العكبر بن جدير











العکبر بن جدير



بطل مقدام ومقاتل لا يکلّ. وکان له لسان بليغ وبيان يأخذ بالقلوب. اشترک في صفّين، واستبسل حتي أهدر معاوية دمه غيظاً. وکان ينظم الشعر أيضاً،

[صفحه 220]

ونلحظ في شعره الفيّاض إعلاءً لملحمة الحقّ، وإخزاءً لحزب الطلقاء.[1] .

6604- وقعة صفّين عن زيد بن وهب- في ذکر وقعة صفّين-: کان فارسَ أهل الکوفة الذي لا ينازَع رجلٌ کان يقال له: العَکْبَر بن جدير الأسدي، وکان فارسَ أهل الشام الذي لا ينازَع عوفُ بن مُجْزَأة الکوفي المرادي المکنّي أباأحمر، وهو أبوالذي استنقذ الحجّاج بن يوسف يوم صُرع في المسجد بمکّة، وکان العکبر له عبادة ولسان لا يطاق.

فقام إلي عليّ فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّ في أيدينا عهداً من اللَّه لا نحتاج فيه إلي الناس، وقد ظننّا بأهل الشام الصبر وظنّوه بنا، فصبرنا وصبروا. وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة، وصبر أهل الحقّ علي أهل الباطل، ورغبة أهل الدنيا، ثمّ نظرت فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من کتاب اللَّه: «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَکُواْ أَن يَقُولُواْء َامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ لَيَعْلَمَنَّ الْکَذِبِينَ»[2] وأثني عليه عليّ خيراً، وقال خيراً.

وخرج الناس إلي مصافّهم وخرج عوف بن مجزأة المرادي نادراً[3] من الناس، وکذلک کان يصنع، وقد کان قتل قبل ذلک نفراً من أهل العراق مبارزةً، فنادي: يا أهل العراق، هل من رجل عصاه سيفه يبارزني، ولا أغرّکم من نفسي؛ فأنا فارس زَوْف.

فصاح الناس بالعکبر، فخرج إليه منقطعاً من أصحابه والناس وقوف، ووقف

[صفحه 221]

المرادي وهو يقول:


بالشام أمنٌ ليس فيه خوفُ
بالشام عدل ليس فيه حيفُ


بالشام جود ليس فيه سوفُ[4] .
أنا المراديّ ورهطي زَوْفُ


أنا ابن مجزاة وإسمي عوفُ
هل من عراقيِّ عصاه سيفُ


يبرز لي وکيف لي وکيفُ

فبرز إليه العکبر وهو يقول:


الشام محلٌ والعراق تمطرُ
بها الإمام والإمام معذِرُ


والشام فيها للإمام مُعْوِرُ[5] .
أنا العراقيُّ وإسمي العکبرُ


ابن جدير وأبوه المنذرُ
ادنُ فإنّي للکميّ مُصحِرُ


فاطّعنا فصرعه العکبر فقتله، ومعاوية علي التلّ في اُناس من قريش ونفر من الناس قليل، فوجّه العکبر فرسه فملأ فُروجه[6] رکضاً يضربه بالسوط، مسرعاً نحو التلّ، فنظر إليه معاوية فقال: إنّ هذا الرجل مغلوب علي عقله أو مستأمن، فاسألوه. فأتاه رجل وهو في حَمْي[7] رسه، فناداه فلم يجبه، فمضي مبادراً حتي انتهي إلي معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل، ورجا العکبر أن يفردوا له معاوية، فقتل رجالاً، وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح، فلمّا لم يصل إلي معاوية نادي: أولي لک[8] يا بن هند، أنا الغلام الأسدي. فرجع إلي عليّ فقال

[صفحه 222]

له: ماذا دعاک إلي ما صنعت يا عکبر؟لا تُلقِ نفسک إلي التهلکة. قال: أردت غرّة ابن هند. وکان شاعراً فقال:


قتلتُ المراديّ الذي جاء باغياً
ينادي وقد ثار العجاجُ: نَزَالِ


يقول أنا عوف بن مجزاةَ والمُني
لقاءُ ابن مجزاةٍ بيوم قتالِ


[إلي آخر الأبيات] وانکسر أهل الشام لقتل عوف المرادي، وهدر معاوية دم العکبر. فقال العکبر: يد اللَّه فوق يد معاوية، فأين دفاع اللَّه عن المؤمنين؟[9] .



صفحه 220، 221، 222.





  1. وقعة صفّين: 450 تا 452، أعيان الشيعة: 148:8.
  2. العنکبوت: 1 تا 3.
  3. أي شذّ وخرج من الجمهور (لسان العرب: 199:5) والمراد خرج وحيداً.
  4. يقال: فلان يقتات السَّوْفَ: أي يعيش بالأماني (لسان العرب: 164:9).
  5. رجلٌ مُعوِرٌ: قبيح السريرة (لسان العرب: 616:4).
  6. يقال للفرس: ملأ فرجه وفُرُوجه إذا عدا وأسرع (النهاية: 423:3).
  7. أي شدّة عدوه.
  8. أوْلَي لک: أي قَرب منک ما تکره، وهي کلمة تلهّف، يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة، وقيل هي کلمة تهدّد ووعيد (النهاية: 229:5).
  9. وقعة صفّين: 450.