عمرو بن الحمق الخزاعي











عمرو بن الحمق الخزاعي



عمرو بن الحمق بن الکاهن الخزاعي. صحابيّ جليل من صحابة رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم،[1] وأميرالمؤمنين عليه السلام،[2] والإمام الحسن عليه السلام.[3] .

أسلم بعد الحديبية،[4] وتعلّم الأحاديث من النبيّ صلي الله عليه و سلم. وکان من الصفوة الذين حرسوا «حقّ الخلافة» بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم ؛ فوقف إلي جانب أميرالمؤمنين عليه السلام بإخلاص.[5] واشترک في ثورة المسلمين علي عثمان، ورفع صوت الحقّ إزاء

[صفحه 238]

التغيّرات الشاذّة التي حصلت في هذا العصر.[6] .

شهد حروب أميرالمؤمنين عليه السلام وساهم فيها بکلّ صلابة وثبات.[7] وکان ولاؤه للإمام عليه السلام عظيماً حتي قال له: ليت أنّ في جُندي مائة مثلک.[8] .

أجل، کان عمرو مهتدياً، عميق النظر. وکان من بصيرته بحيث يري نفسه فانياً في عليّ عليه السلام، وکان يقول له بإيمانٍ ووعي: ليس لنا معک رأي.

وکان عمرو صاحباً لحجر بن عديّ ورفيق دربه. وصيحاته المتعالية ضدّ ظلم الاُمويّين[9] هي التي دفعت معاوية إلي الهمّ بقتله.

وقتله سنة 50 ه، بعد أن کان قد سجن زوجته الکريمة بغية استسلامه.[10] .

واُرسل برأسه إلي معاوية.[11] وهو أوّل رأس في الإسلام يُحمَل من بلد إلي بلد.[12] .

[صفحه 239]

عبّر عنه الإمام أبوعبد اللَّه الحسين عليه السلام ب «العبد الصالح الذي أبْلَتْه العبادة»، وذلک في رسالته البليغة القارعة التي بعثها إلي معاوية، ووبّخه فيهالارتکابه جريمة قتله.[13] .

6635 - الإمام الکاظم عليه السلام: إذا کان يوم القيامة... ينادي منادٍ: أين حواري عليّ بن أبي طالب عليه السلام وصيّ محمّد بن عبد اللَّه رسول اللَّه؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، ومحمّد بن أبي بکر، وميثم بن يحيي التمّار مولي بني أسد، واُويس القرني.[14] .

6636- وقعة صفّين- في أحداث ما بعد رفع المصاحف-: قام عمرو بن الحمق فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّا واللَّه ما أجبناک ولا نصرناک عصبيّة علي الباطل، ولا أجبنا إلّا اللَّه عزّ وجلّ، ولا طلبنا إلّا الحقّ، ولو دعانا غيرک إلي ما دعوت إليه لاستشري[15] فيه اللجاج، وطالت فيه النجوي، وقد بلغ الحقّ مقطَعه، وليس لنا معک رأي.[16] .

6637- وقعة صفّين عن عبد اللَّه بن شريک: قال عمرو بن الحمق: إنّي واللَّه يا أميرالمؤمنين، ما أجبتک ولا بايعتک علي قرابة بيني وبينک، ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان يُرفع ذکري به، ولکن أحببتک لخصال خمس: إنّک ابن عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وأوّل من آمن به، وزوج سيّدة نساء الاُمّة فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه و سلم، وأبوالذرّيّة التي بقيت فينا من رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وأعظم رجل من

[صفحه 240]

المهاجرين سهماً في الجهاد.

فلو أنّي کُلِّفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي[17] حتي يأتي عليَّ يومي في أمر اُقوِّي به وليّک، واُوهن به عدوّک، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه کلّ الذي يحقّ عليَّ من حقّک.

فقال أمير المؤمنين عليّ: اللهمّ نوِّر قلبه بالتقي، واهدِه إلي صراط مستقيم، ليت أنّ في جندي مائة مثلک!

فقال حُجر: إذاً واللَّه يا أميرالمؤمنين، صحّ جندُک، وقلّ فيهم من يغشّک.[18] 6638- تاريخ الطبري:- في ذکر طلب زياد ومتابعته أصحابَ حُجْر-: فخرج عمرو بن الحمِق ورفاعة بن شدّاد حتي نزلا المدائن، ثمّ ارتحلا حتي أتيا أرض المَوصِل،[19] فأتيا جبلاً فکَمِنا فيه، وبلغ عامل ذلک الرستاق أنّ رجلين قد کمنا في جانب الجبل، فاستنکر شأنهما- وهو رجل من همدان يقال له: عبد اللَّه بن أبي بلتعة- فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلمّا انتهي إليهما خرجا.

فأمّا عمرو بن الحمِق فکان مريضاً، وکان بطنه قد سَقَي،[20] فلم يکن عنده امتناع، وأمّا رفاعة بن شدّاد- وکان شابّاً قويّاً- فوثب علي فرس له جواد، فقال

[صفحه 241]

له: اُقاتل عنک؟ قال: وما ينفعني أن تقاتل! انجُ بنفسک إن استطعت، فحمل عليهم، فأفرجوا له، فخرج تنفِر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه- وکان رامياً- فأخذلا يلحقه فارس إلّا رماه فجرحه أو عقره، فانصرفوا عنه، واُخذ عمرو بن الحمق، فسألوه: من أنت؟ فقال: من إن ترکتموه کان أسلم لکم، وإن قتلتموه کان أضرّ لکم، فسألوه، فأبي أن يُخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة إلي عامل الموصل- وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان الثقفي- فلمّا رأي عمرو بن الحمق عرفه، وکتب إلي معاوية بخبره.

فکتب إليه معاوية: إنّه زعم أنّه طعن عثمان بن عفّان تسع طعنات بمشاقص[21] کانت معه، وإنّالا نريد أن نعتدي عليه، فاطعنْه تسع طعنات کما طعن عثمان، فاُخرج فطُعن تسع طعنات، فمات في الاُولي منهنّ أو الثانية.[22] .

6639- تاريخ اليعقوبي: بلغ عبدَ الرحمن بن اُمّ الحکم- وکان عامل معاوية علي الموصل- مکانُ عمرو بن الحمق الخزاعي، ورفاعة بن شدّاد، فوجّه في طلبهما، فخرجا هاربين، وعمرو بن الحمق شديد العلّة، فلمّا کان في بعض الطريق لدغت عمراً حيّة، فقال: اللَّه أکبر! قال لي رسول اللَّه: «يا عمرو! ليشترک في قتلک الجنّ والإنس» ثمّ قال لرفاعة: امض لشأنک؛ فإنّي مأخوذ ومقتول.

ولحقته رسل عبد الرحمن بن اُمّ الحکم، فأخذوه وضُربت عنقه، ونُصب رأسه علي رمح، وطِيفَ به، فکان أوّل رأس طيف به في الإسلام.

وقد کان معاوية حبس امرأته بدمشق، فلمّا أتي رأسه بعث به، فوُضع في

[صفحه 242]

حجرها، فقالت للرسول: أبلغ معاوية ما أقول: طالبه اللَّه بدمه، وعجّل له الويل من نقمه! فلقد أتي أمراً فريّاً، وقتل بَرّاً نقيّاً!

وکان أوّل من حبس النساء بجرائر الرجال.[23] .

6640- الاختصاص: کان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا صار الأمر إلي معاوية انحاز إلي شهرزور من الموصل وکتب إليه معاوية:

أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه أطفأ النائرة،[24] وأخمد الفتنة، وجعل العاقبة للمتّقين، ولست بأبعد أصحابک همّة، ولا أشدّهم في سوء الأثر صنعاً، کلّهم قد أسهل بطاعتي، وسارع إلي الدخول في أمري، وقد بطؤ بک ما بطؤ، فادخل فيما دخل فيه الناس، يُمحَ عنک سالف ذنوبک، ومُحِي داثر حسناتک، ولعلّي لا أکون لک دون من کان قبلي إن أبقيت واتّقيت ووقيت وأحسنت، فاقدم عليَّ آمناً في ذمّة اللَّه وذمّة رسوله صلي الله عليه و سلم، محفوظاً من حسد القلوب وإحَن الصدور، وکفي باللَّه شهيداً.

فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله وجاء برأسه، وبعث به إلي امرأته فوُضع في حجرها، فقالت: سترتموه عنّي طويلاً وأهديتموه إليَّ قتيلاً! فأهلاً وسهلاً من هديّة غير قالية ولا مقليّة، بلّغ أيّها الرسول عنّي معاوية ما أقول: طلب اللَّه بدمه، وعجّل الوبيل من نقمه! فقد أتي أمراً فريّاً وقتل بارّاً تقيّاً! فأبلغْ أيّها الرسول معاوية ما قلتُ.

فبلّغ الرسول ما قالت، فبعث إليها، فقال لها: أنت القائلة ما قلتِ؟ قالت: نعم، غير ناکلة عنه ولا معتذرة منه، قال لها: اُخرجي من بلادي، قالت: أفعل، فواللَّه

[صفحه 243]

ما هو لي بوطن ولا أحنُّ فيها إلي سجن، ولقد طال بها سهري واشتدّ بها عبري، وکثر فيها دَيني من غير ما قرّت به عيني.

فقال عبد اللَّه بن أبي سرح الکاتب: يا أميرالمؤمنين! إنّها منافقة فألحقها بزوجها، فنظرت إليه فقالت: يا من بين لحييه کجثمان الضفدع، ألا قلت من أنعمک خلعاً وأصفاک کساءً! إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب، واتّخذ العباد کالأرباب، فاُنزل کفره في الکتاب! فأومي معاوية إلي الحاجب بإخراجها، فقالت: وا عجباه من ابن هند، يشير إليَّ ببنانه ويمنعني نوافذ لسانه، أما واللَّه لأبقرنّه بکلام عتيد کنواقد الحديد، أو ما أنا بآمنة بنت الشريد.[25] .

6641- الإمام الحسين عليه السلام- من کتابه إلي معاوية-: أ وَلست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه وصفرت لونه، بعدما آمنته وأعطيته من عهود اللَّه ومواثيقه، ما لو أعطيته طائراً لنزل إليک من رأس الجبل، ثمّ قتلته جرأةً علي ربّک، واستخفافاً بذلک العهد؟[26] .



صفحه 238، 239، 240، 241، 242، 243.





  1. الطبقات الکبري: 25:6، تهذيب الکمال: 4353:597:21، المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:205:4؛ الجمل: 15:104.
  2. رجال الطوسي: 644:70.
  3. رجال الطوسي: 940:95، المناقب لابن شهر آشوب: 40:4.
  4. الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:205:4، تهذيب الکمال: 4353/597/21، المعارف لابن قتيبة: 291 وفيهما «بايع رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم في حجّة الوداع، وصحبه بعد ذلک».
  5. الاختصاص: 7، رجال الکشّي: 78:186:1.
  6. الطبقات الکبري: 25:6، أنساب الأشراف: 219:6، تاريخ الطبري: 393:4، تهذيب الکمال: 4353:597:21، المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:206:4 وفيهما «هو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار»، مروج الذهب: 352:2؛ تاريخ اليعقوبي: 176:2.
  7. الطبقات الکبري: 25:6، تهذيب الکمال: 4353:597:21، المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:206:4.
  8. وقعة صفّين: 104، الاختصاص: 15 وفيه «شيعتي» بدل «جندي».
  9. المعارف لابن قتيبة: 291، الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:206:4 وفيهاأعان حجر بن عديّ».
  10. تاريخ اليعقوبي: 232:2؛ اُسد الغابة: 3912:206:4.
  11. تهذيب الکمال: 4353:597:21، المعارف لابن قتيبة: 292، الاستيعاب: 1931:258:3، اُسد الغابة: 3912:206:4.
  12. الطبقات الکبري: 25:6، أنساب الأشراف: 282:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 88:4.
  13. رجال الکشّي: 99:253:1، الاحتجاج: 164:90:2؛ أنساب الأشراف: 129:5 نحوه.
  14. رجال الکشّي: 20:41:1 عن أسباط بن سالم.
  15. وفي نسخة: «لکان فيه اللجاج». واستشري: لجّ وتمادي وجدّ (لسان العرب: 429:14).
  16. وقعة صفّين: 482 وراجع الإمامة والسياسة: 144:1.
  17. طما البحر: ارتفع بموجه (النهاية: 139:3).
  18. وقعة صفّين: 103، الاختصاص: 14 نحوه وفيه «شيعتي» بدل «جندي».
  19. المَوصِل: المدينة المشهورة، قالوا سُمّيت الموصل لأ نّها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين دجلة والفرات، وقيل: لأ نّها وصلت بين بلد سنجار والحديثة. وهي مدينة قديمة الاُسّ علي طرف دجلة، ومقابلها من الجانب الشرقي نينوي (معجم البلدان: 223:5).
  20. يُقال: سقي بطنُه: أي حصل فيه الماء الأصفر (النهاية: 382:2).
  21. المشاقص: جمع مِشْقَص؛ وهو فصل السهم إذا کان طويلاً غير عريض (النهاية: 490:2).
  22. تاريخ الطبري: 265:5، الکامل في التاريخ: 492:2 نحوه.
  23. تاريخ اليعقوبي: 231:2.
  24. النائرة: الحقد والعداوة، وقيل: الکائنة تقع بين القوم (لسان العرب: 247:5).
  25. الاختصاص: 16 وراجع بلاغات النساء: 87.
  26. رجال الکشّي: 99:253:1، الاحتجاج: 164:90:2 نحوه؛ أنساب الأشراف: 129:5 وفيه إلي «وصفّرت لونه»، الإمامة والسياسة: 202:1 کلاهما نحوه.