حديث علي من طريق الشعبي












حديث علي من طريق الشعبي



3 ـ وأمّا حديث الشعبيّ عن عليّ عليه السلام، فقد أخرجه أبو بکر بن مردويه في المناقب من حديث الحسن بن محمّـد، عن جرير، عن محمّـد ابن قيس، عن الشعبيّ، عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا دار الحکمة وعليّ بابها[1] .

قال ابن الجوزيّ[2] : محمّـد بن قيس مجهول.

[صفحه 21]

قلـت:

هذا جهل من ابن الجوزيّ وظلمة فوق ظلماته، فإنّ محمّـد بن قيس هذا، هو الاَسديّ الوالبيّ الذي روي عن سلمة بن کهيل وعامر الشعبيّ وجماعة، روي له البخاريّ في الاَدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائيّ.

قال أحمد بن حنبل: کان وکيع إذا حدّثنا عن محمّـد بن قيس الاَسديّ قال: وکان من الثقات.

وقال عبـد الله بن أحمد: سُئل أبي عن محمّـد بن قيس الاَسدي، فقال: ثقة لا يُشکّ فيه.

وقال ابن معين وابن المديني وأبو داود والنسائي وابن سعد ويعقوب ابن سفيان: ثقة، وذکره ابن حبّان في الثقات[3] . انتهي.

بل لـو کان ابن قيسٍ مجهولاً ـ کمـا زعم ابن الجوزيّ ـ لَما ساغ له إيراد حديثه في الموضوعات، لاَنّ جهالة حال الراوي لا تقتضي وضع حديثه، ولکنّ أبا الفرج حاطب ليلٍ لا يميّز بين الغثّ والسمين، ولا يدري ما يخرج من رأسه[4] ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

فلم يبق في سند هذا الحديث مطعنٌ ولا مغمزٌ سوي دعوي الاِرسال، فإنّ الشعبيّ لم يسمع عليّاً عليه السلام ـ کما قيل[5] .

وتحقيق الحقّ في المقام يستدعي الکلام علي ذلک بما يحتمله هذا الجزء.

[صفحه 22]

فنقول ـ وبالله تعالي التوفيق ـ:

إنّ رواية الشعبيّ عن عليّ عليه السلام ثابتة عند القوم بلا ريب، کما في حديث رجم شُراحة الهمدانيّة الذي أخرجه البخاريّ في صحيحه[6] ، وقد جزموا باتّصاله لثبوت اللقاء، وکونه علي عهد عليّ عليه السلام قد ناهز العشرين سنة، فجاز أن يکون قد سمع حديث الباب أيضاً من عليّ عليه السلام فيُحمل علي الاتّصال، ويبطل قول الدارقطني: إنّه لم يسمع من عليّ عليه السلام غير الحديث المذکور[7] .

وممّا يعکّر علي دعوي الدارقطنيّ، أنّ الشعبيّ روي عن خلائق من الصحابة ـ کما يُعلم ذلک من ترجمته في تهذيب الکمال ـ بل قد حکي عنه أنّه قال: أدرکت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقولون: عليّ وطلحة والزبير في الجنّة[8] .

فيبعد حينئذٍ أن لا يکون قد سمع من عليٍّ عليه السلام سوي حديثه في الرجم، مع ثبوت لقائه وسماعه، وکونه في سنّ التحمّل، فتأمّل.

ولو تنزّلنـا، فإنّ المرسَل إذا أُسند مـن وجهٍ آخر دلّ ذلک علي صحّته ـ کما هو مختار الشافعيّ[9] ـ وقد عرفت أنّ هذا الحديث مخرّج من وجهٍ آخر بإسنادٍ متّصلٍ صحيحٍ.

بل إنّ حديث الشعبيّ لو لم يُسند من وجهٍ آخر، لکان صحيحاً

[صفحه 23]

مقبولاً أيضاً، فإنّ منهم من قبل مراسيل التابعين علي اختلاف طبقاتهم، وهذا هو الذي يقول به مالک وجمهور أصحابه وأحمد وکلّ من يقبل المرسَل من أهل الحديث[10] .

ومنهم: مَن خصّ القبول بمراسيل کبار التابعين دون صغارهم الّذين تقلّ روايتهم عن الصحابة ـ کما حکاه ابن عبـد البرّ[11] .

ومنهم: مَنْ فرّق بين من عُرف من عادته أنّه لا يروي إلاّ عن ثقةٍ فيقبل مرسَله، وبين مَن عُرف أنّه يُرسل عن کلّ أحدٍ سواء کان ثقةً أو ضعيفاً فلا يقبل مرسَله، وهذا اختيار جماعةٍ کثيرين من أئمّة الجرح والتعديل کيحيي بن سعيد القطّان وعليّ بن المدينيّ وغيرهما[12] ، واختاره العلائيّ في جامع التحصيل[13] .

قلت:

فعلي کلّ واحدٍ من هذه الاَقوال يتعيّن الاَخذ بمراسيل الشعبيّ، بل إنّ مراسيله قد اتّصفت ـ عند العلماء ـ بالصحّة، وامتازت بالقبول مطلقاً.

قال العجليّ: مرسل الشعبيّ صحيح، لا يرسل إلاّ صحيحاً[14] .

وأخـرج الشيخ الاِمام أبو جعفـر الطوسي رحمه الله حديث الباب في

[صفحه 24]

أماليه[15] من طريق أبي عبـد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام، عن أبيه عليه السلام؛ قال أبو جعفر رحمه الله: أخبرنا أبو عبـد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا محمّـد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، قال: أخبرني أبي، قال: حدّثنا محمّـد بن أحمد بن إبراهيم الليثي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّـد الهمدانيّ، قال: حدّثنا يعقوب بن يوسف بن زياد، حدّثنا أحمد بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفرٍ الباقر عليه السلام، عـن علـيّ بـن الحسين عليه السلام، عـن الحسين بن عليّ عليه السلام، عـن علـيّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة الحکمة وأنت يا عليّ بابها.. الحديث.

وقد تبيّن ممّا ذکرنا أنّ حديث أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ثابت بلا ريب ولا شبهة، فالمنازع في ذلک مکابرٌ متعنّتٌ، لا ينبغي الاِصغاء إلي هذيانه، ولا إلقاء السمع إلي زخرف قوله وبيانه.


وإذا لم تر الهلال فسلّم
لاَُناسٍ رأوه بالاَبصار


صفحه 21، 22، 23، 24.








  1. الموضوعات 1 / 350، اللآليَ المصنوعة 1 / 329.
  2. الموضوعات 1 / 353.
  3. تهذيب الکمال 26 / 318 ـ 320، تهذيب التهذيب 5 / 264، الثقات 7 / 427.
  4. فتح الملک العليّ: 160.
  5. لسان الميزان 6 / 509.ـ
  6. صحيح البخاريّ 8 / 204، فتح الباري 23 / 290 ح 11، کتاب المحاربين من أهل الکفر والردّة ـ باب رجم المحصن. التبيان 1 / 16 ـ 17 من المقدّمة.
  7. فتح الباري 12 / 121، تهذيب التهذيب 3 / 48.
  8. تهذيب الکمال 14 / 34، تهذيب التهذيب 3 / 47.
  9. جامع التحصيل في أحکام المراسيل: 37.
  10. جامع التحصيل في أحکام المراسيل: 28.
  11. جامع التحصيل في أحکام المراسيل: 28.
  12. جامع التحصيل في أحکام المراسيل: 33.
  13. جامع التحصيل في أحکام المراسيل: 96.
  14. تاريخ الثقات: 244، تهذيب التهذيب 3 / 48.
  15. أمالي الطوسي: 431 ح 964.