عمار بن ياسر
شهد له رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم بأنّه يزول مع الحقّ، وأنّه الطيّب المطيَّب وأنّه مُلئ إيماناً. وأکّد أنّ النارلا تمسّه أبداً. وهو ممّن حرس- بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم- «خلافة الحقّ» و«حقّ الخلافة»، ولم يَنکُب عن الصراط المستقيم قطّ،[2] وصلّي مع أمير المؤمنين عليه السلام علي جنازة السيّدة المطهّرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام،[3] وظلّ ملازماً للإمام صلوات اللَّه عليه. ولي الکوفة مدّةً في عهد عمر.[4] وکان قائداً للجيوش في فتح بعض الأقاليم.[5] ولمّا حکم عثمان کان من المعارضين له بجدٍّ.[6] وانتقد سيرته مراراً، [صفحه 225] حتي همّ بنفيه إلي الربذة لولا تدخّل الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، إذ حال دون تحقيق هدفه.[7] . ضُرب بأمر عثمان لصراحته، وفعل به ذلک أيضاً عثمان نفسه، وظلّ يعاني من آثار ذلک الضرب إلي آخر عمره.[8] . وکان لاشتراکه الفعّال في حرب الجمل، وتصدّيه لقيادة الخيّالة في جيش الإمام عليه السلام مظهر عظيم.[9] کما تولّي في صفّين قيادة رجّالة الکوفة والقرّاء.[10] تحدّث مع عمرو بن العاص وأمثاله من مناوئي الإمام عليه السلام في غير موطن، وکشف الحقّ بمنطقه البليغ واستدلالاته الرصينة.[11] . وفي صفّين استُشهد هذا الصحابيّ الجليل والنموذج المتألّق،[12] فتحقّقت بذلک النبوءة العظيمة لرسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؛ إذ کان قد خاطبه قائلاً: تقتلک الفئة الباغية.[13] وکان له من العمر إبّان استشهاده ثلاث وتسعون سنة.[14] . [صفحه 226] نُقل الخبر الغيبي الذي أدلي به النبيّ صلي الله عليه و سلم حول قتل الفئة الباغية عمّارَ بن ياسر بألفاظ متشابهة، وطرق متعدّدة. وکان الناس ينظرون إلي عمّار بوصفه المقياس في تمييز الحقّ والباطل. واُثر هذا الحديث بصيغة: «تقتلک الفئة الباغية»، وبصيغة: «تقتل عمّاراً الفئة الباغية»، وبصيغة: «تقتله الفئة الباغية» علي لسان سبعة وعشرين من الصحابة، وهم: أبوسعيد الخدري، وعمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، ومعاوية، وأبوهريرة، وأبورافع، وخزيمة بن ثابت، وأبواليسر، وعمّار، واُمّ سلمة، وقتادة بن النعمان، وأبوقتادة، وعثمان بن عفّان، وجابر بن سَمُرة، وکعب بن مالک، وأنس بن مالک، وجابر بن عبد اللَّه، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عبّاس، وأبوأيّوب، وعبد اللَّه بن أبي هذيل، وعبد اللَّه بن عمر، وأبوسعد، وأبواُمامة، وزياد بن الفرد، وعائشة.[15] . [صفحه 227] وصرّح البعض بتواتره کابن عبد البرّ،[16] والذهبي،[17] والسيوطي.[18] وأثار هذا الحديث مشکلة لمعاوية بعد استشهاد عمّار، فحاول توجيهه بقوله: ما نحن قتلناه وإنّما قتله مَنْ جاء به![19] فقال الإمام عليه السلام في جوابه: فرسول اللَّه صلي الله عليه و سلم إذن قاتلُ حمزة![20] . ولا يمکن لهذه الصفحات القليلة أن تفي بحقّ تلک الشخصيّة العظيمة قط. وأترککم مع هذه النصوص من الروايات والتاريخ، التي بيّنت لنا غيضاً من فيض فيما يرتبط بهذه القمّة الرفيعة شرفاً، واستقامة، وحرّيّة. 6606- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: إنّ الجنّة لتشتاق إلي ثلاثة: عليّ وعمّار وسلمان.[21] . 6607- الإمام عليّ عليه السلام- لرسول اللَّه صلي الله عليه و سلم-: يا رسول اللَّه، إنّک قلت: «إنّ الجنّة لتشتاق إلي ثلاثة» فمن هؤلاء الثلاثة؟ قال: أنت منهم وأنت أوّلهم، وسلمان الفارسي؛ فإنّه قليل الکبر، وهو لک ناصح؛ فاتّخذْه لنفسک، وعمّار بن ياسر شهد معک مشاهد غير واحدة، ليس منها إلّا وهو فيها کثيرٌ خيرُه، ضويّ نوره، عظيم [صفحه 228] أجره.[22] . 6608- عنه عليه السلام: جاء عمّار يستأذن علي النبيّ صلي الله عليه و سلم فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيّب المطيَّب.[23] . 6609- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: مُلِئ عمّار إيماناً إلي مُشاشه.[24] [25] . 6610- عنه صلي الله عليه و سلم: ابن سميّة ما عُرض عليه أمران قطّ إلّا أخذ بالأرشد منهما.[26] . 6611- عنه صلي الله عليه و سلم: عمّارٌ خلط اللَّه الإيمان ما بين قرنه إلي قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحقّ حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأکل منه شيئاً.[27] . 6612- الإمام عليّ عليه السلام- في وصف عمّار-: ذلک امرؤ خالط اللَّه الإيمان بلحمه [صفحه 229] ودمه وشعره وبَشَره، حيث زال زال معه، ولا ينبغي للنار أن تأکل منه شيئاً.[28] . 6613- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: دم عمّار ولحمه حرام علي النار أن تأکله أو تمسّه.[29] . 6614- الإمام عليّ عليه السلام- في وصف عمّار بن ياسر-:... ذاک امرؤٌ حرّم اللَّه لحمه ودمه علي النار أن تمسّ شيئاً منهما.[30] . 6615- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: اللهمّ إنّک أولعتهم بعمّار يدعوهم إلي الجنّة، ويدعونه إلي النار.[31] . 6616- عنه صلي الله عليه و سلم: ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم إلي الجنّة، ويدعونه إلي النار، وذاک دأب الأشقياء الفجّار.[32] . 6617- عنه صلي الله عليه و سلم: يا عمّار بن ياسر! إن رأيت عليّاً قد سلک وادياً، وسلک الناس وادياً غيره، فاسلک مع عليّ؛ فإنّه لن يُدْليک في ردي، ولن يُخرجک من هدي.[33] . [صفحه 230] 6618- عنه صلي الله عليه و سلم: إذا اختلف الناس کان ابن سميّة مع الحقّ.[34] . 6619- المستدرک علي الصحيحين عن حبّة العرني: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري علي حذيفة بن اليمان أسأله عن الفتن، فقال: دوروا مع کتاب اللَّه حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سميّة فاتّبعوها؛ فإنّه يدور مع کتاب اللَّه حيثما دار. قال: فقلنا له: ومَن ابن سميّة؟ قال: عمّار، سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول له: لن تموت حتي تقتلک الفئة الباغية، تشرب شربة ضَياح[35] تکن آخر رزقک من الدنيا.[36] . 6620- الإمام عليّ عليه السلام: إنِّ امرأً من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمّار، ويدخل عليه بقتله مصيبةٌ موجعة، لَغيرُ رشيد، رحم اللَّه عمّاراً يوم أسلم، ورحم اللَّه عمّاراً يوم قُتل، ورحم اللَّه عمّاراً يوم يُبعث حيّاً! لقد رأيت عمّاراً ما يُذکر من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم أربعة إلّا کان الرابع، ولا خمسة إلّا کان الخامس، وما کان أحد من أصحاب محمّد صلي الله عليه و سلم يشکّ في أنّ عمّاراً قد وجبت له الجنّة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئاً له الجنّة! عمّار مع الحقّ أين دار، وقاتِل عمّار في النار.[37] . [صفحه 231] 6621- الأمالي للطوسي عن عمّار: لو لم يبق أحد إلّا خالف عليّ بن أبي طالب لما خالفته، ولا زالت يدي مع يده؛ وذلک لأنّ عليّاً لم يزَل مع الحقّ منذ بعث اللَّه نبيّه صلي الله عليه و سلم؛ فإنّي أشهد أنّه لا ينبغي لأحد أن يُفضِّل عليه أحداً.[38] . 6622- أنساب الأشراف عن أبي مخنف: إنّ المقداد بن عمرو وعمّار بن ياسر وطلحة والزبير في عدّة من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم کتبوا کتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان، وخوّفوه ربّه، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمّار الکتاب وأتاه به، فقرأ صدراً منه، فقال له عثمان: أ عليَّ تقدم من بينهم؟ فقال عمّار: لأنّي أنصحهم لک، فقال: کذبت يابن سميّة، فقال: أنا واللَّه ابن سميّة وابن ياسر. فأمر غلماناً له فمدّوا بيديه ورجليه، ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين علي مذاکيره، فأصابه الفتق، وکان ضعيفاً کبيراً، فغُشي عليه.[39] . 6623- أنساب الأشرف عن أبي مخنف: کان في بيت المال بالمدينة سَفَط[40] فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّي به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلک وکلّموه فيه بکلام شديد حتي أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء وإنْ رغِمَتْ اُنوف أقوام. فقال له عليّ: إذاً تُمنع من ذلک ويُحال بينک وبينه. وقال عمّار بن ياسر: اُشهد اللَّه أنّ أنفي أوّل راغم من ذلک، فقال عثمان: أ عليَّ يابن المَتْکاء[41] تجترئ؟ خذوه، فاُخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتي غُشي [صفحه 232] عليه، ثمّ اُخرج فحُمل حتي اُتي به منزل اُمّ سلمة زوج رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ وصلّي، وقال: الحمد للَّه، ليس هذا أوّل يوم اُوذينا فيه في اللَّه... وبلغ عائشة ما صنع بعمّار، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وثوباً من ثيابه، ونعلاً من نعاله، ثمّ قالت: ما أسرع ما ترکتم سنّة نبيّکم، وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يَبْلَ بعدُ! فغضب عثمان غضباً شديداً حتي ما دري ما يقول.[42] . 6624- تاريخ اليعقوبي: لمّا بلغ عثمان وفاة أبي ذرّ، قال: رحم اللَّه أباذرّ! قال عمّار: نعم! رحم اللَّه أباذرّ من کلّ أنفسنا، فغلظ ذلک علي عثمان. وبلغ عثمان عن عمّار کلام، فأراد أن يُسيّره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلي عليّ بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال عليّ:لا ندع عثمان ورأيه. فجلس عمّار في بيته، وبلغ عثمان ما تکلّمت به بنو مخزوم، فأمسک عنه.[43] . 6625- الکامل في التاريخ: خرج عمّار بن ياسر علي الناس فقال: اللهمّ إنّک تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاک في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته. اللهمّ إنّک تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاک في أن أضع ظُبة[44] سيفي في بطني ثمّ أنحني عليها حتي تخرج من ظهري لفعلته. وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضي لک من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم عملاً هو أرضي لک منه لفعلته. [صفحه 233] واللَّه إنّي لأري قوماً ليضربُنّکم ضرباً يرتاب منه المبطلون، وايم اللَّه لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هَجَر، لعلمت أنّا علي الحقّ وأنّهم علي الباطل. ثمّ قال: من يبتغي رضوان اللَّه ربّه ولا يرجع إلي مال ولا ولد؟ فأتاه عصابة، فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان، واللَّه ما أرادوا الطلب بدمه ولکنّهم ذاقوا الدنيا واستحبّوها، وعلموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه منها، ولم يکن لهم سابقة يستحقّون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم وإن قالوا: إمامنا قُتل مظلوماً، ليکونوا بذلک جبابرة ملوکاً، فبلغوا ما ترون، فلولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان. اللهمّ إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادک العذابَ الأليم.[45] . 6626- رجال الکشّي عن حمران بن أعين عن الإمام الباقر عليه السلام: قلت: ما تقول في عمّار؟ قال: رحم اللَّه عمّاراً، ثلاثاً! قاتل مع أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه وآله، وقُتل شهيداً. قلت في نفسي: ما تکون منزلة أعظم من هذه المنزلة؟ فالتفت إليَّ، فقال: لعلّک تقول مثل الثلاثة! هيهات! قلت: وما علمه أنّه يُقتل في ذلک اليوم؟ قال: إنّه لمّا رأي الحرب لا تزداد إلّا شدّة، والقتل لا يزداد إلّا کثرة، ترک الصفّ وجاء إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين، هو هو؟ قال: ارجع إلي صفّک، فقال له ذلک ثلاث مرّات، کلّ ذلک يقول له: ارجع إلي صفّک، فلمّا أن [صفحه 234] کان في الثالثة قال له: نعم. فرجع إلي صفّه وهو يقول: اليوم ألقي الأحبّة، محمّداً وحزبه.[46] . 6627- الإمام عليّ عليه السلام- في الديوان المنسوب إليه ممّا أنشده في شهادة عمّار-: ألا أيّها الموت الذي ليس تارکي أراک مضرّاً بالذين أحبّهم 6628- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: بشّرْ قاتل ابن سميّة بالنار.[48] . 6629- عنه صلي الله عليه و سلم- في عمّار-: إنّ قاتله وسالبه في النار.[49] . 6630- عنه صلي الله عليه و سلم: ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلي الجنّة ويدعونه إلي النار.[50] . 6631- المناقب لابن شهر آشوب: کثر أصحاب الحديث علي شريک،[51] وطالبوه بأنّه يُحدّثهم بقول النبيّ صلي الله عليه و سلم: «تقتلک الفئة الباغية» فغضب وقال: أ تدرون أن لا فخر لعليّ أن يُقتل معه عمّار، إنّما الفخر لعمّار أن يُقتل مع [صفحه 235] عليّ عليه السلام.[52] . 6632- الکامل في التاريخ: إنّ أباالغارية قتل عمّاراً وعاش إلي زمن الحجّاج، ودخل عليه فأکرمه الحجّاج وقال له: أنت قتلت ابن سميّة- يعني عمّاراً-؟ قال: نعم... ثمّ سأله أبوالغارية حاجته فلم يُجِبه إليها، فقال: نوطّئ لهم الدنيا، ولا يعطونا منها، ويزعم أنّي عظيم الباع يوم القيامة! فقال الحجّاج: أجل واللَّه، من کان ضرسه مثل اُحد، وفخذه مثل جبل ورقان، ومجلسه مثل المدينة والربذة إنّه لعظيم الباع يوم القيامة، واللَّه لو أنّ عمّاراً قتله أهل الأرض کلّهم لدخلوا کلّهم النار.[53] . راجع: القسم السادس/وقعة صفّين/اشتداد القتال/استشهاد عمّار بن ياسر.
عمّار بن ياسر بن عامر المَذْحِجيُّ، أبواليقظان، واُمّه سميّة، وهي أوّل من استشهد في سبيل اللَّه. من السابقين إلي الإيمان والهجرة، ومن الثابتين الراسخين في العقيدة؛ فقد تحمّل تعذيب المشرکين مع أبوَيه منذ الأيّام الاُولي لبزوغ شمس الإسلام، ولم يداخله ريب في طريق الحقّ لحظة واحدة.[1] .
أرحني فقد أفنيت کلّ خليلِ
کأنّک تنحو نحوهم بدليلِ[47] .
صفحه 225، 226، 227، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 235.