قصة عاصم بن زياد











قصة عاصم بن زياد



روي سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس، أنه قال: جاء الربيع بن زياد الحارثي إلي علي عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إعدلي علي أخي عاصم بن زياد، فقال: ما باله؟فقال: لبس العباءة و تنسک و هجر أهله.

فقال عليه السلام: علي به. فجاء و قد ائتزر بعباءة و ارتدي باخري أشعث أغبر. فقال له: و يحک يا عاصم! أما استحييت من أهلک، أما رحمت ولدک، ألم تسمع إلي قوله تعالي: و يحل لهم الطيبات[1] أتري الله أباحها لک و لأمثالک و هو يکره أن تنال منها، أما سمعت قول رسول الله صلي الله عليه و آله: «إن لنفسک عليک حقا؟!» الحديث.

فقال عاصم: فما بالک يا أمير المؤمنين، في خشونة ملبسک، و جشوبة مطعمک، و إنما تزينت بزيک، فقال عليه السلام: «و يحک، إن الله فرض علي أئمة الحق أن يتصفوا بأوصاف رعيتهم، أو بأفقر رعيتهم، لئلا يزدري[2] الفقير بفقره، و ليحمد الله الغني علي غناه».[3] .

و روي ابن أبي الحديد في شرحه هذه القصة هکذا: إعلم أن الذي رويته عن الشيوخ، و رأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب، أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه، فکانت تنتقض عليه في کل عام، فأتاه علي عليه السلام عائدا، فقال: «کيف تجدک أبا عبد الرحمن؟». قال: أجدني ـ يا أمير المؤمنين ـ لو کان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه. قال: «و ما قيمة بصرک عندک؟». قال: لو کانت لي الدنيا لفديته بها. قال: «لا جرم: ليعطينک الله علي قدر ذلک، إن الله تعالي يعطي علي قدر الألم و المصيبة، و عنده تضعيف کثير». قال الربيع: يا أمير المؤمنين، ألا أشکو إليک عاصم بن زياد أخي؟قال: «ماله؟». قال: لبس العباء[4] و ترک الملأ[5] و غم أهله و حزن ولده.

فقال علي عليه السلام: «ادعوا لي عاصما» فلما أتاه عبس في وجهه عليه السلام و قال: «و يحک ـ يا عاصم ـ أتري الله أباح لک اللذات و هو يکره ما أخذت منها؟! لأنت أهون علي الله من ذلک، أو ما سمعته يقول: مرج البحرين يلتقيان، ثم يقول: يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان،[6] و قال: و من کل تأکلون لحما طريا و تستخرجون حلية تلبسونها،[7] أما و الله إن ابتذال نعم الله بالفعال، أحب إليه من ابتذالها بالمقال؟و قد سمعتم الله يقول: و أما بنعمة ربک فحدث،[8] و قوله: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق.[9] إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين، فقال: يا أيها الذين آمنوا کلوا من طيبات ما رزقناکم[10] و قال: يا أيها الرسل کلوا من الطيبات و اعملوا صالحا.[11] و قال رسول الله صلي الله عليه و آله لبعض نسائه: مالي أراک شعثاء[12] مرها[13] سلتاء؟[14] ؟!».

قال عاصم: فلم اقتصرت ـ يا أمير المؤمنين ـ علي لبس الخشن و أکل الجشب؟

قال: «إن الله تعالي افترض علي أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوام، کيلا يتبيغ بالفقير فقره».[15] فما قام علي عليه السلام حتي نزع عاصم العباء و لبس ملاءة.[16] .









  1. الأعراف، 157.
  2. أي يحقر و يعاب.
  3. تذکرة الخواص، ص 106.
  4. العباء: الکساء من الصوف، و هو لباس خشن.
  5. الملاء بالضم: الثوب اللين الرقيق.
  6. الرحمن، 19.
  7. الرحمن، 22.
  8. الضحي، 11.
  9. الاعراف، 32.
  10. البقرة، 172.
  11. المؤمنون، 51.
  12. قوله: «شعثاء» التي اغبر رأسها و تلبد شعرها و انتشر لقلة تعهده بالدهن.
  13. المرهاء: التي لا تکتحل.
  14. السلتاء: التي لا تختضب.
  15. قوله: «يتبيع بالفقير فقره» أي يهيج به الألم فيهلکه.
  16. شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 35ـ 36.