ابوذر الغفاري











ابوذر الغفاري[1]



.

جُنْدَب بن جُنادة، وهو مشهور بکنيته. صوت الحقّ المدوّي، وصيحة الفضيلة والعدالة المتعالية، أحد أجلّاء الصحابة، والسابقين إلي الإيمان، والثابتين علي الصراط المستقيم.[2] کان موحِّداً قبل الإسلام، وترفّع عن عبادة الأصنام.[3] جاء إلي مکّة قادماً من البادية، واعتنق دين الحقّ بکلّ وجوده، وسمع القرآن.

عُدَّ رابعَ[4] من أسلم أو خامسهم.[5] واشتهر بإعلانه إسلامَه، واعتقاده بالدين الجديد، وتقصّيه الحقّ منذ يومه الأوّل.[6] .

وکان فريداً فذّاً في صدقه وصراحة لهجته، حتي قال رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم کلمته الخالدة فيه تکريماً لهذه الصفة المحمودة العالية: «ما أظلّت الخضراء، وما أقلّت الغبراء[7] أصدق لهجة من أبي ذرّ».[8] .

[صفحه 22]

وکان من الثلّة المعدودة التي رعت حرمة الحقّ في خضمّ التغيّرات التي طرأت بعد وفاة النبيّ صلي الله عليه و سلم.[9] وتفاني في الدفاع عن موقع الولاية العلويّة الرفيعة، وجعل نفسه مِجَنّاً للذبّ عنه، وکان أحد الثلاثة الذين لم يفارقوا عليّاً عليه السلام قطّ.[10] .

ولنا أن نعدّ من فضائله ومناقبه صلاته علي الجثمان الطاهر لسيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام، فقد کان في عداد من صلّي عليها في تلک الليلة المشوبة بالألم والغمّ والمحنة.[11] .

وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق، واشتهرت في التاريخ؛ فهو لم يصبر علي إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذّة، وانتفض ثائراً صارخاً ضدّها، ولم يتحمّل التحريف الذي افتعلوه لدعم تلک المکرمات المصطنعة، وقدح في الخليفة وتوجيه کعب الأحبار لأعماله وممارساته. فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلي الشام التي کانت حديثة عهدٍ بالإسلام، غيرَ مُلمّةٍ بثقافته.[12] .

ولم يُطِقه معاوية أيضاً؛ إذ کان يعيش في الشام کالملوک، ويفعل ما يفعله القياصرة، ضارباً بأحکام الإسلام عرض الجدار، فأقضّت صيحات أبي ذرّ مضجعه.[13] فکتب إلي عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبوذرّ، فأمر بردّه إلي المدينة،[14] وأرجعوه إليها علي أسوأ حال.

[صفحه 23]

وقدم أبوذرّ المدينة، لکن لا سياسة عثمان تغيّرت، ولا موقف أبي ذرّ منه، فالاحتجاج کان قائماً، والصيحات مستمرّة، وقول الحقّ متواصلاً، وکشف المساوئ لم يتوقّف. ولمّا لم يُجْدِ الترغيب والترهيب معه، غيّرت الحکومة اُسلوبها منه، وما هو إلّا الإبعاد، لکنّه هذه المرّة إلي الرَّبَذة،[15] وهي صحراء قاحلة حارقة، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته.[16] ولم يتحمّل أميرالمؤمنين عليه السلام هذه التعاليم الجائرة، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتوديعه.[17] .

وله کلام عظيم خاطبه به وبيّن فيه ظُلامته.[18] وتکلّم من کان معه أيضاً ليعلم الناس أنّ الذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلي الربذة هو قول الحقّ ومقارعة الظلم لا غيرها.[19] .

وکان إبعاد أبي ذرّ أحد ممهّدات الثورة علي عثمان.[20] وذهب هذا الرجل العظيم إلي الربذة رضيّ الضمير؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ، لکنّ قلبه کان مليئاً بالألم؛ إذ تُرک وحده، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم.

[صفحه 24]

يقول عبد اللَّه بن حواش الکعبي: رأيتُ أباذرّ في الربذة وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ، فقلت: يا أباذرّ! وحدک!

فقال: کان الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر شعاري، وقول الحقّ سيرتي، وهذا ما ترک لي رفيقاً.

توفّي أبوذرّ سنة 32 ه.[21] وتحقّق ما کان يراه النبيّ صلي الله عليه و سلم في مرآة الزمان، وما کان يقوله فيه، وکان قد قال صلي الله عليه و سلم: «يرحم اللَّه أباذرّ، يعيش وحده، ويموت وحده، ويُحْشَر يوم القيامة وحده».

ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالک الأشتر بعد وفاة ذلک الصحابي الکبير القائل الحقّ في زمانه، ووسّدوا جسده النحيف الثري باحترام وتبجيل.[22] [23] .

6383- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء علي رجلٍ أصدق لهجةً من أبي ذرّ.[24] .

[صفحه 25]

6384- عنه صلي الله عليه و سلم: من سرّه أن ينظر إلي شبيه عيسي بن مريم خَلقاً وخُلقاً؛ فلينظر إلي أبي ذرّ.[25] .

6385- سنن الترمذي عن أبي ذرّ: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفي من أبي ذرّ شِبْهَ عيسي بن مريم عليه السلام. فقال عمر بن الخطّاب کالحاسد: يا رسول اللَّه أفنعرف ذلک له؟ قال: نعم، فاعرفوه له.[26] .

6386- مسند ابن حنبل عن بريدة: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: إنّ اللَّه عزّ وجلّ يُحبّ من أصحابي أربعة، أخبرني أنّه يحبّهم، وأمرني أن اُحبّهم. قالوا: من هم يا رسول اللَّه؟

قال: إنّ عليّاً منهم، وأبوذرّ الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الکندي.[27] .

6387- أنساب الأشراف: لمّا أعطي عثمانُ مروانَ بن الحکم ما أعطاه، وأعطي الحارث بن الحکم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم، وأعطي زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم، جعل أبوذرّ يقول: بشّر الکانزين بعذاب أليم، ويتلو قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ يَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» الآية.[28] .

[صفحه 26]

فرفع ذلک مروانُ بن الحکم إلي عثمان، فأرسل إلي أبي ذرّ ناتلاً مولاه أن انْتَهِ عمّا يبلغني عنک، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة کتاب اللَّه، وعيب من ترک أمر اللَّه؟! فواللَّه لأن اُرضي اللَّه بسخط عثمان أحبّ إليَّ وخير لي من أن اُسخط اللَّه برضاه، فأغضب عثمانَ ذلک وأحفظَه،[29] فتصابر وکفّ.

وقال عثمان يوماً: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال، فإذا أيسر قضي؟ فقال کعب الأحبار: لا بأس بذلک! فقال أبوذرّ: يابن اليهوديَّين! أتعلّمنا ديننا؟! فقال عثمان: ما أکثر أذاک لي، وأولعک بأصحابي![30] .

6388- أنساب الأشراف عن کميل بن زياد: کنت بالمدينة حين أمر عثمان أباذرّ باللحاق بالشام، وکنت بها في العام المقبل حين سيّره إلي الربذة.[31] .

6389- تاريخ اليعقوبي: بلغ عثمان أيضاً أنّ أباذرّ يقع فيه، ويذکر ما غيّر وبدّل من سنن رسول اللَّه، وسنن أبي بکر وعمر، فسيّره إلي الشام إلي معاوية، وکان يجلس في المسجد، فيقول کما کان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتي کثر من يجتمع إليه ويسمع منه.

وکان يقف علي باب دمشق، إذا صلّي صلاة الصبح، فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن اللَّه الآمرين بالمعروف والتارکين له، ولعن اللَّه الناهين عن المنکر والآتين له.

وکتب معاوية إلي عثمان: إنّک قد أفسدت الشام علي نفسک بأبي ذرّ، فکتب

[صفحه 27]

إليه أن احمله علي قَتَب[32] بغير وطاء، فقدم به إلي المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه، فلمّا دخل إليه وعنده جماعة قال: بلغني أنّک تقول: سمعت رسول اللَّه يقول: «إذا کملت بنو اُميّة ثلاثين رجلاً اتّخذوا بلاد اللَّه دُوَلاً،[33] وعباد اللَّه خولاً،[34] ودين اللَّه دَغَلاً»[35] فقال: نعم، سمعت رسول اللَّه يقول ذلک.

فقال لهم: أسمعتم رسول اللَّه يقول ذلک؟

فبعث إلي عليّ بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أباالحسن! أسمعت رسول اللَّه يقول ما حکاه أبوذرّ؟ وقصّ عليه الخبر. فقال عليّ: نعم! قال: وکيف تشهد؟ قال: لقول رسول اللَّه: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذرّ».

فلم يقم بالمدينة إلّا أيّاماً حتي أرسل إليه عثمان: واللَّه لتخرجنّ عنها! قال: أتُخرجني من حرم رسول اللَّه؟ قال: نعم، وأنفک راغم. قال: فإلي مکّة؟ قال: لا، قال: فإلي البصرة؟ قال: لا، قال: فإلي الکوفة؟ قال: لا، ولکن إلي الرَّبَذة التي خرجتَ منها حتي تموت بها! يا مروان، أخرِجه، ولا تدع أحداً يکلّمه، حتي يخرج.

فأخرجه علي جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعليّ والحسن والحسين وعبد اللَّه بن جعفر وعمّار بن ياسر ينظرون، فلمّا رأي أبوذرّ عليّاً قام إليه فقبّل

[صفحه 28]

يده ثمّ بکي، وقال: إنّي إذا رأيتک ورأيت ولدک ذکرت قول رسول اللَّه، فلم أصبر حتي أبکي! فذهب عليّ يکلّمه، فقال له مروان: إنّ أميرالمؤمنين قد نهي أن يکلّمه أحد، فرفع عليّ السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال: تنحَّ، نحّاک اللَّه إلي النار!

ثمّ شيّعه، فکلّمه بکلام يطول شرحه، وتکلّم کلّ رجل من القوم وانصرفوا، وانصرف مروان إلي عثمان، فجري بينه وبين عليّ في هذا بعض الوحشة، وتلاحيا کلاماً، فلم يزل أبوذرّ بالربذة حتي توفّي.[36] .

6390- أنساب الأشراف: کان أبوذرّ يُنکِر علي معاوية أشياء يفعلها، وبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار، فقال: إن کانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن کانت صلة فلا حاجة لي فيها.

وبعث إليه حبيب بن مسلمة الفهري بمائتي دينار، فقال: أما وجدتَ أهون عليک منّي حين تبعث إليَّ بمال؟ وردّها.

وبني معاوية الخضراء بدمشق، فقال: يا معاوية، إن کانت هذه الدار من مال اللَّه فهي الخيانة، وإن کانت من مالِکَ فهذا الإسراف. فسکت معاوية.[37] .

6391- أنساب الأشراف: کان أبوذرّ يقول: واللَّه لقد حَدَثَت أعمال ما أعرفها، واللَّه ما هي في کتاب اللَّه ولا سنّة نبيّه، واللَّه إنّي لأري حقّاً يُطفأ، وباطلاً يُحيا، وصادقاً يُکذّب، وأثَرَة بغير تُقي، وصالحاً مستأثَراً عليه.

[صفحه 29]

فقال حبيب بن مَسلمة لمعاوية: إنّ أباذرّ مفسدٌ عليک الشام، فتدارک أهله إن کانت لکم به حاجة، فکتب معاوية إلي عثمان فيه، فکتب عثمان إلي معاوية: أمّا بعد؛ فاحمل جندباً إليَّ علي أغلظ مرکب وأوعره، فوجّه معاوية من سار به الليل والنهار.

فلمّا قدم أبوذرّ المدينة جعل يقول: يستعمل الصبيان ويحمي الحمي، ويُقرِّب أولاد الطلقاء. فبعث إليه عثمان: الْحَق بأيّ أرض شئت، فقال: بمکّة، فقال: لا، قال: فبيت المقدس، قال: لا، قال: فبأحد المِصرَين،[38] قال: لا، ولکنّي مُسَيّرک إلي الربذة، فسيّرَه إليها، فلم يزل بها حتي مات.[39] .

6392- أنساب الأشراف عن قتادة: تکلّم أبوذرّ بشي ء کرهه عثمان فکذّبه، فقال: ما ظننت أنّ أحداً يکذّبني بعد قول رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: «ما أقلّت الغبراء، ولا أطبقت الخضراء، علي ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ»! ثمّ سيّره إلي الربذة.

فکان أبوذرّ يقول: ما ترک الحقّ لي صديقاً، فلمّا سار إلي الربذة قال: رَدَّني عثمان بعد الهجرة أعرابيّاً![40] .

6393- أنساب الأشراف عن إبراهيم التيمي عن أبيه: قلت لأبي ذرّ: ما أنزلک الربذة؟ قال: نصحي لعثمان ومعاوية.[41] .

6394- الأمالي للطوسي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري: لمّا قدم أبوذرّ علي عثمان، قال: أخبِرني أيّ البلاد أحبّ إليک؟ قال: مُهاجَري، فقال: لستَ

[صفحه 30]

بمجاوري. قال: فألحَق بحرم اللَّه، فأکون فيه؟ قال: لا، قال: فالکوفة أرض بها أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؟ قال: لا، قال: فلست بمختار غيرهنّ. فأمره بالمسير إلي الربذة، فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم قال لي: «اسمَع وأطِع، وانفذْ حيث قادوک، ولو لعبدٍ حبشيّ مجدّع».

فخرج إلي الربذة، وأقام مدّة، ثمّ أتي إلي المدينة، فدخل علي عثمان والناس عنده سماطين، فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّک أخرجتني من أرضي إلي أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلّا شُوَيهات، وليس لي خادم إلّا محرّرة،[42] ولا ظلّ يظلّني إلّا ظلّ شجرة، فأعطِني خادماً وغُنَيمات أعِش فيها، فحوّلَ وجهه عنه، فتحوّل عنه إلي السماط الآخر، فقال مثل ذلک.

فقال له حبيب بن سلمة: لک عندي يا أباذرّ ألفُ درهم وخادم وخمسمائة شاة، قال أبوذرّ: أعطِ خادمک وألفک وشويهاتک من هو أحوج إلي ذلک منّي؛ فإنّي إنّما أسأل حقّي في کتاب اللَّه.

فجاء عليّ عليه السلام فقال له عثمان: ألا تُغني عنّا سفيهک هذا؟ قال: أيّ سفيه؟

قال: أبوذرّ! قال عليّ عليه السلام: ليس بسفيه، سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: «ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذرّ» أنزِلهُ بمنزلة مؤمن آل فرعون، «وَ إِن يَکُ کَذِبًا فَعَلَيْهِ کَذِبُهُ و وَإِن يَکُ صَادِقًا يُصِبْکُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُکُمْ».[43] .

قال عثمان: التراب في فيک! قال عليّ عليه السلام: بل التراب في فيک، أنشد باللَّه من سمع رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول ذلک لأبي ذرّ، فقام أبوهريرة وعشرة فشهدوا بذلک، فولّي

[صفحه 31]

عليّ عليه السلام.[44] .

6395- الکافي عن أبي جعفر الخثعمي: لمّا سيّر عثمان أباذرّ إلي الربذة شيّعه أميرالمؤمنين وعقيل والحسن والحسين عليهم السلام، وعمّار بن ياسر، فلمّا کان عند الوداع، قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا أباذرّ، إنّک إنّما غضبت للَّه عزّ وجلّ، فارجُ من غضبت له. إنّ القوم خافوک علي دنياهم، وخفتهم علي دينک، فأرحلوک عن الفناء وامتحنوک بالبلاء. وواللَّه لو کانت السماوات والأرض علي عبد رَتْقاً، ثمّ اتّقي اللَّه عزّ وجلّ؛ جعل له منها مخرجاً، فلا يؤنسک إلّا الحقّ، ولا يوحشک إلّا الباطل.[45] .

6396- الإمام الصادق عليه السلام: لمّا شيّع أميرالمؤمنين عليه السلام أباذرّ، وشيّعه الحسن والحسين عليهماالسلام، وعقيل بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن جعفر، وعمّار بن ياسر عليهم سلام اللَّه؛ قال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام: ودِّعوا أخاکم؛ فإنّه لابدّ للشاخص من أن يمضي، وللمشيّع من أن يرجع.

قال: فتکلّم کلّ رجل منهم علي حياله، فقال الحسين بن عليّ عليهماالسلام: رحمک اللَّه يا أباذرّ! إنّ القوم إنّما امتهنوک بالبلاء؛ لأنّک منعتهم دينک، فمنعوک دنياهم؛ فما أحوجک غداً إلي ما منعتهم، وأغناک عمّا منعوک.

فقال أبوذرّ: رحمکم اللَّه من أهل بيت! فما لي في الدنيا من شَجَن[46] غيرکم، إنّي إذا ذکرتکم ذکرت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم.[47] .

[صفحه 32]

6397- الأمالي للمفيد عن أبي جهضم الأزدي عن أبيه- بعد معاملة عثمان السيئة مع أبي ذرّ-: بلغ ذلک أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فبکي حتي بلّ لحيته بدموعه، ثمّ قال: أهکذا يُصنع بصاحب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؟! إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

ثمّ نهض ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام، وعبد اللَّه بن العبّاس والفضل وقُثَم وعبيد اللَّه، حتي لحقوا أباذرّ، فشيّعوه، فلمّا بصر بهم أبوذرّ حنّ إليهم، وبکي عليهم، وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذکرت بها رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وشملتني البرکة برؤيتها.

ثمّ رفع يديه إلي السماء وقال: اللهمّ إنّي اُحبّهم، ولو قُطّعت إرباً إرباً في محبّتهم، ما زلت عنها ابتغاء وجهک والدار الآخرة، فارجعوا رحمکم اللَّه، واللَّهَ أسأل أن يخلفني فيکم أحسن الخلافة. فودّعه القوم ورجعوا وهم يبکون علي فراقه.[48] .

6398- تاريخ اليعقوبي: لم يزل أبوذرّ بالربذة حتي توفّي، ولمّا حضرته الوفاة قالت له ابنته: إنّي وحدي في هذا الموضع، وأخاف أن تغلبني عليک السباع، فقال: کلّا إنّه سيحضرني نفر مؤمنون، فانظري أترين أحداً؟ فقالت: ما أري أحداً! قال: ما حضر الوقت، ثمّ قال: انظري، هل ترين أحداً؟ قالت: نعم أري رکباً مقبلين، فقال: اللَّه أکبر، صدق اللَّه ورسوله، حوّلي وجهي إلي القبلة، فإذا حضر القوم فأقرئيهم منّي السلام، فإذا فرغوا من أمري، فاذبحي لهم هذه الشاة، وقولي لهم: أقسمت عليکم إن برحتم حتي تأکلوا، ثمّ قُضِي عليه.

[صفحه 33]

فأتي القوم، فقالت لهم الجارية: هذا أبوذرّ صاحب رسول اللَّه قد توفّي، فنزلوا، وکانوا سبعة نفر، فيهم حذيفة بن اليمان، والأشتر، فبکوا بکاءً شديداً، وغسّلوه، وکفّنوه، وصلّوا عليه، ودفنوه.

ثمّ قالت لهم: إنّه يُقسِم عليکم ألّا تبرحوا حتي تأکلوا، فذبحوا الشاة وأکلوا، ثمّ حملوا ابنته حتي صاروا بها إلي المدينة.[49] .

راجع: القسم الرابع/مبادئ الثورة علي عثمان/معاقبة من أنکر عليه أحداثه/نفي أبي ذرّ.



صفحه 22، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33.





  1. قد اختلف في اسمه ونَسَبه اختلافاً کثيراً، وما في المتن هو أکثر وأصحّ ما قيل فيه، ولکنّه مشهور بکنيته ولقبه.
  2. سير أعلام النبلاء: 10:46:2، الاستيعاب: 2974:216:4، اُسد الغابة: 800:563:1.
  3. الطبقات الکبري: 222:4، حلية الأولياء: 26:158:1، اُسد الغابة: 800:563:1.
  4. المستدرک علي الصحيحين: 5459:385:3، الطبقات الکبري: 224:4، اُسد الغابة: 800:563:1.
  5. الطبقات الکبري: 224:4، سير أعلام النبلاء: 10:46:2، اُسد الغابة: 800:563:1.
  6. الطبقات الکبري: 225:4، حلية الأولياء: 26:158:1.
  7. الخضْرَاء: السَّماء، والغَبْرَاء: الأرض (النهاية: 42:2).
  8. المستدرک علي الصحيحين: 5461:85:3، الطبقات الکبري: 228:4، سير أعلام النبلاء: 10:59:2.
  9. الخصال: 9:607، عيون أخبار الرضا: 1:126:2.
  10. رجال الکشّي: 17:38:1، الاختصاص: 6.
  11. رجال الکشّي: 13:34:1، الاختصاص: 5.
  12. أنساب الأشراف: 166:6، مروج الذهب: 349:2، شرح نهج البلاغة: 130:256:8.
  13. أنساب الأشراف: 167:6، شرح نهج البلاغة: 130:256:8؛ الشافي: 294:4.
  14. الطبقات الکبري: 226:4، أنساب الأشراف: 167:6، سير أعلام النبلاء: 10:63:2، تاريخ الطبري: 283:4؛ الأمالي للمفيد: 4:162.
  15. الکافي: 251:206:8، الأمالي للمفيد: 4:164؛ أنساب الأشراف: 167:6، الطبقات الکبري: 227:4.
  16. مروج الذهب: 351:2، شرح نهج البلاغة: 130:252:8؛ الأمالي للمفيد: 4:165.
  17. الکافي: 251:206:8، من لا يحضره الفقيه: 2428:275:2، الأمالي للمفيد: 4165، المحاسن: 1247:94:2، تاريخ اليعقوبي: 172:2؛ مروج الذهب: 350:2.
  18. الکافي: 251:206:8، نهج البلاغة: الخطبة 130.
  19. الکافي: 251:207:8 وراجع من لا يحضره الفقيه: 2428:275:2، المحاسن: 1247:94:2؛ شرح نهج البلاغة: 130:253:8.
  20. راجع: القسم الرابع/مبادئ الثورة علي عثمان/معاقبة من أنکر عليه أحداثه/نفي أبي ذرّ.
  21. المستدرک علي الصحيحين: 5451:381:3، سير أعلام النبلاء: 10:74:2؛ رجال الطوسي: 143:32 وفيه «مات في زمن عثمان بالربذة».
  22. المستدرک علي الصحيحين: 5470:388:3، الطبقات الکبري: 234:4، سير أعلام النبلاء: 10:77:2، تاريخ الطبري: 308:4، الکامل في التاريخ: 264:2؛ رجال الکشّي: 118:283:1.
  23. المشهور إنّ أبا ذرّ انتهج اُسلوب کشف المساوئ والبدع في أيّام عثمان، کما کان يذکّر بوجود الظلم والتمييز والتکتّل. من هنا لم تتحمّل الحکومة وجوده في المدينة، فنفته إلي الشام. وفيها واصل اُسلوبه وفضح معاوية وکشف قبائحه. فشکاه معاوية إلي عثمان، فردّه إلي المدينة، ثمّ أبعده إلي الربذة.... بَيْد أنّ بعض الباحثين ذهب إلي أنّه مکث طويلاً في الشام، اهتداءً ببعض الوثائق التاريخيّة، ومقايسة أخبار متنوّعة في هذا المجال. أي: إنّه توجّه إلي الشام بعد موت أبي بکر، وبذر فيها التشيّع. راجع: کتاب «أبوذرّ الغفاري» لمحمّد جواد آل الفقيه: 65.
  24. المستدرک علي الصحيحين: 5461:385:3، سنن الترمذي: 3801:669:5، سنن ابن ماجة: 156:55:1، سير أعلام النبلاء: 10:59:2 کلّها عن عبد اللَّه بن عمرو.
  25. المعجم الکبير: 1626:149:2 عن عبد اللَّه بن مسعود، الطبقات الکبري: 228:4، سير أعلام النبلاء: 10:59:2 کلاهما عن مالک بن دينار وفيهما «مَن سرّه أن ينظر إلي زهد عيسي فلينظر...»، الاستيعاب: 343:323:1 عن أبي هريرة وفيه «من سرّه أن ينظر إلي تواضع عيسي فلينظر...».
  26. سنن الترمذي: 3802:670:5.
  27. مسند ابن حنبل: 23029:14:9، سير أعلام النبلاء: 10:61:2.
  28. التوبة: 34.
  29. أي: أغضَبه، من الحَفِيظة؛ الغَضب (النهاية: 408:1).
  30. أنساب الأشراف: 166:6؛ الشافي: 293:4 نحوه وراجع شرح نهج البلاغة: 256:8.
  31. أنساب الأشراف: 168:6.
  32. القَتَب: رَحْل البَعِير، صغير علي قدر السَّنَام (مجمع البحرين: 1437:3).
  33. الدُّوَل: جمع دُولة؛ وهو ما يُتداوَل من المال، فيکون لقوم دون قوم (النهاية: 140:2).
  34. خَوَلاً: أي خَدماً وعَبيداً، يعني أنّهم يستخدمونهم ويَستعبِدونهم (النهاية: 88:2).
  35. دَغَلاً: أي يَخدعون به الناسَ، وأصل الدَّغَل: الشَّجَر الملتَفّ الذي يکمُن أهل الفَساد فيه (النهاية: 123:2).
  36. تاريخ اليعقوبي: 171:2؛ الفتوح: 373:2 نحوه وراجع مروج الذهب: 350:2.
  37. أنساب الأشراف: 167:6، شرح نهج البلاغة: 256:8؛ الشافي: 294:4 وليس فيهما من «وبعث إليه» إلي «وردّها».
  38. هما الکوفةَ والبَصرة (لسان العرب: 176:5).
  39. أنساب الأشراف: 167:6؛ الشافي: 294:4 نحوه.
  40. أنساب الأشراف: 168:6.
  41. أنساب الأشراف: 169:6.
  42. المُحَرَّر: الذي جُعل من العبيد حُرّاً فاُعتِق (النهاية: 362:1).
  43. غافر: 28.
  44. الأمالي للطوسي: 1514:710.
  45. الکافي: 251:206:8.
  46. الشَّجَنُ: أي قرابة مشتبکة کاشتباک العروق (النهاية: 447:2).
  47. المحاسن: 1247:94:2 عن إسحاق بن جرير الجريري عن رجل من أهل بيته، من لا يحضره الفقيه: 2428:275:2.
  48. الأمالي للمفيد: 4:165.
  49. تاريخ اليعقوبي: 173:2 وراجع تاريخ الطبري: 308:4 والکامل في التاريخ: 264:2 والفتوح: 377:2.