سلمان الفارسي











سلمان الفارسي



سلمان الفارسي، أبو عبد اللَّه، وهو سلمان المحمّدي، زاهد ثاقب البصيرة، نقيّ الفطرة، من سلالة فارسيّة،[1] مولده رامهرمز[2] وأصله من أصبهان،[3] صحابيّ[4] جليل من صحابة رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم. کان يحظي بمکانة عظيمة لا تستوعبها هذه الصفحات القليلة. کان يطوي الفيافي والقفار بحثاً عن الحقّ. وعندما دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم المدينة حضر عنده وأسلم.[5] وآثر خدمة ذلکم السفير الإلهيّ العظيم بکلّ طواعية. ولم يألُ جهداً في ذلک، وشهد الخندق وأعان المؤمنين بذکائه وخبرته بفنون القتال، واقترح حفر الخندق، فلقي اقتراحه ترحيباً.

کان يعيش في غاية الزهد، ولمّا کان قد قطع جميع الوشائج، وأعرض عن جميع زخارف الحياة، والتحق بالحقّ، شرّفه رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم بقوله: «سلمان منّا

[صفحه 144]

أهل البيت».[6] وکان قلبه الطاهر مظهراً للأنوار الإلهيّة، فقال فيه رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم:

«من أراد أن ينظر إلي رجل نُوِّر قلبه فلينظر إلي سلمان».[7] .

وکان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول عن سعة علمه واطّلاعه:

«عَلِم العلم الأوّل والعلم الآخر، وقرأ الکتاب الأوّل وقرأ الکتاب الآخر، وکان بحراً لا ينزف».[8] .

وقد رعي سلمان حرمة الحقّ بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، ولم يحد عن مسير الحقّ،[9] وکان أحد القلائل الذين قاموا في المسجد النبويّ ودافعوا عن «خلافة الحقّ» و «حقّ الخلافة».[10] وکان من عشّاق عليّ وآل البيت عليهم السلام، ومن الأقلّين الذين شهدوا الصلاة علي السيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام وحضروا دفنها في جوف الليل الحزين.[11] .

ولّاه عمر علي المدائن،[12] فکانت حکومته فيها من المظاهر المشرّفة الباعثة

[صفحه 145]

علي الفخر والاعتزاز، فهي حکومة تعلوها الرؤية الإلهيّة، ويحيطها الزهد والورع، وهدفها الحقّ والعدل.

کان سلمان من المعمّرين، عاش قرابة مائتين وخمسين سنة،[13] وتوفّي بالمدائن[14] أيّام حکومة عمر[15] أو عثمان.[16] .

6535- رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم: إنّ الجنّة لتشتاق إلي ثلاثة: عليّ وعمّار وسلمان.[17] .

6536- حلية الأولياء عن أبي الأسود وزاذان الکندي: کنّا ذات يوم عند عليّ عليه السلام، فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن أصحابک.

قال: عن أيّ أصحابي؟

قالوا: عن أصحاب محمّد صلي الله عليه و سلم.

قال: کلّ أصحاب محمّد صلي الله عليه و سلم أصحابي، فعن أيّهم ؟

قالوا: عن الذين رأيناک تلطفهم بذکرک، والصلاة عليهم دون القوم، حدّثنا عن سلمان.

[صفحه 146]

قال: من لکم بمثل لقمان الحکيم؟! ذاک امرؤ منّا وإلينا أهل البيت، أدرک العلم الأوّل والعلم الآخر، وقرأ الکتاب الأوّل والکتاب الآخر، بحر لا ينزف.[18] .

6537- الأمالي للطوسي عن منصور بن بزرج: قلت لأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: ما أکثر ما أسمع منک يا سيّدي ذکر سلمان الفارسي!

فقال: لا تقل الفارسي، ولکن قُل سلمان المحمّدي، أتدري ما کثرة ذکري له؟

قلت: لا.

قال: لثلاث خلال، أحدها: إيثاره هوي أمير المؤمنين عليه السلام علي هوي نفسه، والثانية: حُبّه للفقراء واختياره إيّاهم علي أهل الثروة والعدد، والثالثة: حُبّه للعلم والعلماء. إنّ سلمان کان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما کان من المشرکين.[19] .

6538- المستدرک علي الصحيحين عن عوف بن أبي عثمان النهدي: قال رجل لسلمان: ما أشدَّ حُبَّک لعليّ عليه السلام! قال: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني.[20] .

6539- الطبقات الکبري عن النعمان بن حميد: دخلت مع خالي علي سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: أشتري خوصاً بدرهم فأعمله

[صفحه 147]

فأبيعه بثلاثة دراهم، فاُعيد درهماً فيه واُنفِقُ درهماً علي عيالي وأتصدّق بدرهم، ولو أنّ عمر بن الخطّاب نهاني عنه ما انتهيتُ.[21] .

6540- مروج الذهب- في ذکر سلمان الفارسي-: کان يلبس الصوف، ويرکب الحمار ببرذعته[22] بغير إکاف،[23] ويأکل خبز الشعير، وکان ناسکاً زاهداً، فلمّا احتضر بالمدائن قال له سعد بن وقّاص: أوصني يا أباعبد اللَّه.

قال: نعم، قال: اذکر اللَّه عند همّک إذا هممت، وعند لسانک إذا حکمت، وعند يدک إذ قسمت.

فجعل سلمان يبکي، فقال له: يا أباعبد اللَّه، ما يبکيک؟

قال: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم يقول: إنّ في الآخرة عقبة لا يقطعها إلّا المُخفّون، وأري هذه الأساودة حولي، فنظروا فلم يجدوا في البيت إلّا إداوة ورکوة[24] ومطهرة.[25] .

6541- الطبقات الکبري عن أبي سفيان عن أشياخه: دخل سعد بن أبي وقّاص علي سلمان يعوده، فبکي سلمان، فقال له سعد: ما يبکيک يا أباعبد اللَّه؟ توفّي رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، وهو عنک راضٍ، وتلقي أصحابک، وترد عليه الحوض.

قال سلمان: واللَّه ما أبکي جزعاً من الموت ولا حرصاً علي الدنيا، ولکنّ

[صفحه 148]

رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم عهد إلينا عهداً فقال: لتکن بُلْغَة أحدکم من الدنيا مثل زاد الراکب. وحولي هذه الأساود.

قال: وإنّما حوله جفنة أو مطهرة أو إجّانة،[26] فقال له سعد: يا أباعبد اللَّه، اعهد إلينا بعهد نأخذه بعدک.

فقال: يا سعد، اذکر اللَّه عند همّک إذا هممت، وعند حکمک إذا حکمت، وعند يدک إذا قسمت.[27] .

6542- المعجم الکبير عن بقيرة- امرأة سلمان-: لمّا حضر سلمان الموت دعاني، وهو في علِّيَّة[28] لها أربعة أبواب، فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإنّ لي اليوم زوّاراً لا أدري من أيّ هذه الأبواب يدخلون عليَّ، ثمّ دعا بمسک له، ثمّ قال: ادبغيه في تور،[29] ففعلت، ثمّ قال: انضحيه حول فراشي ثمّ انزلي فامکثي، فسوف تطّلعين قربتي[30] علي فراشي، فاطّلعت فإذا هو قد اُخذ روحه، فکأ نّه نائم علي فراشه أو نحواً من ذلک.[31] .

6543- الطبقات الکبري عن عطاء بن السائب: إنّ سلمان حين حضرته الوفاة،

[صفحه 149]

دعا بصُرّة من مسک کان أصابها من بَلنجَر،[32] فأمر بها أن تُداف وتُجعل حول فراشه، وقال: فإنّه يحضرني الليلة ملائکة يجدون الريح ولا يأکلون الطعام.[33] .



صفحه 144، 145، 146، 147، 148، 149.





  1. الطبقات الکبري: 75:4، تاريخ دمشق: 376:21.
  2. رامَهُرمُز: مدينة مشهورة بنواحي خوزستان (معجم البلدان: 17:3).
  3. تاريخ دمشق: 383:21، سير أعلام النبلاء: 91:515:1 وراجع الطبقات الکبري: 75:4 وتاريخ الإسلام للذهبي: 510:3.
  4. الطبقات الکبري: 80:4 و ص 88، تاريخ دمشق: 2599:376:21 تاريخ الإسلام للذهبي: 511:3.
  5. المعجم الکبير: 598:212:6، تاريخ دمشق: 376:21.
  6. المستدرک علي الصحيحين: 6539:691:3 و ح 6541، المعجم الکبير: 6040:213:6، الطبقات الکبري: 83:4، تاريخ دمشق: 408:21.
  7. تاريخ دمشق: 408:21.
  8. الطبقات الکبري: 86:4، تاريخ دمشق: 422:21، حلية الأولياء: 187:1، المصنّف لابن أبي شيبة: 3:536:7، المعجم الکبير: 6041:213:6، تاريخ الإسلام للذهبي: 515:3، سير أعلام النبلاء: 91:541:1 والأربعة الأخيرة نحوه وليس فيها «وقرأ الکتاب الأوّل، وقرأ الکتاب الآخر» وراجع تاريخ دمشق: 420:21.
  9. الخصال: 9:607، عيون أخبار الرضا: 1:126:2.
  10. الخصال: 4:463، الاحتجاج: 2:192:1، رجال البرقي: 64.
  11. الخصال: 50:361، رجال الکشّي: 13:34:1، الاختصاص: 5، تفسير فرات: 733:570.
  12. مروج الذهب: 314:2، الطبقات الکبري: 87:4.
  13. سير أعلام النبلاء: 91:555:1، تاريخ دمشق: 378:21، تاريخ الإسلام للذهبي: 521:3.
  14. الطبقات لخليفة بن خيّاط: 22:33، تاريخ دمشق: 378:21 و ص 458، سير أعلام النبلاء: 91:554:1.
  15. المعارف لابن قتيبة: 271، تاريخ دمشق: 458:21.
  16. الطبقات الکبري: 93:4، تاريخ بغداد: 12:171:1، المعارف لابن قتيبة: 271، تاريخ دمشق: 378:21 و ص 458، سير أعلام النبلاء: 91:554:1 وفي ص 555 «سنة 33 ه».
  17. سنن الترمذي: 3797:667:5، المستدرک علي الصحيحين: 4666:148:3، المعجم الکبير: 6045:215:6 وزاد فيه «والمقداد» وکلّها عن أنس؛ الخصال: 80:303 عن عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن العبّاس الرازي عن الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام وزاد فيه «وأبي ذرّ والمقداد»، وقعة صفّين: 323 عن الحسن.
  18. حلية الأولياء: 187:1، المعجم الکبير: 6042:213:6 وفيه «بمثاله» بدل «بمثل» وليس فيه «وإلينا»،تاريخ دمشق: 421:21، الطبقات الکبري: 86:4 عن زاذان وفيه من «مَن لکم بمثل... » وفي صدره «سئل عليّ عن سلمان الفارسي، فقال: ذاک امرؤ منّا وإلينا»؛ الغارات: 177:1 عن أبي عمرو الکندي.
  19. الأمالي للطوسي: 214:133.
  20. المستدرک علي الصحيحين: 4648:141:3.
  21. الطبقات الکبري: 89:4، تاريخ دمشق: 434:21 عن سمّاک بن حرب عن عمّه نحوه، تاريخ الإسلام للذهبي: 518:3، سير أعلام النبلاء: 547:1.
  22. البَرْذَعةُ: الحِلس الذي يُلقي تحت الرحل (لسان العرب: 8:8).
  23. الإکاف والأکاف من المراکب: شبه الرِّحال والأقتاب (لسان العرب: 8:9).
  24. الرَّکْوة: إناء صغير من جِلد يُشرَب فيه الماء، والجمع رِکاء (النهاية: 261:2).
  25. مروج الذهب: 314:2.
  26. الإجَّانَة: واحِدةُ الأجَاجِين، وهي المِرْکَنُ [الإناء] الذي تُغسَل فيه الثيابُ (مجمع البحرين: 21:1).
  27. الطبقات الکبري: 90:4، حلية الأولياء: 195:1، تاريخ دمشق: 452:21.
  28. علِّيَّة: هي بضمّ العين وکسرها: الغُرفة، والجمع العَلاليّ (النهاية: 295:3).
  29. کذا في المصدر، وفي بقيّة المصادر: «أديفِيه». قال في تاج العروس: دافَ الشي ء يديفُه: أي خَلَطَه، وفي حديث سلمان رضي الله عنه: «... فقال لامرأته: أدِيفيه في تَورٍ». والتَّوْر: إناء صغير (تاج العروس: 216:12 و135:6).
  30. کذا في المصدر، وفي حلية الأولياء: «فتَرَيْني».
  31. المعجم الکبير: 6043:215:6، الطبقات الکبري: 92:4، حلية الأولياء: 208:1، سير أعلام النبلاء: 91:553:1.
  32. بَلَنجَر: مدينة ببلاد الخَزَر، خلف باب الأبواب، فتحها عبدالرحمن بن ربيعة (معجم البلدان: 489:1).
  33. الطبقات الکبري: 92:4.