الحلم و الصفح











الحلم و الصفح



قال ابن ابي الحديد: و اما الحلم و الصفح فکان أحلم الناس عن ذنب و اصفحهم عن مسي ء و قد ظهر صحة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان ابن الحکم و کان اعدي الناس له و اشدهم بغضا فصفح عنه و کان عبد الله بن الزبير يشتمه علي رؤوس الاشهاد و خطب يوم البصرة فقال قد أتاکم الوغب اللئيم علي بن ابي طالب و کان علي عليه السلام يقول ما زال الزبير رجلا منا اهل البيت حتي شب ابنه عبد الله. فظفر به يوم الجمل فأخذه اسيرا فصفح عنه و قال اذهب فلا ارينک لم يزده علي ذلک و ظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمکة و کان له عدوا فأعرض عنه و لم يقل له شيئا و قد علمتم ما کان من عائشة في امره فلما ظفر بها أکرمها و بعث معها الي المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عممهن بالعمائم و قلدهن بالسيوف فلما کانت ببعض الطريق ذکرته بما لا يجوز أن يذکر به و تأففت و قالت هتک ستري برجاله و جنده الذين وکلهم بي فلما وصلت المدينة القي النساء عمائمهن و قلن لها انما نحن نسوة. و حاربه اهل البصرة و ضربوا وجهه و وجوه اولاده بالسيف و سبوه و لعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم و نادي مناديه في اقطار المعسکر ألا لا يتبع مول و لا يجهز علي جريح و لا يقتل مستأسر و من القي سلاحه فهو آمن و من تحيز الي عسکر الامام فهو آمن و لم يأخذ من أثقالهم و لا سبي ذراريهم و لا غنم شيئا من اموالهم و لو شاء ان يفعل کل ذلک لفعل و لکنه أبي الا الصفح و العفو و تقيل سنة رسول الله «ص» يوم فتح مکة فانه عفا و الاحقاد لم تبرد و الاساءة لم تنس و لما ملک عسکر معوية عليه الماء و احاطوا بشريعة الفرات و قالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش کما قتلوا عثمن عطشا سألهم علي و اصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا لا و الله و لا قطرة حتي تموت ظمأ کما مات ابن عفان فلما رأي انه الموت لا محالة تقدم باصحابه و حمل علي عساکر معوية حملات کثيفة حتي أزالهم عن مراکزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس و الايدي و ملکوا عليهم الماء و صار اصحاب معوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له اصحابه و شيعته امنعهم الماء يا امير المؤمنين کما منعوک و لا تسقهم منه قطرة و اقتلهم بسيوف العطش و خذهم قبضا بالايدي فلا حاجة الي الحرب فقال لا و الله لا اکافيهم بمثل فعلهم افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلک قال فهذه ان نسبتها الي الحلم و الصفح فناهيک بها جمالا و حسنا و ان نسبتها الي الدين و الورع فأخلق بمثلها ان تصدر عن مثله عليه السلام.