كلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة











کلام فيما نسب إلي ابن عبّاس من الخيانة



من الملاحظات المهمّة في حياة ابن عبّاس موضوع بيت المال بالبصرة؛ فقد جاء في المصادر التاريخيّة والحديثيّة کتاريخ الطبري، والکامل في التاريخ، وأنساب الأشراف، ورجال الکشّي، ونهج البلاغة (بلا ذکر لاسمه) وأمثالها أ نّه أخذ من بيت مال البصرة و يختلف أنظار الباحثين حول هذا الموضوع علي أقوال:

أ- أنکره بعض الباحثين وعلماء الرجال نظراً إلي:

- ضعف الأسانيد.

- جلالة ابن عبّاس وعلمه وفضله.

- ارتباطه الوثيق بالإمام عليّ عليه السلام وإخلاصه له وحبّه إيّاه.

- دور الاُمويّين في تشويه سمعة أصحاب الإمام عليه السلام.

ب- اعترف قسم منهم ببعض ما حصل، لأ نّه ورد في کتب کثيرة، وتناقله الناس آنذاک، وانتُقِد ابن عبّاس عليه يومئذٍ، فلم يرَ هؤلاء أنّ إنکاره أمر سهل.

ج- أقرّ بعضهم بأصل الموضوع وبتذکير الإمام عليه السلام إيّاه، فذهبوا إلي أ نّه وقف

[صفحه 200]

علي خطئه، وأعاد أکثر الأموال أو بعضها. وهذا ما ذکره اليعقوبي في تاريخه، ويبدو أنّ اليعقوبي قد تفرّد في نقله، غير أ نّه يمکن أن يکون مفيداً في تحليل الموضوع.

النقطة المهمّة التي ينبغي ألّا ننساها في مثل هذه الموضوعات هي دور المفتعِلين للحوادث والمُرجِفين. وقد وقف حسن بن زين الدين المشهور بصاحب المعالم علي دور الأمويّين في اختلاق هذه الحادثة ، وأکّده باحثون مثل السيّد جعفر مرتضي العاملي.

وسيتيسّر علينا فهم هذه النقطة إذا عرفنا أنّ ابن عبّاس- نظراً إلي مکانته السامية وسمعته العلميّة التي لا تُنکَر- کان المدافع الشجاع عن عليّ وآل عليّ عليهم السلام في ذلک العهد الأموي الأسود، کما کان المنتقد الجري ء للأمويّين والکاشف عن فضائحهم. علماً أ نّنا لا نقول بعصمته، ولا ننکر احتمال خطئه، بَيْدَ أ نّا نستبعد قبول جميع ما جاء في کتب التاريخ حول هذا الموضوع، ولا نراه لائقاً بشأن ابن عبّاس.[1] .

ولذا قال ابن أبي الحديد: قد أشکل عليَّ أمر هذا الکتاب، فإن أنا کذّبت النقل وقلت: هذا کلام موضوع علي أميرالمؤمنين عليه السلام، خالفت الرواة، فإنّهم قد أطبقوا علي رواية هذا الکلام عنه، وقد ذکر في أکثر کتب السِّيَر، وإن صرفته إلي عبد اللَّه بن عبّاس صدّني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أميرالمؤمنين عليه السلام في حياته وبعد وفاته، وإن صرفته إلي غيره لم أعلم إلي من أصرفه من أهل

[صفحه 201]

أميرالمؤمنين عليه السلام، والکلام يُشعر بأنّ الرجل المخاطب من أهله وبني عمّه، فأنا في هذا الموضع من المتوقّفين![2] .



صفحه 200، 201.





  1. ولمزيد الاطّلاع علي هذا الموضوع راجع: أعيان الشيعة: 57:8 وقاموس الرجال: 423:6 ومعجم رجال الحديث: 233:10 تا 239، ونهج السعادة: 321:5 تا 349 وکتاب «ابن عبّاس وأموال البصرة» للسيّد جعفر مرتضي العاملي.
  2. شرح نهج البلاغة: 172:16.