الاحنف بن قَيس











الاحنف بن قَيس



الأحنف بن قيس بن معاوية، أبوبحر التميمي السعدي، والأحنف لقب له لحَنَفٍ[1] کان برجله، واسمه الضحّاک وقيل: صخر، من کبار تميم.[2] أسلم علي

[صفحه 48]

عهد النبيّ صلي الله عليه و سلم،[3] لکنّه لم يَرَهُ.[4] حُمِدَ بالحلم والسيادة، وربّما أفرط مترجموه في نقل بعض الأمثلة من حلمه وسيادته.[5] .

وکان الأحنف من اُمراء الجيش في فتح خراسان أيّام عمر.[6] وفتح مَرْو في عصر عثمان.[7] واعتزل الإمامَ أميرالمؤمنين عليّاً عليه السلام في حرب الجمل،[8] فتبعه أربعة آلاف من قبيلته تارکين عائشة،[9] ودَعته عائشة إلي اللحاق بها، فلم يُجِب ودحض موقفها بکلام بصير واعٍ.[10] .

وکان من قادة جيش الإمام عليه السلام في معرکة صفّين،[11] واقترح أن يمثّل الإمام عليه السلام في التحکيم بدل أبي موسي.[12] .

واعتزل في فتنة ابن الحضرمي ولم يدافع عن الإمام عليه السلام. وکانت سياسته ترتکز علي المسامحة والموادعة، ومسايرة قومه وقبيلته، والابتعاد عن

[صفحه 49]

التوتّر.[13] .

وکانت له منزلة حسنة عند معاوية،[14] لکنّه لم يتنازل عن مدح الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام والثناء عليه وتعظيمه يومئذٍ.[15] وکاتَبه الإمام الحسين عليه السلام قبل ثورته فلم يُجِبه.[16] وإن صحّ هذا (أي عدم استجابته لدعاء الإمام عليه السلام)؛ فهو دليل علي رکونه إلي الدنيا، وتزعزع عقيدته.

وکانت تربطه بمصعب بن الزبير صداقة، من هنا رافقه في مسيره إلي الکوفة.[17] مات الأحنف سنة 67 ه.[18] .

6411- تاريخ دمشق عن عبد اللَّه بن المبارک: قيل للأحنف بن قيس: بأيّ شي ء سوّدک قومک ؟ قال: لو عاب الناس الماءَ لم أشربه.[19] .

6412- الجمل- في ذکر حرب الجمل-: بعث إليه [عليٍّ عليه السلام] الأحنفُ بن قيس رسولاً يقول له: إنّي مقيم علي طاعتک في قومي؛ فإن شئتَ أتيتک في مائتين من أهل بيتي فعلتُ، وإن[20] شئتَ حبست عنک أربعة آلاف سيف من بني سعد.

فبعث إليه أميرالمؤمنين عليه السلام: بل احبس وکفّ. فجمع الأحنف قومه، فقال: يا بني سعد! کُفّوا عن هذه الفتنة، واقعدوا في بيوتکم؛ فإن ظهر أهل البصرة فهم

[صفحه 50]

إخوانکم لم يُهيّجوکم، وإن ظهر عليٌّ سلمتم. فکَفّوا وترکوا القتال.[21] .

6413- الجمل: لمّا جاء رسول الأحنف وقد قدم علي عليّ عليه السلام بما بذل له من کفّ قومه عنه، قال رجل: يا أميرالمؤمنين، من هذا؟ قال: هذا أدهي العرب وخيرُهم لقومه.

فقال عليّ عليه السلام: کذلک هو، وإنّي لأمثَلُ بينه وبين المغيرة بن شعبة؛ لزِمَ الطائفَ، فأقام بها ينتظر علي من تستقيم الاُمّة! فقال الرجل: إنّي لأحسب أنّ الأحنف لأسرع إلي ما تحبّ من المغيرة.[22] .

6414- وقعه صفّين- في ذکر إعزام الحکمين في آخر حرب صفّين-: قام الأحنف بن قيس إلي عليّ فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي خيّرتک يوم الجمل أن آتيک فيمن أطاعني وأکفّ عنک بني سعد، فقلت: کفّ قومک فکفي بکفّک نصيراً، فأقمت بأمرک. وإنّ عبد اللَّه بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر کليل المُدية، وهو رجل يمانٍ، وقومه مع معاوية. وقد رُمِيتَ بحجر الأرض وبمن حارب اللَّه ورسوله، وإنّ صاحب القوم من ينأي حتي يکون مع النجم، ويدنو حتي يکون في أکفّهم. فابعثني وواللَّه لا يحلّ عقدة إلّا عقدتُ لک أشدّ منها. فإن قلت: إنّي لست من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم؛ فابعث رجلاً من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم، غير عبد اللَّه بن قيس، وابعثني معه. فقال عليّ: إنّ القوم أتَوني بعبد اللَّه بن قيس مُبَرْنَساً، فقالوا: ابعث هذا؛ فقد رضينا به. واللَّه بالغُ أمره.[23] .

[صفحه 51]

6415- وقعة صفّين- بعد ذکر دعوة الإمام عليه السلام أهل البصرة لقتال معاوية، وقراءة ابن عبّاس کتابه عليه السلام عليهم-: فقام الأحنف بن قيس فقال: نعم، واللَّه لنجيبنّک، ولنخرجنّ معک علي العسر واليسر، والرضا والکره، نحتسب في ذلک الخير، ونأمل من اللَّه العظيم من الأجر.[24] .

6416- تاريخ دمشق: إنّ الأحنف بن قيس دخل علي معاوية، فقال: أنت الشاهر علينا سيفک يوم صفّين، والمخذِّل عن أمّ المؤمنين؟! فقال: يا معاوية! لا تردّ الاُمور علي أدبارها؛ فإنّ السيوف التي قاتلناک بها علي عواتقنا، والقلوب التي أبغضناک بها بين جوانحنا، واللَّه لا تمدّ إلينا شبراً من غدرٍ إلّا مددنا إليک ذراعاً من خَتْر،[25] وإن شئت لتستصفينّ کدر قلوبنا بصفوٍ من عفوک. قال: فإنّي أفعل.[26] .

6417- العقد الفريد عن أبي الحباب الکندي عن أبيه: إنّ معاوية بن أبي سفيان بينما هو جالس وعنده وجوه الناس، إذ دخل رجل من أهل الشام، فقام خطيباً، فکان آخر کلامه أن لعن عليّاً، فأطرق الناس وتکلّم الأحنف، فقال:

يا أميرالمؤمنين! إنّ هذا القائل ما قال آنفاً، لو يعلم أنّ رضاک في لعن المرسلين للعنهم! فاتّقِ اللَّه ودعْ عنک عليّاً؛ فقد لقي ربّه، واُفرد في قبره، وخلا بعمله، وکان واللَّه- ما علمنا- المُبرِّز بسبقه، الطاهر خُلقه، الميمون نقيبته،[27] .

[صفحه 52]

العظيم مصيبته.

فقال له معاوية: يا أحنف! لقد أغضيت العين علي القذي، وقلت بغير ما تري، وايم اللَّه لتصعدنّ المنبر فلتلعنّه طوعاً أو کرهاً، فقال له الأحنف: يا أميرالمؤمنين! إن تُعفِني فهو خير لک، وإن تجبرني علي ذلک فواللَّه لا تجري به شفتاي أبداً، قال: قم فاصعد المنبر.

قال الأحنف: أما واللَّه مع ذلک لاُنصفنّک في القول والفعل.

قال: وما أنت قائل يا أحنف إن أنصفتني؟

قال: أصعد المنبر، فأحمد اللَّه بما هو أهله، واُصلّي علي نبيّه صلي الله عليه و سلم، ثمّ أقول: أيّها الناس، إنّ أميرالمؤمنين معاوية أمرني أن ألعن عليّاً، وإنّ عليّاً ومعاوية اختلفا فاقتتلا، وادّعي کلّ واحد منهما أنّه بُغي عليه وعلي فئته؛ فإذا دعوت فأمِّنوا رحمکم اللَّه. ثمّ أقول:

اللهمّ العن أنت وملائکتک وأنبياؤک وجميع خلقک الباغي منهما علي صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهمّ العنهم لعناً کثيراً. أمِّنوا رحمکم اللَّه!

يا معاوية! لا أزيد علي هذا ولا أنقص منه حرفاً ولو کان فيه ذهاب نفسي.

فقال معاوية: إذن نُعفيک يا أبابحر.[28] .

6418- عيون الأخبار عن السکن: کتب الحسين بن عليّ رضي اللَّه عنهما إلي الأحنف يدعوه إلي نفسه فلم يردّ الجواب، وقال: قد جرّبنا آل أبي الحسن، فلم نجد عندهم إيالة[29] للملک، ولا جمعاً للمال، ولا مکيدة في الحرب.[30] .

[صفحه 53]



صفحه 48، 49، 50، 51، 52، 53.





  1. الحَنَفُ في القَدَمينِ: إقبال کلّ واحدة منهما علي الاُخري بإبهامها (لسان العرب: 56:9).
  2. سير أعلام النبلاء: 29:87:4، المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق: 310:24 وفيه «وکان سيّد قومه».
  3. سير أعلام النبلاء: 29:87:4، تاريخ الإسلام للذهبي: 136:346:5، الاستيعاب: 161:230:1.
  4. الاستيعاب: 161:230:1، اُسد الغابة: 51:179:1، الإصابة: 429:332:1.
  5. سير أعلام النبلاء: 29:914، تاريخ الإسلام للذهبي: 136:345:5، وفيات الأعيان: 499:2 وفيهما «يُضرب به المثل في الحلم».
  6. المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق: 313:24.
  7. تاريخ الطبري: 310:4، تاريخ خليفة بن خيّاط: 121، المعارف لابن قتيبة: 425، تاريخ دمشق: 313:24.
  8. تاريخ الطبري: 500:4، الأخبار الطوال: 148؛ الجمل: 295.
  9. الجمل: 295؛ تاريخ الطبري: 501:4.
  10. اُسد الغابة: 2493:13:3.
  11. وقعة صفّين: 117 و ص 205؛ سير أعلام النبلاء: 29:87:4، تاريخ خليفة بن خيّاط: 146، تاريخ دمشق: 299:24.
  12. وقعة صفّين: 501؛ تاريخ الطبري: 52:5، الأخبار الطوال: 193.
  13. الکامل في التاريخ: 415:2.
  14. سير أعلام النبلاء: 29:95:4.
  15. العقد الفريد: 87:3، وفيات الأعيان: 504:2.
  16. عيون الأخبار لابن قتيبة: 211:1.
  17. الطبقات الکبري: 97:7، تاريخ الطبري: 95:6، تاريخ دمشق: 301:24.
  18. تاريخ خليفة بن خيّاط: 203، سير أعلام النبلاء: 29:96:4، تاريخ دمشق: 302:24.
  19. تاريخ دمشق: 316:24، سير أعلام النبلاء: 29:91:4.
  20. في المصدر: «فإن»، والصحيح ما أثبتناه.
  21. الجمل: 295.
  22. الجمل: 296.
  23. وقعه صفّين: 501.
  24. وقعة صفّين: 116.
  25. الخَتْر: شبيه بالغدر والخديعة؛ وقيل: هو أسوأُ الغدر وأقبحه (لسان العرب: 229:4).
  26. تاريخ دمشق: 326:24، عيون الأخبار لابن قتيبة: 230:2، العقد الفريد: 86:3 وفيهما من «لا تردّ الاُمور...»، تاريخ الإسلام للذهبي: 351:5 وفيه إلي «جوانحنا»، وفيات الأعيان: 500:2 کلّها نحوه.
  27. أي مُنَجّح الفِعال،مظفَّر المطالب. والنقيبة: النفس. وقيل: الطبيعة والخليقة (النهاية: 102:5).
  28. العقد الفريد: 87:3، وفيات الأعيان: 504:2، نهاية الأرب: 237:7.
  29. الإيَالة: السياسة. يقال: فلان حَسن الإيالة وسَيّئ الإيالة (النهاية: 85:1).
  30. عيون الأخبار لابن قتيبة: 211:1.