المحب والناصر











المحب والناصر



علي فرض إرادة هذين المعنيين لا يخلو إما أن يراد بالکلام حث الناس علي محبته ونصرته بما انه من المؤمنين به والذابين عنه. أو أمره عليه السلام بمحبتهم ونصرتهم وعلي کل فالجملة إما إخبارية أو إنشائية.

فالاحتمال الاول وهو الاخبار بوجوب حبه علي المؤمنين فمما لا طايل تحته، وليس بأمر مجهول عندهم لم يسبقه التبليغ حتي يأمر به في تلک الساعة ويناط التواني عنه بعدم تبليغ شيئ من الرسالة کما في نص الذکر الحکيم، فيحبس له الجماهير، و يعقد له ذلک المنتدي الرهيب، في موقف حرج لاقرار به، ثم يکمل به الدين، وتتم به النعمة، ويرضي الرب، کأنه قد أتي بشيئ جديد، وشرع ما لم يکن وما لا يعلمه المسلمون، ثم يهنأه من هنأه بأصبحت مولاي ومولي کل مؤمن ومؤمنة، مؤذنا بحدوث أمر عظيم فيه لم يعلمه القائل قبل ذلک الحين، کيف؟ وهم يتلون في آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه: والمؤمنون بعضهم أوليآء بعض. وقوله تعالي: إنما المؤمنون اخوة. مشعرا بلزوم التوادد بينهم کما يکون بين الاخوين، نجل نبينا الاعظم عن تبليغ تافه مثله، ونقدس إلهنا الحکيم عن عبث يشبهه.

والثاني: وهو إنشاء وجوب حبه ونصرته بقوله ذلک، وهو لا يقل عن المحتمل الاول في التفاهة، فانه لم يکن هناک أمر لم ينشأ وحکم لم يشرع حتي يحتاج إلي بيانه الانشائي کما عرفت، علي أن حق المقام علي هذين الوجهين أن يقول صلي الله عليه

[صفحه 366]

وآله: من کان مولاي فهو مولي علي أي محبه وناصره، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ، ولعل سبط إبن الجوزي نظر إلي هذا المعني وقال في تذکرته ص 19: لم يجز حمل لفظ المولي في هذا الحديث علي الناصر. وسيأتي لفظه بتمامه. علي أن وجوب المحبة والمناصرة علي هذين الوجهين غير مختص بأميرالمؤمنين عليه السلام وإنما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره؟ وإن اريد محبة أو نصرة مخصوصة له تربو عن درجة الرعية کوجوب المتابعة، وإمتثال الاوامر، والتسليم له، فهو معني الحجية والامامة، لا سيما بعد مقارنتها بما هو مثلها في النبي صلي الله عليه وآله بقوله: من کنت مولاه، والتفکيک بينهما في سياق واحد إبطال للکلام.

والثالث: وهو إخباره بوجوب حبهم أو نصرتهم عليه، فکان الواجب عندئذ إخباره صلي الله عليه وآله عليا والتأکيد عليه بذلک لا إلقاء القول به علي السامعين، وکذلک إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع، فکان صلي الله عليه وآله في غني عن ذلک الاهتمام وإلقاء الخطبة وإستسماع الناس والمناشدة في التبليغ، إلا أن يريد جلب عواطف الملا وتشديد حبهم له عليه السلام إذا علمو أنه محبهم أو ناصرهم ليتبعوه، ولا يخالفوا له أمرا، ولا يردوا له قولا.

وبتصديره صلي الله عليه وآله الکلام بقوله: من کنت مولاه. نعلم أنه علي هذا التقدير لا يريد من المحبة أو النصرة إلا ما هو علي الحد الذي فيه صلي الله عليه وآله منهما، فإن حبه ونصرته لامته ليس کمثلهما في أفراد المؤمنين، وإنما هو صلي الله عليه آله يحب امته فينصرهم بما انه زعيم دينهم ودنياهم، ومالک أمرهم وکالئ حوزتهم، وحافظ کيانهم، وأولي بهم من أنفسهم، فإنه لو لم يفعل بهم ذلک لاجفلتهم الذئاب العادية، وانتأشتهم الوحوش الکواسر، ومدت اليه الايدي من کل صوب وحدب، فمن غارات تشن، وأموال تباح، ونفوس تزهق، وحرمات تهتک، فينتقض غرض المولي من بث الدعوة، وبسط أديم الدين، ورفع کلمة الله العليا، بتفرق هاتيک الجامعة، فمن کان في المحبة والنصرة علي هذا الحد فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله، والمعني علي هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه.

[صفحه 367]



صفحه 366، 367.