جاريه بن قدامه السعدي











جاريه بن قدامه السعدي



جارية بن قدامة التميمي السعدي. کان من صحابة النبيّ صلي الله عليه و سلم،[1] ومن أنصار عليِّ عليه السلام الأبرار الشجعان.[2] وکان فتيّ القلب، عميق الرؤية، ذا شخصيّة رفيعة جعلته ودوداً محبوباً. وکان ثابت القدم في حبّ عليٍّ عليه السلام، شديداً علي أعدائه.[3] .

ولمّا تقلّد الإمام الخلافة، أخذ له البيعة في البصرة.[4] وکان من جملة الهائمين بحبّه، الذين عُرفوا باسم «شرطة الخميس». وقد شهد مشاهده کلّها بجدٍّ وتفانٍ.[5] .

وتولّي قيادة قبيلة «سعد» و «رباب» في صفّين.

[صفحه 73]

وکان خطيباً مفوَّهاً، ويشهد علي لباقته وبلاغة لسانه محاوراته في صفّين، وکلماته الجريئة، وعباراته القويّة الدامغة في قصر معاوية دفاعاً عن إمامه عليه السلام.

وجّهه عليّ بن أبي طالب إلي أهل نجران عند ارتدادهم عن الإسلام.[6] .

بدأت غارات معاوية الظالمة علي أطراف العراق بعد معرکة النهروان، وأشخص عبد اللَّه بن عامر الحضرمي إلي البصرة ليأخذ له البيعة من أهلها، ففعل ذلک واستولي علي المدينة، فوجّه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في البداية أعين بن ضبيعة لإخماد فتنة ابن الحضرمي لکنّه استشهد ليلاً في فراشه، فأرسل جاريةَ، فاستعادها بتدبير دقيق وشجاعة محمودة، فأثني عليه الإمام عليه السلام.[7] .

وبعثه عليه السلام في الأيّام الأخيرة من حياته لإطفاء فتنة بسر بن أرطاة الذي کان مثالاً لا نظير له في الخبث واللؤم، وبينا کان جارية في مهمّته هذه استُشهد الإمام عليه السلام. وأخذ جارية البيعة للإمام الحسن عليه السلام من أهل مکّة والمدينة بخُطيً ثابتة، ووعي عميق للحقّ.[8] .

وکان جارية ذا سريرة وضيئة، وروح کبيرة. ولم يخشَ أحداً في إعلان الحقّ قطّ. وهکذا کان، فقد دافع عن الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام بحضور معاوية، وأکّد ثباته علي موقفه.[9] وتوفّي هذا الرجل الجليل

[صفحه 74]

بعد حکومة يزيد.[10] .

6446- تهذيب الکمال عن الفضل بن سويد: وَفَد الأحنف بن قيس، وجارية بن قُدامة، والحباب بن يزيد المجاشعي علي معاوية، فقال لجارية: يا جارية! أنت الساعي مع عليّ بن أبي طالب، والموقد النار في شعلک، تجوس قري عربيّة تسفک دماءهم؟ قال جارية: يا معاوية! دعْ عنک عليّاً؛ فما أبغضْنا عليّاً مذ أحببناه، ولا غششناه مذ نصحناه.

قال: ويحک يا جارية! ما کان أهونک علي أهلک، إذ سمّوک جارية!

قال: أنت يا معاوية کنت أهون علي أهلک إذ سمّوک معاوية.

قال: لا اُمّ لک.

قال: اُمّ ما ولدتني. إنّ قوائم السيوف التي لقيناک بها بصفّين في أيدينا.

قال: إنّک لتهدّدني!

قال: إنّک لم تملکنا قسرة، ولم تفتحنا عَنْوَة،[11] ولکن أعطيتنا عهوداً ومواثيق؛ فإن وفيت لنا وفينا لک، وإن نزعت إلي غير ذلک، فقد ترکنا وراءنا رجالاً مداداً،[12] وأذرعاً شداداً، وأسنّةً حداداً، فإن بسطت إلينا فِتْراً من غدر، دلفنا إليک بباع من خَتْر.[13] .

قال معاوية: لا کثّرَ اللَّه في الناس أمثالک!

[صفحه 75]

قال: قل معروفاً يا أميرالمؤمنين! فقد بلونا قريشاً، فوجدناک أوراها زَنْداً، وأکثرها رفداً، فارعنا رويداً؛ فإنّ شرّ الرِّعاء الحُطَمة.[14] [15] .

راجع: القسم السابع/هجمات عمّال معاوية/هجوم ابن الحضرمي علي البصرة.



صفحه 73، 74، 75.





  1. الطبقات الکبري: 56:7، مختصر تاريخ دمشق: 364:5، تقريب التهذيب: 885:137، تهذيب التهذيب: 1045:415:1؛ رجال الطوسي: 157:33.
  2. تهذيب الکمال: 886:481:4، مختصر تاريخ دمشق: 364:5، تهذيب التهذيب: 1045:415:1؛ الغارات: 401:2.
  3. الغارات: 401:2.
  4. تاريخ الطبري: 112:5.
  5. الاستيعاب: 306:299:1، اسد الغابة: 664:502:1، الإصابة: 1052:556:1، الوافي بالوفيات: 37:11.
  6. رجال الکشي: 168:322:1.
  7. أنساب الأشراف: 192:3، تهذيب الکمال: 886:481:4، مختصر تاريخ دمشق: 201:364:5، تاريخ الطبري: 112:5؛ الغارات: 408:2.
  8. أنساب الأشراف: 215:3، تاريخ الطبري: 140:5؛ الغارات: 623:2 و ص 640، تاريخ اليعقوبي: 199:2.
  9. تهذيب الکمال: 886:482:4، مختصر تاريخ دمشق: 365:5.
  10. الثقات: 60:3؛ أعيان الشيعة: 58:4.
  11. عنوة: أي قهرا وغلبة (النهاية: 315:3).
  12. المداد: هو ما يکثر به ويزاد (النهاية: 307:4).
  13. الفتر: ما بين الإبهام والسبابة. والدلف: التقدم. والباع: مسافة ما بين الکفين إذا بسطتهما، والختر: أسوأ الغدر وأقبحه (لسان العرب: 44:5 و ج 106:9 و ج 21:8 و ج 229:4).
  14. الحطمة: العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها علي بعض، ويعسفها. ضربه مثلا لوالي السوء (النهاية: 402:1).
  15. تهذيب الکمال: 886:482:4، أنساب الأشراف: 68:5 نحوه عن أبي اليقظان وغيره، مختصر تاريخ دمشق: 201:365:5، العقد الفريد: 86:3 نحوه من «ما کان أهونک علي أهلک...».