عدي بن حاتم











عدي بن حاتم



عديّ بن حاتم بن عبد اللَّه الطائي يکني أباطريف، ابن سخيّ العرب المشهور حاتم الطائي،[1] وأحد الصحابة.[2] .

تولّي عديّ رئاسة قبيلته، وحضر عند رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم سنة (7 ه) وأسلم،[3] فأکرمه ورعي حرمته.[4] .

ظلّ وفيّاً للولاية العلويّة بعد وفاة النبيّ صلي الله عليه و سلم، وذاد عن حريم الحقّ والولاية.[5] .

شهد مع أميرالمؤمنين عليه السلام مشاهده.[6] ولمّا لحق أحد أولاده بمعاوية، برئ منه.[7] وکلماته أمام مساعير الفتنة دليل علي وعيه العميق للحوادث، وإدراکه السليم لموقف الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام، وثباته علي صراط الحقّ، ومن کلماته:

أيّها الناس، إنّه واللَّهِ لو غير عليٍّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه....[8] .

[صفحه 214]

اختاره الإمام عليه السلام لمفاوضة العدوّ في صفّين بسبب منطقه البليغ.[9] قتل أحد أولاده في إحدي حروب الإمام، کما فقد إحدي عينيه.[10] وکان معاوية يعظّمه ويرعي حرمته، بَيْد أ نّه کان يذکر الإمام عليه السلام في مناسبات مختلفة ويُثني عليه. ولم يتنازل عن موقفه الحقّ أمام معاوية.[11] .

توفي حوالي سنة 68 ه،[12] وله من العمر مائة وعشرون سنة.[13] .

6596- الإمامة والسياسة- في ذکر حرب صفّين واختلاف أصحاب الإمام في استمرار القتال-: ثمّ قام عديّ بن حاتم فقال: أيّها الناس، إنّه واللَّه لو غير عليّ دعانا إلي قتال أهل الصلاة ما أجبناه، ولا وقع بأمر قطّ إلّا ومعه من اللَّه برهان، وفي يديه من اللَّه سبب، وإنّه وقف عن عثمان بشبهة، وقاتل أهل الجمل علي النکث، وأهل الشام علي البغي.[14] .

6597- وقعة صفّين: جاء عديّ بن حاتم يلتمس عليّاً، ما يطأ إلّا علي إنسان ميّت أو قدم أو ساعد، فوجده تحت رايات بکر بن وائل، قال: يا أميرالمؤمنين، ألا نقوم حتي نموت؟

[صفحه 215]

فقال عليّ: ادنُه، فدنا حتي وضع اُذنه عند أنفه، فقال: ويحک، إنّ عامّة من معي يعصيني، وإنّ معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه.[15] .

6598- الجمل- في ذکر أحداث ما قبل حرب الجمل-: أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام علي عديّ بن حاتم فقال له: يا عديّ، أنت شاهد لنا، وحاضر معنا وما نحن فيه؟ فقال عديّ: شهدتک أو غبت عنک فأنا عندما أحببت، هذه خيولنا معدّة، ورماحنا محدّدة، وسيوفنا مجرّدة، فإن رأيت أن نتقدّم تقدّمنا، وإن رأيت أن نُحجم أحجمنا، نحن طوع لأمرک، فأمر بما شئت، نسارع إلي امتثال أمرک.[16] .

6599- تاريخ الطبري عن جعفر بن حُذيفة: إنّ عائذ بن قيس الحِزمري واثب عديَّ بن حاتم في الراية بصفّين- وکانت حِزمر أکثر من بني عديّ رهط حاتم- فَوثب عليهم عبد اللَّه بن خليفة الطائي البَوْلاني عند عليّ، فقال:

يا بني حِزمر، علي عديّ تتوثّبون! وهل فيکم مثل عديّ أو في آبائکم مثل أبي عديّ؟! أ ليس بحامي القربة ومانع الماء يوم رَويِّة؟ أ ليس بابن ذي المِرباع وابن جواد العرب؟! أ ليس بابن المُنهب ماله ومانع جاره؟! أ ليس من لم يغدر ولم يفجُر، ولم يجهل ولم يبخل، ولم يمنُن ولم يجبن؟! هاتوا في آبائکم مثل أبيه، أو هاتوا فيکم مثله.

أ وَليس أفضلکم في الإسلام؟! أ وَليس وافدکم إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؟! أ ليس برأسکم يوم النُّخيلة ويوم القادسيّة ويوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم نهاوند ويوم تُستَر؟! فما لکم وله؟! واللَّه ما من قومکم أحد يطلب مثل الذي تطلبون.

[صفحه 216]

فقال له عليّ بن أبي طالب: حسبک يابن خليفة، هلُمّ أيّها القوم إليّ، وعليَّ بجماعة طيّئ، فأتوه جميعاً، فقال عليّ: من کان رأسکم في هذه المواطن؟

قالت له طيّئ: عديّ.

فقال له ابن خليفة: فسلهم يا أميرالمؤمنين، أ ليسوا راضين مسلّمين لعديّ الرياسة؟ ففعل ، فقالوا: نعم، فقال لهم: عديّ أحقّکم بالراية، فسلّموها له.

فقال عليّ- وضجّت بنو الحِزْمِر-: إنّي أراه رأسکم قبل اليوم، ولا أري قومه کلّهم إلّا مسلّمين له غيرکم، فأتّبع في ذلک الکثرة، فأخذها عدي.[17] .

6600- وقعة صفّين عن المحلّ بن خليفة: لمّا توادع عليّ عليه السلام ومعاوية بصفّين، اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح، فأرسل عليّ بن أبي طالب إلي معاوية عديّ بن حاتم، وشَبثَ بن ربِعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن خصفة، فدخلوا علي معاوية، فحمد اللَّه عديُّ بن حاتم وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّا أتيناک لندعوک إلي أمر يجمع اللَّه به کلمتنا واُمّتنا، ويحقن اللَّه به دماء المسلمين، وندعوک إلي أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثاراً، وقد اجتمع له الناس، وقد أرشدهم اللَّه بالذي رأوا فأتوا، فلم يبقَ أحد غيرک وغير من معک، فانتهِ يا معاوية من قبل أن يصيبک اللَّه وأصحابک بمثل يوم الجمل.

فقال له معاوية: کأ نّک إنّما جئت متهدّداً ولم تأتِ مصلحاً. هيهات يا عديّ، کلّا واللَّه إنّي لابنُ حرب، ما يقعقع لي بالشنان.[18] أما واللَّه إنّک لمن المُجلبين علي ابن عفّان، وأنت لمن قتلتِه، وإنّي لأرجو أن تکون ممّن يقتله اللَّه. هيهات يا

[صفحه 217]

عديّ، قد حلبتُ بالساعد الأشدّ.[19] .

6601- مروج الذهب: ذکر أنّ عديّ بن حاتم الطائي دخل علي معاوية، فقال له معاوية: مافعلت الطرفات- يعني أولاده؟

قال: قُتلوا مع عليّ.

قال: ما أنصفک عليّ، قتل أولادک وبقّي أولاده.

فقال عديّ: ما أنصفتُ عليّاً إذ قتل وبقيت بعده.

فقال معاوية: أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلّا دم شريف من أشراف اليمن.

فقال عديّ: واللَّه إنّ قلوبنا التي أبغضناک بها لفي صدورنا، وإنّ أسيافنا التي قاتلناک بها لعلي عواتقنا، ولئن أدنيت إلينا من الغدر فتراً لندنينّ إليک من الشرّ شبراً، وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في عليّ، فسلّم السيف يا معاوية لباعث السيف.

فقال معاوية: هذه کلمات حکم فاکتبوها. وأقبل علي عديّ محادثاً له کأ نّه ما خاطبه بشي ء.[20] .

6602 - المحاسن والمساوئ: إنّ عديّ بن حاتم دخل علي معاوية بن أبي سفيان فقال: يا عديّ، أين الطَّرَفات؟ يعني بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة.

[صفحه 218]

قال: قُتلوا يوم صفّين بين يدي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

فقال: ما أنصفک ابن أبي طالب إذ قدّم بنيک وأخّر بنيه!

قال: بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قُتل وبقيتُ!

قال: صف لي عليّاً. فقال: إنّ رأيت أن تُعفيني.

قال: لا اُعفيک.

قال: کان واللَّه بعيد المدي وشديد القوي، يقول عدلاً ويحکم فضلاً، تتفجّر الحکمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وکان واللَّه غزير الدمعة طويل الفکرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب کفّيه علي ما مضي، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن، وکان فينا کأحدنا يُجيبنا إذا سألناه ويُدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نکلّمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فإن تبسّم فعن اللؤلؤ المنظوم، يُعظِّم أهل الدين، يتحبّب إلي المساکين، لا يخاف القويّ ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله.

فاُقسم، لقد رأيته ليلة وقد مثل في محرابه، وأرخي الليل سرباله وغارت نجومه، ودموعه تتحادر علي لحيته وهو يتململ تململ السليم، ويبکي بکاء الحزين، فکأ نّي الآن أسمعه وهو يقول: يا دنيا أ إليَّ تعرّضتِ أم إليَّ أقبلتِ؟ غرّي غيري، لا حان حينک، قد طلّقتک ثلاثاً لا رجعة لي فيک، فعيشک حقير وخطرک يسير، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر وقلّة الأنيس!

قال: فوکفت عينا معاوية ينشّفهما بکمّه، ثمّ قال: يرحم اللَّه أباالحسن! کان کذا فکيف صبرک عنه؟

قال: کصبر من ذبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ دمعتها ولا تسکن عبرتها.

[صفحه 219]

قال: فکيف ذکرک له؟

قال: وهل يترکني الدهر أن أنساه![21] .



صفحه 214، 215، 216، 217، 218، 219.





  1. اُسد الغابة: 3610:8:4، سير أعلام النبلاء: 26:163:3.
  2. تهذيب الکمال: 3884:525:19، تاريخ بغداد: 29:189:1، تاريخ دمشق: 66:40، سير أعلام النبلاء: 26:163:3.
  3. تهذيب الکمال: 3884/525/19، سير أعلام النبلاء: 26/163/3، الاستيعاب: 1800/168/3، وقيل «سنة عشرة».
  4. سير أعلام النبلاء: 26:163:3.
  5. رجال الکشّي: 186:1.
  6. تاريخ بغداد: 29:189:1، الطبقات الکبري: 22:6، الطبقات لخليفة بن خيّاط: 463:127، تهذيب الکمال: 3884/529/19، الاستيعاب: 1800/169/3؛ الجمل: 367، وقعة صفّين: 197.
  7. وقعة صفّين: 522 و 523.
  8. الإمامة والسياسة: 141:1.
  9. وقعة صفّين: 197؛ تاريخ الطبري: 5:5، الکامل في التاريخ: 367:2.
  10. الجمل: 367، وقعة صفّين: 360؛ الطبقات الکبري: 22:6، تهذيب الکمال: 3884:530:19، تاريخ دمشق: 69:40 و ص 92 و 93، سير أعلام النبلاء: 26:164:3.
  11. مروج الذهب: 13:3، أنساب الأشراف: 100:5، العقد الفريد: 86:3، تاريخ دمشق: 95:40.
  12. الطبقات الکبري: 22:6، تاريخ بغداد: 29:190:1، تاريخ دمشق: 69:40، المعارف لابن قتيبة: 313، سير أعلام النبلاء: 26:165:3.
  13. الطبقات لخليفة بن خيّاط: 463:127، تاريخ بغداد: 29:190:1، تاريخ دمشق: 69:40، المعارف لابن قتيبة: 313، سير أعلام النبلاء: 26:165:3.
  14. الإمامة والسياسة: 141:1.
  15. وقعة صفّين: 379.
  16. الجمل: 270.
  17. تاريخ الطبري: 9:5، الکامل في التاريخ: 369:2 نحوه.
  18. الشَّنُّ والشَّنَّة: الخَلَقُ من کلِّ آنية صُنِعَت من جلد، وجمعها شِنَانٌ (لسان العرب: 241:13).
  19. وقعة صفّين: 197؛ تاريخ الطبري: 5:5، الکامل في التاريخ: 367:2 کلاهما نحوه.
  20. مروج الذهب: 13:3 وراجع تاريخ دمشق: 95:40 والعقد الفريد: 86:3 والأمالي للسيّد المرتضي: 217:1.
  21. المحاسن والمساوئ: 46، وفي أکثر المصادر نقل هذا الکلام عن ضرار بن ضمرة. راجع: ضرار بن ضمرة الضبابي.