ابوالاسود الدؤلي











ابوالاسود الدؤلي



هو ظالم بن عمرو،[1] المعروف بأبي الأسود الدُّؤلي.[2] أحد الوجوه البارزة والصحابة المشهورين للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.[3] أسلم علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، لکنّه لم يَحْظَ برؤيته.[4] وهو من المتحقّقين بمحبّة عليّ ومحبّة ولده.[5] ويمکن أن نستشفّ هذا الحبّ من أشعاره الحِسان.[6] .

الذين ترجموا له ذکروه بعناوين متنوّعة منها: «علويّ»،[7] «شاعر

[صفحه 14]

متشيِّع»،[8] «من وجوه الشيعة».[9] .

شَهِد أبوالأسود حروب الإمام عليه السلام ضدّ مساعير الفتنة في الجمل،[10] و صفّين.[11] وعيّنه الإمام عليه السلام قاضياً علي البصرة عندما ولّي عليها ابن عبّاس.[12] .

وکان ابن عبّاس يقدّره، وحينما کان يخرج من البصرة، يُفوّض إليه أعمالها،[13] وکان ذلک يحظي بتأييد الإمام عليه السلام أيضاً.[14] ووسّع أبوالأسود علم النحو بأمر الإمام عليه السلام الذي کان قد وضع اُسسه وقواعده،[15] وأقامه ورسّخ دعائمه،[16] وهو أوّل من أعجم القرآن الکريم وأشکله.[17] .

[صفحه 15]

وله في الأدب العربي منزلة رفيعة؛ فقد عُدّ من أفصح الناس.[18] وتبلور نموذج من هذه الفصاحة في شعره الجميل الذي رثي به الإمام عليه السلام،[19] وهو آية علي محبّته للإمام، وبغضه لأعدائه.

ولم يدّخر وسعاً في وضع الحقّ موضعه، والدفاع عن عليّ عليه السلام، ومناظراته مع معاوية[20] دليل علي صراحته وشجاعته وثباته واستقامته في معرفة «خلافة الحقّ» و «حقّ الخلافة» ومکانة عليّ عليه السلام العليّة السامقة.

وخطب بعد استشهاد الإمام عليه السلام خطبة حماسيّة من وحي الألم والحرقة، وأخذ البيعة من الناس للإمام الحسن عليه السلام بالخلافة.[21] .

فارق أبوالأسود الحياة سنة 69 ه.[22] .

6375- ربيع الأبرار: سأل زياد بن أبيه أباالأسود عن حبّ عليّ فقال: إنّ حبّ عليّ يزداد في قلبي حِدّة، کما يزداد حبّ معاوية في قلبک؛ فإنّي اُريد اللَّه والدار الآخرة بحبّي عليّاً، وتريد الدنيا بزينتها بحبّک معاوية، ومثلي ومثلک کما قال اُخوة مذحج:


خليلان مختلفٌ شأنُنا
اُريد العلاء ويهوي اليمنْ


اُحبّ دماء بني مالک
وراق المُعَلّي بياض اللبنْ[23] .

[صفحه 16]

6376- العقد الفريد: لمّا قَدِمَ أبوالأسود الدؤلي علي معاوية عام الجماعة،[24] قال له معاوية: بلغني يا أباالأسود أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يجعلک أحد الحکَمين، فما کنت تحکم به؟

قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين، وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار، ثمّ ناشدتهم اللَّه: المهاجرين وأبناء المهاجرين أولي بهذا الأمر أم الطُّلَقاء؟

قال له معاوية: للَّه أبوک! أيُّ حَکَم کنت تکون لو حُکّمت![25] .

6377- تاريخ دمشق: کان أبوالأسود ممّن صحب عليّاً، وکان من المتحقّقين بمحبّته ومحبّة ولده، وفي ذلک يقول:


يقول الأرذلون بنو قُشَيرٍ
طَوالَ الدهر لا ينسي علِيّا


اُحبّ محمّداً حبّاً شديداً
وعبّاساً وحمزة والوصيّا


فإن يکُ حبّهم رشداً اُصبْه
وليس بمخطئٍ إن کان غيّا


وکان نازلاً في بني قُشَير بالبصرة، وکانوا يرجمونه بالليل لمحبّته لعليّ وولده، فإذا أصبح فذکر رجمهم، قالوا: اللَّه يرجمک، فيقول لهم: تکذبون، لو رجمني اللَّه لأصابني، وأنتم ترجمون فلا تُصيبون.[26] .

[صفحه 17]

6378- سير أعلام النبلاء عن أبي الأسود: دخلت علي عليّ، فرأيته مطرقاً، فقلت: فيم تتفکّر يا أميرالمؤمنين؟ قال: سمعت ببلدکم لحناً، فأردت أن أضع کتاباً في اُصول العربيّة. فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا! فأتيته بعد أيّام، فألقي إليَّ صحيفة فيها: الکلام کلّه: اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّي، والفعل ما أنبأ عن حرکة المسمّي، والحرف ما أنبأ عن معنيً ليس باسم ولا فعل. ثمّ قال لي: زده وتتبّعْه، فجمعت أشياء ثمّ عرضتها عليه.[27] .

6379- الأغاني: قيل لأبي الأسود: من أين لک هذا العلم- يعنون به النحو-؟ فقال: أخذت حدوده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.[28] .

6380- الأربعون حديثاً عن عليّ بن محمّد: رأيت ابنة أبي الأسود الدؤلي وبين يدَي أبيها خَبيص[29] فقالت: يا أبه، أطعِمني، فقال: افتحي فاک. قال: ففتحت، فوضع فيه مثل اللوزة، ثمّ قال لها: عليک بالتمر؛ فهو أنفع وأشبع.

فقالت: هذا أنفع وأنجع؟

فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقالت: قبّحه اللَّه! يخدعنا عن السيّد المطهّر بالشهد المزعفر؟ تبّاً لمرسله وآکله! ثمّ عالجت نفسها وقاءت ما أکلت منه، وأنشأت تقول باکية:

[صفحه 18]

أبالشهد المُزعفَر يا بن هندٍ
نبيع إليک إسلاماً ودينا


فلا واللَّه ليس يکون هذا
ومولانا أمير المؤمنينا[30] .


راجع: القسم الحادي عشر/قبسات من علمه/الفروع المختلفة من العلوم/علم الآداب/مؤسّس علم النحو.



صفحه 14، 15، 16، 17، 18.





  1. قد اختُلف في اسمه کما اختُلف في اسم أبيه وجدّه، والمشهور ما ورد في المتن، والذي يسهّل الأمر أنّه مشهور بکنيته ولقبه، ولم يختلف في کنيته أحد.
  2. الطبقات الکبري: 99:7، المعارف لابن قتيبة: 434، تاريخ دمشق: 176:25 وفيه «ديلي» بدل «دؤلي».
  3. تاريخ دمشق: 195:25، اُسد الغابة: 2652:102:3.
  4. تاريخ دمشق: 184:25، سير أعلام النبلاء: 28:82:4، البداية والنهاية: 312:8.
  5. تاريخ دمشق: 188:25.
  6. تاريخ دمشق: 188:25 و ص 200، الأغاني: 372:12، الکامل للمبرّد: 1125:3.
  7. تاريخ دمشق: 184:25.
  8. الطبقات الکبري: 99:7.
  9. سير أعلام النبلاء: 28:82:4، الأغاني: 346:12.
  10. سير أعلام النبلاء: 28:82:4، تاريخ الإسلام للذهبي: 124:278:5، تاريخ دمشق: 184:25.
  11. المعارف لابن قتيبة: 434، وفيات الأعيان: 313:535:2.
  12. تاريخ الطبري: 93:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 124:276:5.
  13. الطبقات الکبري: 99:7، المعارف لابن قتيبة: 434؛ وقعة صفّين: 117، تاريخ اليعقوبي: 205:2.
  14. الطبقات الکبري: 99:7.
  15. سير أعلام النبلاء: 28:82:4، تاريخ الإسلام للذهبي: 124:278:5، الأغاني: 347:12، تاريخ دمشق: 189:25، البداية والنهاية: 312:8.
  16. يدور کلام کثير حول إرساء دعائم علم النحو: فالاُول لم يتردّدوا في دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه. أمّا المتأخّرون من الدارسين والباحثين العرب فقد تأثّر بعضهم بآراء بعض المستشرقين الذين تردّدوا فيه. راجع: دائرة المعارف بزرگ اسلامي (بالفارسيّة): 191 -180:5، وتوفّر بعض الکتّاب علي انتقاد آراء اُخري في سياق تثبيتهم دور الإمام عليه السلام وأبي الأسود فيه. راجع: مجلّة تراثنا:العدد 13 ص 31 مقالة «أبوالأسود الدؤلي ودوره في وضع النحو العربي».
  17. الأغاني: 347:12، الإصابة: 4348:455:3، تاريخ دمشق: 192:25 و 193، وفيات الأعيان: 537:2.
  18. تاريخ دمشق: 190:25.
  19. راجع: القسم الثامن:بعد الاستشهاد:في رثاء الإمام.
  20. تاريخ دمشق: 177:25.
  21. الأغاني: 380:12.
  22. سير أعلام النبلاء: 28:86:4، تاريخ دمشق: 210:25، الأغاني: 386:12.
  23. ربيع الأبرار: 479:3.
  24. عام الجماعة: هو العام الذي سلّم فيه الامام الحسن عليه السلام الأمر لمعاوية، وذلک في جُمادي الاُولي سنة (41 ه ) (جواهر المطالب: 199:2).
  25. العقد الفريد: 342:3، تاريخ دمشق: 180:25 عن سعيد عن بعض أصحابه نحوه وليس فيه سؤال معاوية.
  26. تاريخ دمشق: 188:25، الکامل للمبرّد: 1125:3، الأغاني: 371:12 عن ابن عائشة عن أبيه وکلاهما نحوه مع زيادة في الأبيات، وفيات الأعيان: 535:2 وليس فيه الأبيات.
  27. سير أعلام النبلاء: 28:84:4، تاريخ الإسلام للذهبي: 279:5 وراجع الأغاني: 347:12 ووفيات الأعيان: 535:2، وشرح نهج البلاغة: 20:1.
  28. الأغاني: 348:12، وفيات الأعيان: 537:2 وفيه «لقّنت» بدل «أخذت».
  29. الخَبيصُ: حَلواء معمول من التمر والسَّمن، يُخبَص [أي يُخلَط] بعضه في بعض (راجع: تاج العروس: 265:9).
  30. الأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه: 81.