ميثم التمار











ميثم التمار



هو ميثم بن يحيي التمّار الأسدي أبوسالم، جليل من أصحاب أميرالمؤمنين،[1] والحسن،[2] والحسين[3] عليهم السلام. کان عبداً لامرأة فاشتراه عليّ عليه السلام وأعتقه، نال منزلةً رفيعةً من العلم بفضل باب العلم النبوي حتي وُصف بأنّه اُوتي علم المنايا والبلايا.

کان الإمام عليه السلام قدأخبره بکيفيّة استشهاده وما يلاقيه في سبيل اللَّه. وقد نطق

[صفحه 318]

ميثم بهذه الحقيقة العظيمة الواعِظة أمام قاتله الجلّاد الجائر، وأکّد حتميّة تحقّق تلک النبوءة الإعجازيّة بصلابةٍ تامّةٍ.[4] .

إنّ رسوخه علي طريق الحقّ، وثباته في الدفاع عن الولاية، ومنطقه البليغ في تجلية الحقائق. کلّ ذلک قد استبان مراراً في کلمات الأئمّة عليهم السلام وذکرته أقلام العلماء ممّا سنقف عليه لاحقاً.

قتله عبيد اللَّه بن زياد قبل استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بأيّام.[5] .

6723- الإرشاد: إنّ ميثم التمّار کان عبداً لامرأة من بني أسدٍ، فاشتراه أميرالمؤمنين عليه السلام منها وأعتقه، وقال له: ما اسمک؟ قال: سالم. قال: أخبرني رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم أنّ اسمک الذي سمّاک به أبَوَاک في العجم ميثم. قال: صدق اللَّه ورسوله وصدقت يا أميرالمؤمنين، واللَّه إنّه لاسمي. قال: فارجع إلي اسمک الذي سمّاک به رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم ودع سالماً. فرجع إلي ميثم واکتني بأبي سالم.

فقال له عليّ عليه السلام ذات يوم: إنّک تؤخذ بعدي فتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا کان اليوم الثالث ابتدر منخراک وفمک دماً فيخضب لحيتک، فانتظر ذلک الخضاب، وتُصلب علي باب دار عمرو بن حُريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة، وامضِ حتي اُريک النخلة التي تصلب علي جذعها. فأراه إيّاها. فکان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول: بورکتِ من نخلة، لکِ خُلقتُ ولي غُذّيتِ. ولم يزل يتعاهدها حتي قُطِعت وحتي عرف الموضع الذي يُصلب عليها بالکوفة. قال: وکان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورک فأحسن جواري. فيقول له عمرو: أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حکيم؟

[صفحه 319]

وهو لا يعلم ما يريد. وحجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل علي اُمّ سلمة رضي اللَّه عنها، فقالت: من أنت؟ قال: أنا ميثم. قالت: واللَّه لربّما سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يوصي بک عليّاً في جوف الليل. فسألها عن الحسين، قالت: هو في حائط[6] له. قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن مُلتقون عند ربّ العالمين إن شاء اللَّه. فدعت له بطيبٍ فطيّبت لحيته، وقالت له: أما إنّها ستُخضَبُ بدمٍ.

فقدم الکوفة فأخذه عبيد اللَّه بن زياد فاُدخل عليه فقيل: هذا کان من آثر الناس عند عليّ. قال: ويحکم هذا الأعجمي؟! قيل له: نعم. قال له عبيد اللَّه: أين ربّک؟ قال: بالمرصاد لکلّ ظالم وأنت أحد الظلمة. قال: إنّک علي عُجمتک لتبلغ الذي تريد، ما أخبرک صاحبک أنّي فاعل بک؟ قال: أخبرني أنّک تصلبني عاشر عشرة، أناأقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة. قال: لنخالفنّه.

قال: کيف تُخالفه؟! فواللَّه ما أخبرني إلّا عن النبيّ صلي الله عليه و سلم عن جبرئيل عن اللَّه تعالي، فکيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الذي اُصلب عليه أين هو من الکوفة، وأنا أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم التمّار للمختار: إنّک تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا. فلمّا دعا عبيد اللَّه بالمختار ليقتله طلع بريد بکتاب يزيد إلي عبيد اللَّه يأمره بتخلية سبيله فخلّاه، وأمر بميثم أن يصلب، فاُخرج فقال له رجل لَقِيَه: ما کان أغناک عن هذا يا ميثم! فتبسّم وقال وهو يومئ إلي النخلة: لها خُلقت ولي غُذّيت، فلمّا رُفِعَ علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث. قال عمرو: قد کان واللَّه يقول: إنّي مجاورک. فلمّا صُلب أمر جاريته

[صفحه 320]

بکنس تحت خشبته ورشّه وتجميره،[7] فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحکم هذا العبد. فقال: ألجموه. فکان أوّل خلق اللَّه اُلجم في الإسلام. وکان مقتل ميثم رحمة اللَّه عليه قبل قدوم الحسين بن عليّ عليه السلام العراق بعشرة أيّام، فلمّاکان يوم الثالث من صلبه، طُعن ميثم بالحربة، فکبّر ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً.[8] .

6724- رجال الکشّي عن حمزة بن ميثم: خرج أبي إلي العمرة، فحدّثني قال: استأذنت علي اُمّ سلمة رحمة اللَّه عليها، فضربت بيني وبينها خدراً، فقالت لي: أنت ميثم؟ فقلت: أنا ميثم. فقالت: کثيراً ما رأيت الحسين بن عليّ، ابن فاطمة صلوات اللَّه عليهم يذکرک. قلت: فأين هو؟ قالت: خرج في غنم له آنفاً. قلت: أنا واللَّه اُکثر ذکره فاقرئيه السلام فإنّي مبادر. فقالت: يا جارية اخرجي فادهنيه، فخرجت فدهنت لحيتي ببان. فقلت: أما واللَّه لئن دهنتها لتخضبنّ فيکم بالدماء. فخرجنا فإذا ابن عبّاس رحمة اللَّه عليهما جالس، فقلت: يا ابن عبّاس سلني ما شئت من تفسيرالقرآن، فإنّي قرأت تنزيله علي أميرالمؤمنين عليه السلام وعلّمني تأويله. فقال: يا جارية الدواة وقرطاساً، فأقبل يکتب. فقلت: يا بن عبّاس، کيف بک إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة أقصرهم خشبةً وأقربهم بالمطهرة.

فقال لي: وتکهن أيضاً خرق الکتاب. فقلت: مه احتفظ بما سمعت منّي فإن يک ما أقول لک حقّاً أمسکته، وإن يک باطلاً خرقته. قال: هو ذاک.

فقدم أبي علينا فما لبث يومين حتي أرسل عبيد اللَّه بن زياد، فصلبه تاسع

[صفحه 321]

تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلي المطهرة، فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة، وهو يقول: أما واللَّه لقد کنت ما علمتک إلّا قوّاماً، ثمّ طعنه في خاصرته فأجافه فاحتقن الدم فمکث يومين، ثمّ إنّه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دماً، فخضبت لحيته بالدماء.[9] .

6725- خصائص الأئمّة عليهم السلام عن ابن ميثم التمّار: سمعت أبي يقول: دعاني أميرالمؤمنين عليه السلام يوماً فقال لي: يا ميثم کيف أنت إذا دعاک دعيّ بني اُميّة عبيد اللَّه بن زياد إلي البراءة منّي؟ قلت: إذاً واللَّه أصبر، وذاک في اللَّه قليل.

قال: يا ميثم، إذاً تکون معي في درجتي.

وکان ميثم يمرّ بعريف قومه فيقول: يا فلان، کأنّي بک قد دعاک دعيّ بني اُميّة وابن دعيّها فيطلبني منک، فتقول هو بمکّة، فيقول: لا أدري ما تقول، ولا بدّ لک أن تأتي به، فتخرج إلي القادسيّة فتقيم بها أيّاماً، فإذا قدمتُ عليک ذهبتَ بي إليه حتي يقتلني علي باب دار عمرو بن حريث، فإذا کان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط. قال: وکان ميثم يمرّ في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها، ويقول: يا نخلة ما غذّيتِ إلّا لي، وکان يقول لعمرو بن حريث: إذا جاورتک فأحسن جواري، فکان عمرو يري أنّه يشتري عنده داراً أو ضيعةً له بجنب ضيعته، فکان عمرو يقول: سأفعل. فأرسل الطاغية عبيد اللَّه بن زياد إلي عريف ميثم يطلبه منه، فأخبره أنّه بمکّة، فقال له: إن لم تأتني به لأقتلنّک فأجّله أجلاً، وخرج العريف إلي القادسيّة ينتظر ميثماً، فلمّا قدم ميثم أخذ بيده فأتي به عبيد اللَّه بن زياد، فلمّا أدخله عليه، قال له: ميثم؟ قال: نعم. قال: اِبرأ من أبي تراب. قال: لا أعرف أباتراب. قال: اِبرأ من عليّ بن أبي طالب. قال: فإن لم

[صفحه 322]

أفعل؟ قال: إذاً واللَّه أقتلک. قال: أما إنّه قد کان يقال لي إنّک ستقتلني، وتصلبني علي باب عمرو بن حريث، فإذا کان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط. قال: فأمر بصلبه علي باب عمرو بن حريث. فقال للناس: سلوني، سلوني- وهو مصلوب- قبل أن أموت، فواللَّه لاُحدّثنّکم ببعض ما يکون من الفتن، فلمّا سأله الناس وحدّثهم، أتاه رسول من ابن زياد- لعنه اللَّه- فألجمه بلجام من شريط، فهو أوّل من اُلجم بلجام وهو مصلوب، ثمّ أنفذ إليه من وَجأ جوفه حتي مات، فکانت هذه من دلائل أمير المؤمنين عليه السلام.[10] .

6726- رجال الکشّي عن سدير عن أبيه أبي حکيم: اجتمعنا سبعة من التمّارين فاتّعدنا لحمله فجئنا إليه ليلاً والحرّاس يحرسونه، وقد أوقدوا النار فحالت بيننا وبينهم، فاحتملناه بخشبته حتي انتهينا به إلي فيض من ماء في مراد فدفناه فيه، ورمينا بخشبته في مراد في الخراب، وأصبح فبعث الخيل فلم يجد شيئاً.[11] .



صفحه 318، 319، 320، 321، 322.





  1. رجال الطوسي: 802:81، الاختصاص: 7.
  2. رجال الطوسي: 951:96.
  3. رجال الطوسي: 1034:105، الاختصاص: 8، رجال الکشّي: 136:294:1؛ الإصابة: 8493:250:6.
  4. الإرشاد: 323:1، إعلام الوري: 342:1؛ الإصابة: 8439:249:6، شرح نهج البلاغة: 291:2.
  5. الإرشاد: 323:1.
  6. الحائط هاهنا البُسْتان من النخيل إذا کان عليه حائط وهُو الجِدار (النهاية: 462:1).
  7. أجْمَرت الثوبَ وجَمَّرته إذا بَخَّرْته بالطيب (النهاية: 293:1).
  8. الإرشاد: 323:1، إعلام الوري: 341:1؛ الإصابة: 8493:249:6 عن المؤيّد بن النعمان، شرح نهج البلاغة: 291:2 عن أحمد بن الحسن الميثمي نحوه وراجع الاختصاص: 76.
  9. رجال الکشّي: 136:294:1، بحارالأنوار: 11:128:42.
  10. خصائص الأئمّة عليهم السلام: 54، رجال الکشّي: 139:295:1 نحوه وفي صدره «يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم النهرواني يقول: دعاني أميرالمؤمنين عليه السلام وقال: کيف أنت يا ميثم إذا...».
  11. رجال الکشّي: 138:295:1، بحارالأنوار: 12:129:42.