نظرة في معاني المولي











نظرة في معاني المولي



ذکر علماء اللغة من معاني المولي ألسيد غير المالک والمعتق کما ذکروا من معاني الولي الامير والسلطان مع إطباقهم علي اتحاد معني الولي والمولي: وکل من المعنيين لا يبارح معني الاولوية بالامر، فالامير أولي من الرعية في تخطيط الانظمة الراجعة إلي جامعتهم، وبإجراء الطقوس المتکفلة لتهذيب أفرادهم، وکبح عادية کل منهم عن الآخر، وکذلک ألسيد أولي ممن يسوده بالتصرف في شؤونهم، وتختلف دائرة هذين الوصفين سعتا وضيقا باختلاف مقادير الامارة والسيادة فهي في والي المدينة أوسع منها في رؤساء الدواوين، وأوسع من ذلک في ولاة الاقطار، و يفوق الجميع ما في الملوک والسلاطين، ومنتهي السعة في نبي مبعوث علي العالم کله وخليفة يخلفه علي ما جاء به من نواميس وطقوس.

ونحن إذا غاضينا القوم علي مجيئ الاولي بالشئ من معاني المولي فلا نغاضيهم علي مجيئه بهذين المعنيين، وانه لا ينطبق في الحديث إلا علي أرقي المعاني. أو أوسع الدوائر، بعد أن علمنا أن شيئا من معاني المولي المنتهية إلي سبعة وعشرين معني لا يمکن إرادته في الحديث إلا ما يطابقهما من المعاني ألا؟ وهي:

1- ألرب 2- ألعم 3- إبن العم 4- ألابن 5- إبن الاخت

6- ألمعتق 7- ألمعتق 8- ألعبد 9- ألمالک[1] 10- ألتابع

11- ألمنعم عليه 12- ألشريک 13- ألحليف 14- ألصاحب 15- ألجار

[صفحه 363]

16- ألنزيل 17- ألصهر 18- ألقريب 19- ألمنعم 20- ألفقيد

21- ألولي 22- الاولي بالشئ 23- السيد غير المالک والمعتق 24- ألمحب

25- الناصر 26- المتصرف في الامر 27- ألمتولي في الامر.

فالمعني الاولي يلزم من إرادته الکفر إذ لا رب للعالمين سوي الله. وأما الثاني والثالث إلي الرابع عشر فيلزم من إرادة شئ منها في الحديث الکذب، فإن النبي عم أولاد أخيه إن کان له أخ وأميرالمؤمنين إبن عم أبيهم. وهو صلي الله عليه وآله إبن عبدالله وأميرالمؤمنين إبن أخيه أبي طالب، ومن الواضح إختلاف امهما في النسب فخؤلة کل منهما غير خؤلة الآخر، فليس هو عليه السلام بابن اخت لمن صلي الله عليه وآله إبن اخته. وأنت جد عليم بان من أعتقه رسول الله لم يعتقه أميرالمؤمنين مرة اخري، وإن کلا منهما سيد الاحرار من الاولين والآخرين، فلم يکونا معتقين لاي إبن انثي واعطف عليه ألعبد في السخافة والشناعة. ومن المعلوم ان الوصي صلوات الله عليه لم يملک مماليک رسول الله صلي الله عليه وآله فلا يمکن إرادة المالک منه. ولم يکن النبي تابعا لاي أحد غير مرسله جلت عظمته، فلا معني لهتافه بين الملا بان من هو تابعه فعلي تابع له. ولم يکن علي رسول الله لاي أحد من نعمة بل له المنن والنعم علي الناس أجمعين فلا يستقيم المعني بإرادة المنعم عليه. وما کان النبي صلي الله عليه وآله يشارک أحدا في تجارة أو غيرها حتي يکون وصيه مشارکا له ايضا، علي انه معدود من التافهات إن تحققت هناک شراکة، وتجارته لام المؤمنين خديجة قبل البعثة کانت عملا لها لا شراکة معها، ولو سلمناها فالوصي سلام الله عليه لم يکن معه في سفره ولاله دخل في تجارته. ولم يکن نبي العظمة محالفا لاحد ليعتز به، وإنما العزة لله ولرسوله و للمؤمنين، وقد إعتز به المسلمون أجمع، إذن فکيف يمکن قصده في المقام؟ وعلي فرض ثبوته فلا ملازمة بينهما.

وأما الصاحب والجار والنزيل والصهر والقريب سواء اريد منه قربي الرحم أو قرب المکان فلا يمکن إرادة شئ من هذه المعاني لسخافتها لا سيما في ذلک المحتشد الرهيب: في أثناء المسير، ورمضاء الهجير، وقد أمر صلي الله عليه وآله بحبس المقدم في السير، ومنع التالي منه في محل ليس بمنزل له، غير أن الوحي الالهي المشفوع

[صفحه 364]

بما يشبه التهديد إن لم يبلغ حبسه هنالک، فيکون صلي الله عليه وآله قد عقد هذا المحتفل والناس قد أنهکهم وعثاء السفر، وحر الهجير، وحراجة الموقف حتي ان أحدهم ليضع ردائه تحت قدميه، فيرقي هنالک منبر الاهداج، ويعلمهم عن الله تعالي ان نفسه نعيت إليه، وهو مهتم بتبليغ أمر يخاف فوات وقته بانتهاء أيامه، وان له الاهمية الکبري في الدين والدنيا فيخبرهم عن ربه بامور ليس للاشادة بها أي قيمة وهي: ان من کان هو صلي الله عليه وآله مصطحبا أو جارا أو مصاهرا له أو نزيلا عنده أو قريبا منه بأي المعنيين فعلي کذلک. لاها الله لا نحتمل هذا في أحد من أهل الحلوم الخائرة، والعقليات الضعيفة، فضلا عن العقل الاول، والانسان الکامل نبي الحکمة، وخطيب البلاغة، فمن الافک الشائن أن يعزي إلي نبي الاسلام إرادة شئ منها، وعلي تقدير إرادة شئ منها فأي فضيلة فيها لامير المؤمنين عليه السلام حتي يبخبخ ويهنأ بها، ويفضلها سعد إبن أبي وقاص في حديثه[2] علي حمر النعم لو کانت، أو تکون أحب إليه من الدنيا وما فيها، عمر فيها مثل عمر نوح.

وأما المنعم: فلا ملازمة في أن يکون کل من أنعم عليه رسول الله صلي الله عليه وآله يکون أميرالمؤمنين عليه السلام منعما عليه ايضا بل من الضروري خلافه، إلا أن يراد أن من کان النبي صلي الله عليه وآله منعما عليه بالدين والهدي والتهذيب و الارشاد والعزة في الدنيا والنجاة في الآخرة فعلي عليه السلام منعم عليه بذلک کله لانه القائم مقامه، والصادع عنه، وحافظ شرعه، ومبلغ دينه، ولذلک أکمل الله به الدين، وأتم النعمة بذلک الهتاف المبين، فهو حينئذ لا يبارح معني الامامة الذي نتحراه، ويساوق المعاني التي نحاول إثباتها فحسب.

وأما العقيد: فلابد أن يراد به المعاقدة والمعاهدة مع بعض القبايل للمهادنة أو النصرة فلا معني لکون أميرالمؤمنين عليه السلام کذلک إلا أنه تبع له في کل أفعاله وتروکه، فيساوقه حينئذ المسلمون أجمع، ولا معني لتخصيصه بالذکر مع ذلک الاهتمام الموصوف، إلا أن يراد أن لعلي عليه السلام دخلا في تلک المعاهدات التي عقدها رسول الله صلي الله عليه وآله لتنظيم السلطنة إلاسلامية، وکلائة الدولة عن الملاشات

[صفحه 365]

بالقلاقل والحرج، فله التدخل فيها کنفسه صلي الله عليه وآله، وإن أمکن إرادة معاقدة الاوصاف والفضايل کما يقال: عقيد الکرم، وعقيد الفضل، أي: کريم وفاضل. ولو بتمحل لا يقبله الذوق العربي، فيقصد أن من کنت عقيد الفضايل عنده فليعتقد في علي مثله، فهو والحالة هذه مقارب لما نرتأيه من المعني، وأقرب المعاني أن يراد به العهود التي عاهدها صلي الله عليه وآله مع من بايعه من المسلمين علي إعتناق دينه، والسعي وراء صالحه، والذب عنه، فلا مانع أن يراد من اللفظ والحالة هذه فإنه عبارة اخري لان يقول: إنه خليفتي والامام من بعدي.



صفحه 363، 364، 365.





  1. في صحيح البخاري 7 ص 57: المليک. وقال القسطلاني في شرح الصحيح 7 ص 77: المولي المليک لانه يلي امور الناس. وشرحه کذلک أبومحمد العيني في عمدة القاري. وکذا قال لفظيا العدوي الحمزاوي في النور الساري.
  2. راجع ص 41 -38.