عمه الذي ليس عنده زوجة و أفضل اهل بيته و اصحابه، و هو بعد لم ينس فضل ابي طالب العظيم عليه، فلم يکن يتصور متصور انه يزوجها غيره او يري لها کفؤا سواه، لکن شدة الرغبة و التهالک في شي ء قد يدعو الي التشبث في ليله بالاوهام، فقال نفر من الانصار لعلي عندک فاطمة فأتي النبي «ص» فسلم عليه فقال ما حاجتک قال ذکرت فاطمة قال مرحبا و اهلا فأخبر النفر بذلک قالوا يکفيک احدهما اعطاک الاهل اعطاک المرحب: ثم ان رسول الله «ص» قال لفاطمة ان عليا يذکرک و هو ممن عرفت قرابته و فضله في الاسلام و اني سألت ربي ان يزوجک خير خلقه و احبهم اليه، فسکتت فقال الله اکبر سکوتها اقرارها. و في الشريعة الاسلامية انه يکفي في رضا البکر السکوت و لا يکفي في الثيب الا الکلام، و کيف لا تسکت فاطمة و لا ترضي و هي قد عرفت عليا في صغره و شبابه و درست اخلاقه و احواله درسا کافيا فانه تربي معها و في بيت ابيها مع ذکائها و فطنتها و کونها ابنة رسول الله «ص» قد تربت في حجره و اقتبست من خلقه و علمه و ابنة خديجة عاقلة النساء و فضلاهن و قد صاحبت فاطمة عليا عليهما السلام في هجرتها من مکة الي المدينة و رأت بعينها شجاعته الخارقة حين لحقه الفوارس الثمانية و کيف قتل جناحهم فقده من کتفه الي قربوس فرسه و هرب اصحابه أذلاء صاغرين، و عرفت کيف کانت محافظته عليها و علي رفيقاتها الفواطم الهاشميات في ذلک السفر و حنوه عليها و عليهن و رفقه بها و بهن، و انه لو کان معها ابوها لم يزد عليه في ذلک حتي انه لم يرض ان يسوق بهن ابو واقد سوقا حثيثا في ساعة الخطر و امره بالرفق و لم يبال بذلک الخطر و استهانه و لم يحفل به اعتمادا علي شجاعته و بطشه و تأييد الله له فهل يمکن ان تتردد في الرضا بان يکون لها بعلا و تکون له زوجة، و تحقق بذلک صدق ابيها في انه لو لا علي لم يکن لفاطمة کفؤ علي وجه الارض، و انما اراد الرسول «ص» باستشارتها الجري علي السنة و تعليم امته ان تستأمر المرأة عند ارادة تزويجها و ان لا يستبدوا بها و اظهار کرامة المرأة في استشارتها حتي لو کان ابوها سيد الأنبياء و خاطبها علي بن ابي طالب سيد الامة بعد ابيها و بيانا لخطأ اهل الجاهلية في استبدادهم بالمرأة.